أضواء
كانت الكويت الحديثة، منذ بروزها بعد عام 1950، بما فيها من حريات وهيئات وإمكانيات مالية، ميداناً أساسياً لنمو ودعم التيار الديني وجماعاته الحزبية. وفي المجتمع الكويتي، كما في أماكن أخرى، استطاعت جماعات «الإسلام السياسي» إحداث تحولات فكرية وحركية داخل فلسفة العمل النسائي. وفي العالم العربي، وبعد فترة من التزمت الشديد والمبالغة العقائدية، دار صراع علني بين «الأخوان المسلمين» والجماعات السلفية حول قضايا المرأة، ثم انقسم «الأخوان» ودعاتهم على أنفسهم عالمياً بين تقليدي متشدد، ومجتهد في التغيير والاعتدال. وامتد الانقسام تدريجياً، ولا يزال، إلى التيار السلفي كذلك، فكان أبرز أحداثه الخلاف بين الألباني والتويجري، حول شرعية كشف وجه المرأة. وأجازت فتاوى الترابي ومحمد الغزالي والقرضاوي حقوقاً كانت مثار جدل ونزاع لدى الإسلاميين. وأفتى د. القرضاوي بجواز تولي المرأة المناصب القيادية عدا الإمامة، فـ«يمكن أن تكون وزيرة، ويمكن أن تكون قاضية».نعود لنكمل قراءة دراسة د. هيلة المكيمي عن صعود المرأة الكويتية إلى البرلمان، وتعامل الحركة النسائية مع تنامي التيار الإسلامي. وتلاحظ الدراسة أن مطالبات الجمعيات النسائية في السبعينيات كانت من أسباب بروز التيار الديني، حيث تبنى هذا التيار عدداً من الجمعيات النسائية الرافضة لمشاركة المرأة السياسية. «وكان ظهور «جمعية بيادر السلام» الصوفية، دافعاً للأخوان المسلمين لتأسيس «اللجنة النسائية» التابعة لجمعية الإصلاح في يونيو 1983، كما أنشئت جمعية نسائية دينية في عام 1982 عرفت بجمعية «الرعاية الإسلامية»، من أجل توفير عدد من البدائل للجمعيات الدينية النسائية». وهو دور غير مفهوم لهذه الجمعية من خلال الدراسة، بحاجة إلى بعض الشرح من قبل الباحثة، فكيف يكون «إنشاء جمعية نسائية دينية»، بديلاً عن الجمعيات الدينية النسائية؟! ركزت غالبية هذه الجمعيات -تقول الباحثة- على العمل الاجتماعي، واستمر ذلك حتى ما بعد إقرار الحقوق السياسية. فرئيسة «اللجنة النسائية»، في جمعية الإصلاح، السيدة سعاد الجار الله، تؤكد أن «اهتمام اللجنة ينصب حول قضايا المرأة والأسرة والطفل، وأن المرأة من خلال أدوارها الأكاديمية والاقتصادية والاجتماعية تستطيع التأثير على القرار. وترى الباحثة، «أن افتقار العمل النسائي الإسلامي إلى روح المبادرة في المشاركة السياسية يرجع إلى فقدانه لاستقلالية القرار المهيمن عليه من قبل الرجال الناشطين في الجماعات الإسلامية». أي عكس ما ترى «الجار الله». إن هيمنة الرجال على العمل النسائي الإسلامي تتكرر باستمرار رغم الشكوى من ذلك.وفي الكويت، تقول د. المكيمي، سعت الجماعات الإسلامية، «إلى محاصرة جميع الأنشطة الرامية إلى تمكين المرأة سياسياً». ومن أعمال هذه الجماعات في هذا المجال قيام أكثر من ألف امرأة عام 1982 بتوقيع عريضة تشكر فيها مجلس الأمة، على رفضه مشروع قانون تقدم به النائب «أحمد الطخيم»، يعطي المرأة حق التصويت.وفي عام 1992، أي بعد عشر سنوات من تقديم تلك العريضة، وبعد تحرير الكويت من الاحتلال بعام، قُدمت عريضة مماثلة إلى مجلس الأمة موقعة من قبل 300 امرأة تؤكد أن إعطاء المرأة حقوقها السياسية «مخالفة للشريعة الإسلامية، وسيفتح باب الشرور والفساد». وبعد صدور المرسوم الأميري في عام 1999 لإقرار حقوق المرأة وبروز نشاط القوى المؤيدة للمرسوم، خرجت في المقابل متظاهرات من كلية الشريعة، لرفض إقرار تلك الحقوق.وتمتد «الفترة الثانية» من جهود الحركة النسائية لإقرار حقوق المرأة السياسية، كما تعرضها ورقة د. هيلة المكيمي، ما بين 1990 - 2005. وتقول إن «الجمعية الثقافية النسائية»، رغم ظروف المنافسة والخصومة مع «جمعية النهضة»، أخذت منذ مطلع الثمانينيات على عاتقها قضية حقوق المرأة السياسية. فخلال الحملات الانتخابية لمجلس الأمة عام 1981، سعت مجموعة من عضوات الجمعية للاستماع إلى الندوات الانتخابية التي تبث على موجات المذياع FM ، وهنَّ في سياراتهن خارج المراكز الانتخابية، ما يعد أسلوباً مبتكراً من وسائل العمل السياسي واستغلال تكنولوجية ما قبل الهواتف النقالة والإنترنت! وبعد رفض مشروع قانون 1982، الذي أشرنا إليه، قدمت عضوات الجمعية عرائض شكوى برلمانية، وحرصن على حضور الجلسة المخصصة لمناقشة تلك العرائض. كما شاركت مجموعة من العضوات في أول محاولة نسائية جرت عام 1985 للتسجيل في جداول القيد، لكن طلبهن قوبل بالرفض. وقد شهدت تلك الانتخابات زيادة عدد المراكز الانتخابية التي تبثُّ ما يدور داخل المقار الانتخابية عبر شاشات تلفزيونية، في أماكن خصصت للنساء، وهكذا تم تقليص الفجوة السياسية بين اهتمام الرجال واهتمام النساء بالحياة البرلمانية إلى حد كبير، واكتشفت قطاعات أوسع من النساء دورهن السياسي.نشطت عضوات الجمعية في الفترة ما بين 1992-1995، في عدة مجالات بما في ذلك محاولات التسجيل في المراكز الانتخابية وتقديم العرائض للمجلس ولوزير الداخلية والحضور في جلسات المجلس، والمشاركة في مظاهرة نسائية أمام المقار الانتخابية في عام 1994، ومواصلة طلب تسجيل الأسماء في جداول الناخبين.وفي عام 1994 أُشهر “الاتحاد الكويتي للجمعيات النسائية” الذي تأسس من قبل 25 سيدة منتمية إلى جمعيات نفع عام. وقد تبنى الاتحاد وجهة النظر التقليدية لدور المرأة في المجتمع الذي وضع ضمن رؤية المحافظة على أحكام الشريعة الإسلامية وعادات المجتمع الكويتي وتقاليده. إلا أنه في عام 1995 تابعت الجمعية النسائية الثقافية المطالبة بالحقوق السياسية عبر تشكيل “لجنة قضايا المرأة”.وبعد صدور المرسوم الأميري بقانون رقم 9 لعام 1999، تقول الباحثة، شهدت الحركة النسائية من مختلف التيارات نشاطاً ملحوظاً للضغط باتجاه إقرار الحقوق السياسية، بمن في ذلك من ناشطات إسلاميات. وتعكس مشاركة الإسلاميات في هذه المطالب حجم الخلاف والانقسام داخل التيار الديني حول دور المرأة في الحياة السياسية، وتراجع قوة “المحافظين” والتقليديين، وخاصة أن التيارات الدينية والجماعات الإسلامية في دول كثيرة، لم يروا بأساً في إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح.ونعود إلى ورقة د. المكيمي وهي تختتم الحديث عن العامل الأول من العوامل الأربعة التي أسهمت في تعديل قانون الانتخاب عام 2005. فقد رفض مجلس الأمة المرسوم بقانون، دعوى عدم توافر شرط الضرورة اللازم لإصدار المراسيم بقانون وفقاً للمادة 71 من الدستور. وبعد سقوط المرسوم الأميري شكلت الجمعية النسائية لجنة متابعة الحق السياسي، وكان أعضاؤها من الجنسين، كما لجأت عضوات الجمعية إلى القضاء كأحد أساليب الضغط. وبالفعل، تم ما بين عامي 2000-2005 تسجيل عدد كبير من القضايا في المحاكم ضد وزير الداخلية ومسؤولين آخرين، لرفض الوزارة تسجيل أسماء النساء في جداول الناخبين.وأخيراً، جاء التحرك في عام 2005 مختلفاً، حينما طلب عشرة من نواب المجلس إحالة المادة الأولى من قانون الانتخاب إلى المحكمة الدستورية. وقد أسهم هذا التحرك في وضع الحكومة باتجاه إقرار الحقوق السياسية للمرأة بواسطة تعديل القانون عبر مجلس الأمة.[c1] جريدة(الاتحاد) الإماراتية