الجواهري بعيون الأعرجي
كتبت: رواء الجصاني من بين الدارسين المميزين للجواهري، والمتابعين المهمين لحياته، وعطاءاته الشعرية والفكرية في العقود الأربعة السالفة، يبرز الباحث والأكاديمي البارع محمد حسين الأعرجي، الذي رحل عاجلاً عن عالمنا قبل بضعة أيام لا أكثر، لتفقده رحاب الثقافة العراقية التي أحوج ما تكون إلى مثل نتاجاته ومواقفه في هذه الأوقات التي تعيشها البلاد، حيث تتنازع فيها الرؤى والشجون، لرسم وتحديد، بل والتأسيس للتوجهات والآفاق المستقبلية.ويسجل المتابعون للأعرجي الراحل العديد من الكتابات والمساهمات والبحوث عن سيرة الجواهري، ومنجزه الشعري، كانت في غالبها الأعم، على ما نزعم، متميزة ليس بمواضيعها ومحاورها وحسب، بل وفي أناقة صياغاتها، وأسلوبية إتمامها. وإن شكت في بعضها من الاجتهادات، أو الاستنتاجات غير الدقيقة وقد سبق أن (تنازعنا) حولها، ووجهاً لوجه بعض الأحيان، ولربما نعود للحديث عنها في أوقات لاحقة.وبحسب ما نزعم أيضا نرى أن من أبرز متابعات وكتابات الأعرجي عن الجواهري ما ضمه في مؤلفه الموسوم (الجواهري دراسة ووثائق) ذي الأكثر من خمسمائة صفحة من القطع المتوسط، والصادر عن دار المدى في دمشق عام 2002.والمؤلَف إياه، شمل تنوعاً في كتابات صاحبه عن الجواهري: تاريخه وذكريات وبحوثاً وانطباعات واستشهادات، فضلاً عن بعض الوثائق ذات الصلة. وجاءت مقدمته لتوجز للقارئ بعض محطات في جذور علاقة الأعرجي مع الشاعر العظيم: إعجاباً، ومتابعة، وحباً، ومن ثم صلات ورغبات بأن يتقدم عنه برسالة دكتوراه عام 1973 ولم يسمح له في ذلك، بسبب الظروف التي كانت تعيشها البلاد العراقية في ظل ثقافة الحزب الواحد، وهيمنته السياسية والسلطوية.ومن جملة ما شد انتباهنا في كتاب (الجواهري دراسة ووثائق) موضوع عنايتنا، فصله السادس، تحت عنوان (مناجاة النفس) ووقفاته التحليلية عند بعض قصائد منتقاة، ومنها مطولة (يا نديمي) الوجدانية التنويرية الغاضبة ذات الأكثر من قافية وإيقاع ورؤى:يا نديمي أمس اقتنصت طريداً، شاعراً كان يستضيف البيدا كان هماً، وكان صلباً حديدا، يملا القفر موحشاً، تغريدا قلت من؟ قال شرط أن لا تزيدا، أنا أدعى: مسافر ويزيدا من بلاد ٍ أعدت على القرودا، ونفتني، وكنت فيها النشيدا [c1] *** [/c]وتولى عني، فظلت مليا، في قرود وفكر ونشيد وعلى انه أجاد الرويا، لم أجد في رويه ِمن جديد كان قلباً غضاً، وفكراً طريا، شاءه الحظ في مزاحف دود كل طير (مسافر بن يزيد)، حين يغدو فريسة لقرودومادام الحديث عن مؤلَفِ الأعرجي سالكا كما يقولون، نضيف أنه كان، وإلى جانب البحوث المهمة فيه، حافلاً بالمزيد من المراسلات الجواهرية الخاصة، والتي جهد المؤلف ليس في نشرها وحسب بل وفي التعليق عليها، والتوضيح بشأنها، ومنها ما لم ينشر سابقاً، إلى شخصيات بارزة مثل: مصطفى بارزاني ومهدي المخزومي وجلال طالباني، مع حفظ الألقاب، فضلاً عن الأعرجي ذاته. كما ضم المؤلفُ أيضا نصوصاً ومقطوعات شعرية، وهجائيات، وكذلك أخوانيات عديدة، ومنها تسعة أبيات إلى صديقه جلال طالباني بعيد جلسة خاصة شهدت نقاشات واستقراءات سياسية عام 1966 ومن أبياتها:أقصد (جلال) ولا تسرف، وكن حكماً، عدلاً يميز شريراً، وقديساكن خيزراناً طرياً، لا مكاسره هش، وليس خشيب العود مأيوسافان تبالغ، تجد منا ذوي نصف، لا يخلطون مع (الرحمن) إبليساوان تزاحف (بجحش) صاد أرنبة، نزحف عليك (بجحش) صاد طاووساأخيراً نوثق أن مناسبات وفعاليات احتفائية جواهرية عديدة، شهدت حضوراً بارزاً للأعرجي ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر: مئوية الجواهري في كردستان عام 2000، وفعاليات افتتاح مركز الجواهري في براغ عام 2002 والذي كان الفقيد نفسه أحد ثلاثة موقعين على إعلان بدء وانطلاقة نشاطات المركز، إلى جانب المستعرب التشيكي البارز يارومير هايسكي، وصاحب هذه الكتابة.