(14 أكتوبر ) عاشت لحظات الفرح بالعيد مع الاجئين الآفارقة في عدن وأبين
تشابه الأيام لديهم ولا تختلف في تفاصيلها سوى بالنزر اليسير من الاستثناءات المحدودة ما بين حالة وأخرى.. حيث يظل هاجس الحنين للوطن والعودة إلى الديار ومراتع الصبا.. وأماكن اللهو والسمر وزوايا الحب الأول.. والعشق العذري.. مسيطراً على كل تفكيرهم.. وإن أخذتهم الحياة بتعقيدات ظروفها حيناً من الزمن وسرقت منهم لحظات لإرغامهم على التفكير فيها فإن عجلة الحنين بدورانها المتوالي سرعان ما تجرفهم وتفرض عليهم سطوتها وتوجه بوصلة لحظات حياتهم.. وإن كان الأمر عنوة..[c1]قام بالجولة وصورها / فضل مبارك[/c]ذلكم هو حال اللاجئين الأفارقة في بلادنا والذين يعدون بعشرات الآلاف ومعظمهم من الجنسية الصومالية, ومنهم من الجنسية الأثيوبية والأريترية..والذي قضى معظمهم حتى الآن في بلادنا أكثر من خمسة عشر عاماً منذ فرضت عليهم الحرب الطاحنة في بلادهم أن يغادروها هرباً من موت محقق يسبقه عذاب ومعاناة لا حد لهما..ومع ما يشعرون به من حسن معاملة وهدوء وترحيب رسمي وشعبي لوجودهم في اليمن – بحسب ما أفضوا به – وجاء على ألسنتهم, وبأنهم يعيشون بين أهلهم وفي بلدهم الثاني الذي يتميز أهله بالشهامة والكرم وروح المعاشرة والألفة, إلا البعض منهم لا تزال النية في شد الرحال إلى الصومال وتوديع حياة الغربة واللجوء متوفرة لديهم بقوة ويرنون إليها بأمل.. على أن هناك كثر قد نسيوا الأمر.. وطاب لهم العيش والمقام وما عادوا يفكرون في ذلك سوى من حنين إلى هناك لا يمكن السيطرة عليه أو التخلص منه كما قالوا..“ 14 أكتوبر “ في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك حملت إليهم التهاني بالعيد والأمنيات المعطرة بصلاح الأوضاع في بلادهم ليقرر كل منهم بعد ذلك وجهته..
وشاركت الصحيفة هؤلاء ما بين ت معهم في حي البساتين بمحافظة عدن الذي يشكل أكبر تجمع للاجئين الصومال في بلادنا والذي يبلغ تعدادهم فيه نحو عشرين ألف لاجئ, وما بين تناثرهم في منازلهم بمدينة زنجبار بمحافظة أبين لتقف على مشاهدات العيد.. وكيف هي عاداتهم.. ومدى حرصهم على ممارستها.. وسجلت على لسان العديد منهم أحاديث حيناً وطقوس حيناً آخر..[c1]رحلة بحث يومي[/c]كانت الساعة تقترب من التاسعة صبيحة يوم الأحد – ثاني أيام العيد – الهدوء يلف المكان بشكل شبه كامل, إلا من حركات بعض الأطفال في أزقة محدودة.. وأصوات محركات آليات تسمع عن بعد, فيما بعد عرفنا أنها كانت لحافلات النقل التي أخذ أصحابها يتهافتون على موقع “ الفرزة “ لنقل الركاب من حي البساتين إلى الشيخ عثمان وغيرها.. للتسوق أو للنزهة والبعض منهم يسعون في رحلة بحث يومي عن مصدر للرزق ما بين التسول أو غسيل السيارات أو البيع والشراء وغيرها..
انزوينا جانباً على طاولات متهالكة لمقهى بائس نرقب الوضع.. “ ليس من عادة حي البساتين الضاج بصخب الحياة أن يصحو متأخراً, لكن الدنيا عيد “ قالها أحدهم كان يشاطرنا شرب الشاي.. دبيب الحركة الذي يعلن عن ميلاد نهار جديد يتسارع في خطوه.. مصحوباً بأصوات تتعالى ما بين نفر هنا وقادم من هناك بلغة متداخلة ما بين صومالية وعربية مكسرة..وأخذت الطاولات الخشبية المتناثرة هنا وهناك.. تكتسي بالبضائع والمواد المتنوعة التي يعرضها أصحابها للبيع.. أسماك مجففة وأخرى طازجة..خضروات وفواكه.. وتلك عليها روتي وأخرى مساويك.. وصاحب ألعاب الأطفال يجول بعربته ذات الدفع اليدوي.. وآخر نصب “ مشرب “ متنقل لعصائر الليمون والباباي وأخذ صوته يرتفع على صوت العصارات “ الخلاطات “ وأشرب ليمون “تازج “ عمبا “ تازج “.[c1]عنوان لواقع الحياة[/c]
وفي لمح البصر تحول المكان إلى عالم آخر غير ذي قبل كلياً.. عالم مليء بالحركة والنشاط يتشكل عنواناً لواقع حياة يومي مثيرة في تفاصيلها وتناقضاتها..هو ذا الشيخ محمد ديريه – أحد أعيان البساتين يحث الخطى نحونا والذي كنا قد تواعدنا معه مسبقاً..قال الشيخ محمد.. هذا هو واقع حال حي اللاجئين أو حي البساتين.. بدون تجميل كما ترونه.. كل شيء فيه على طبيعته.. الناس تقضي يومها بصورة معتادة مكررة.. الكثير من اللاجئين تجدهم “ يضربون يسعون في المدن الأخرى بحثاً عن لقمة العيش من الصباح إلى المساء.. والحياة هنا تسير بصورتها الطبيعية..وعندما سألناه كيف قضى الناس العيد؟أجاب : “ عيدوا تمام.. كل واحد واجه متطلبات العيد حسب ظروفه وإمكانياته.. والعيد يبقى عيد.. فرحته في القلب”.
وماذا عن ممارسة العادات والتقاليد للمجتمع الصومالي وهل استطاع اللاجئون هنا القيام بها؟لا تختلف عادات وتقاليد العيد من بلد إسلامي لآخر.. إلا في تفاصيل ثانوية.. الكل يلبس أحسن ما لديه..والناس تقوم بزيارة بعضها للسلام والتهنئة بالعيد, ويلتقون في جلسات أو مقيل لتبادل الأحاديث والذكريات.. وغير ذلك من طقوس وعادات متوارثة “.[c1]اهتمام أنسانا الغربة[/c]جولة ميدانية قمنا بها في أزقة وشوارع البساتين المتداخلة والمتقاطعة بشكل عشوائي زاد من رداءتها بحيرات المياه والوحل التي تكونت من بقايا الأمطار وأكوام القمامة وتناثر القراطيس والأكياس والمخلفات.. عمال من صندوق النظافة وتحسين مدينة عدن يجوبون الشوارع بالسيارة بهمة ونشاط لرفع ونقل القمامة, لكن الصورة تبين أن الساكنين هنا لا يساعدون أنفسهم..ملامح العيد بدت واضحة على محيا وتصرفات اللاجئين هنا سوى من خلال الملابس التي يرتديها الغالبية أو من خلال تبادلهم التهاني والتبريكات بالعيد..يقول عبد القادر عيانا لاجئ أثيوبي العيد عيد العافية.. والفرحة عامرة في القلوب.. ونحن الحمد لله رغم البعد عن بلدنا لكننا نشعر أننا بين أهلنا وإخواننا والدين الإسلامي ونحن نحتفل بالعيد باعتباره من شعائره ينفي أية عنصرية أو تباغض وضرورة التعاون والتماسك والتراحم..وأضاف : الاهتمام والرعاية وراحة البال التي نلقاها في اليمن لم تأت من فراغ فاليمن بلد عريق وأصيل والكثير لا يعرفون عن اليمن ويقول المثل الذي ما يعرفك يجهلك, لكننا وقد جلسنا في اليمن فقد عرفنا حقيقته عن قرب..أنظر مثلاً هنا في البساتين يعيش ناس من جنسيات مختلفة, ويتكلمون لغات متعددة, لكنهم متماسكين ومتحابين بعد أن عاشوا هنا عدة سنوات.
[c1]عنوان للإنسانية[/c]وعادة ما تمتد يد الخير بالعطاء والعون للاجئين باعتبارهم يصنفون ضمن شريحة الفقراء والمحتاجين وهناك كثير من الجمعيات الخيرية التي تقدم الدعم العيني لهم وخلال العيد كما قال الأخ/ عوض الجابري رئيس الجمعية الخيرية الاجتماعية التنموية لليمنيين العائدين من الصومال, فقد تسلمت الجمعية كمية من ملابس العيد كهدية من مؤسسة الصالح تم توزيعها على الأسر الفقيرة أثناء العيد كذلك قام الهلال الأحمر في دولة الإمارات العربية المتحدة/ مكتب اليمن بتقديم أضاحي العيد جرى توزيعها على مائتين أسرة من اللاجئين. وفي زيارة قمنا بها إلى المسلخ المركزي بالمنصورة شهدنا عملية ذبح الأغنام وتوزيعها في أكياس ليتم نقلها وتوزيعها على الأسر.[c1]في مواجهة الظروف[/c]ما وقفنا عليه خلال جولتنا العيدية في حي البساتين وتجلت تفاصيله لنا أكثر في محافظة أبين أن المحن تقرب وتؤلف الناس وتخلق بينهم المودة والتراحم التي يجعلونها سلاحاً لمواجهة قساوة الحياة وظروفها.. هنا لا يختلفون كثيراً.. يتركون خلافاتهم جانباً.. يتراحمون.. يقتسمون الهم سوياً.. هناك في محافظة أبين وخصوصاً في مدينة زنجبار حيث قررت عدد من أسر اللاجئين الصومال الاستقرار سواء باستئجار منازل متواضعة أو بناء منازل لهم قمنا بجولة لاستكمال ما وقفنا عليه من مشاهدات عيدية في البساتين ورأينا اكتمالاً للصورة بتجليات أكثر دقة ووضوح ربما بحكم أن الأسر التي اختارت العيش هنا قليلة مقارنة بكثافة البساتين لذلك تقوت الروابط فيما بينها, وربما لأن المجتمع الأبيني أكثر انفتاحاً في علاقاته مع الآخرين بحكم تكوينه الريفي وطبيعة ناسه.
وقد صادف جولة الصحيفة في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك أن هذا اليوم محدد في عرف وتقاليد الأسر الصومالية في أبين أن تقوم بزيارة بعضها للمعايدة يقول :عبد القادر عبدي الذي اشتهر في أبين باسم عبد القادر الفضلي ويعرفه القاصي والداني.نحن كصومال يوم العيد نادراً ما نخرج من بيوتنا.. تجلس الأسرة مع بعضها وفي اليوم الثاني نقوم بزيارة الأقارب والأصدقاء حيث عادة ما تجتمع أكثر من أسرة مع بعض في منزل أحدهم لتناول حلويات العيد والغداء والمقيل أحياناً.وحول سؤالنا عن أجواء العيد وطقوسه وبهجته في اليمن ومقارنتها بالصومال قال عبد القادر : لا يختلف الوضع كثيراً فنحن ولله الحمد هنا في اليمن مرتاحين ولم نشعر قط بأننا في بلد غير بلدنا بل على العكس تجد أن هناك لاجئين ظروفهم اليوم في اليمن أصبحت أحسن مما كانت عليه في الصومال..والفرحة بالعيد هي تطغى على كل ظرف لأن الإنسان المسلم يشعر براحة نفسية.. وكل واحد بحسب ظروفه سواء هنا أو هناك.. والاختلاف في طقوس وعادات العيد في بلدان العالم العربي.. وقد احتفلنا بالعيد بكل بهجة وسرور وإن كان من كلمة هنا نستأذنكم في طرحها هي رفع التهاني والتبريكات للشعب اليمني الكريم والوفي وقيادته السياسية والحكومة بمناسبة العيد وكذلك الامتنان العظيم على مواقفهم معنا كشعب يعاني وبلد تتمزق جراء ويلات الاحتراب..[c1]عوامل إجبارية[/c]ولم يغب المشهد الصومالي وما يشهده من تطورات مسلحة بين قوات الحكومة المؤقتة وقوات المحاكم الإسلامية وتجدد الاقتتال بضراوة مع تدخل قوات أثيوبية, لم يغب عن بال اللاجئين هنا رغم حالة الاستقرار التي ينعمون بها كما أكدوا لكنها عوامل نفسية تفرض عليها التأثير بما يدور فهذه هي بلدهم وإن بعدوا أو أبعدوا عنها بفعل عوامل إجبارية.. وهناك أهل وأصدقاء وأقارب..حيث ألقت هذه الظروف بظلالها على بهجة العيد وإن حاول الجميع هنا مداراتها وتغليب فرحة العيد لكن الأثر كان بادياً على كل محيا..يقول عبد القادر : لاشك أن ما يدور في الصومال من تطورات يؤثر بشكل أو بآخر على نفسياتنا, وما نأمله وندعو المولى عز وجل أولاً ومن ثم القوى الإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة الدولية وثم الأشقاء في كل الفصائل الصومالية هو خلق الاستقرار وعودة الهدوء حتى لا يغدو شعب الصومال شعب الشتات واللجؤ..موضحاً أن بسط الحكومة المؤقتة يديها على كامل الأرض يعد مطلباً لقوى وغالبية أبناء الصومال..من جانبها عبرت أم فوزي عن سرورها البالغ وهي تقضي العيد العاشر في اليمن وقالت إن رعاية وسؤال جيرانها ومن تعرفت عليهم هي وأسرتها من اليمنيين قد وفر لها وأطفالها الحنان والدفء وأشعرهم أن الدنيا لازالت بخير بما فيها من ناس طيبين.. ولم تخف انزعاجها وقلقها من الوضع في بلادها.[c1]الاندماج في المجتمع[/c]وقد شهدت الصحيفة مصادفة – ورب صدفة خير من ألف ميعاد – ونحن نبحث عن تجمع سكن اللاجئين الصومال في زنجبار الذي عثرنا عليه بعد جهد بحكم الاندماج وعدم التميز حيث أصبح في إطار شبه النسيج للمجتمع المحلي واستأجروا منازل أو بنوا لهم منازل وسط الحارات الشعبية.. وقد صادفنا قبل ولوجنا أحد المنازل في حارة سواحل أن هناك تجمعاً من أسر أخرى قدم إلى منزل هذه الأسرة للمعاودة عليها باعتبارات أن بها أناس كبار في السن وأنها قد قدمت اليمن قبل الآخرين وقدمت خدمات المعرفة والاستقرار للآخرين القادمين لاحقاً ما جعل الفضل والجميل مغروساً يعبرون عنه من خلال جعل منزل الأسرة أفضل مكان للاحتفال الجمعي بالعيد..وهناك قدمت أطباق الحلوى وأكواب الشاي والقهوة والعصائر بعد المصافحة التي رافقتها القبلات والأحضان وقيلت خلالها أجمل التهاني والتبريكات باللغتين الصومالية والعربية والتي لم تخلو من القفشات والتعليقات على بعض من الأمنيات التي قالوها لبعضهم ما دفعهم إلى الضحك بأصوات عالية..وتحلقت الأسر الثلاث حول أطباق الحلوى الذي كان يؤكل مع الشاي كعادة صومالية رغم غرابتها.. وشهدنا جلسة من نوع خاص رغم أن معظم حديثها كان باللغة الصومالية لأن بعضاً من الحاضرين لا يجيدون العربية بحكم وصولهم حديثاً إلى اليمن.. لكن ما كان بالعربي والإشارات والتعابير وما ترجمه لنا عبد القادر لاحقاً كانت عن ذكريات العيد والمواقف التي سبق إن حدثت لبعضهم والأمنيات للبعض التي تدخل في إطار “ المزاح “.[c1]أمنيات مشروعة[/c]وكما قال فوزي الذي شيد منزلاً متواضعاً في أبين يأويه وأسرته من غسيل السيارات التي أتخذها مهنة له..“ إن شاء الله العيد الثاني نكون في الصومال نعزم كل اليمنيين يجو إلى هناك للعيد” .أمنية/ حق مشروع لكل أبناء الصومال نتمنى وندعو أن تتحقق وكل عام والجميع بخير.