مجزرة قانا القديمة والجديدة
صور/ متابعات: أشلاء أطفال وجثث محترقة لنساء وسط ركام منازل متهدمة ودماء متناثرة هنا وهناك، ورجال إنقاذ ينتشلون أشلاء قتلى من تحت الأنقاض، مشهد تكرر اليوم في قرية قانا جنوب لبنان بعد نحو عشر سنوات من مشهد دموي مماثل ما زال عالقا في الأذهان. ففي وقت مبكر من صباح أمس الاول وجهت طائرات إسرائيلية حممها على منازل أهالي هذه القرية اللبنانية القريبة من مدينة صور، مما أدى إلى استشهاد نحو ستين مدنيا بينهم 37 طفلا. غبار القصف غطى المكان المستهدف بشكل كامل، ناجون خارجون من الملجأ وهم يطلبون العون لإخراج من بقي من أفراد عوائلهم من تحت الركام وقسم آخر منهم يجهش بالبكاء بعد تيقنه من عدم نجاة أي من أفراد أسرته من القصف. ناجية أخرى أخرجت ابنها وزوجها الذي كان جريحا، ولما عادت لإخراج ابنتها انهار قسم من الملجأ وبقيت ابنتها تحت الأنقاض. صور مأساوية أعادت للأذهان مجزرة أخرى ارتكبتها إسرائيل قبل نحو عشر سنوات في قانا ذاتها. التاريخ يعيد نفسه، ففي الثامن عشر من أبريل 1996 كانت قانا مسرحا لمجزرة بشعة مماثلة ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد المواطنين الآمنين بهذه القرية في إطار عدوانها الذي سمته "عناقيد الغضب". وفي ذلك اليوم أطلقت إسرائيل صواريخها على هؤلاء المواطنين الذين التجؤوا لمركزٍ تابع لقوات الأمم المتحدة لحماية أطفالهم وعوائلهم من القصف، لكن وجودهم تحت الحماية الأممية لم يشفع لهم فتساقطت القذائف فوق رؤوسهم، مما نتج عنه مجزرة رهيبة ذهب ضحيتها عشرات المدنيين. إسرائيل سارعت في تبرير مجزرتها الجديدة في قانا بتحميل مسؤوليتها على حزب الله زاعمة أن مقاتليه يطلقون صواريخهم من هذه القرية على مناطق في شمالها، وهي تكرر بذلك نغمتها في تحميل الضحايا مسؤولية كل مجزرة ترتكبها بحق المدنيين الأبرياء. لكن محللين يقولون إن هذا التبرير لا يمكن أن يقنع أحدا لأن مثل هذه المجزرة كانت متوقعة في كل لحظة لعدم وجود أي رادع يوقف إسرائيل عن المضي قدما في تنفيذ ذلك، في ظل الدعم الأميركي اللامحدود لها. وفي هذا الإطار يقول إبراهيم الأمين من صحيفة السفير اللبنانية إن التجارب المريرة التي عانى منها الفلسطينيون واللبنانيون على يد الجيش الإسرائيلي تؤكد أن هذا الجيش ينتهج أساليب متعددة لتحقيق أهدافه، فمن عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية إلى المجازر والمذابح الجماعية التي باتت علامة فارقة للقادة العسكريين الإسرائيليين. ويرى الصحفي اللبناني أن الجيش الإسرائيلي ارتكب هذه المجزرة بسبب صدمته الكبيرة من عدم تحقيقه أي إنجاز ملموس على المستوى العسكري رغم مرور أكثر من 18 يوما على بدء عدوانه على لبنان. ويشير إلى أن إسرائيل قد تقبل في أي لحظة بوقف إطلاق النار مستخدمة هذه المجزرة لتبرير ذلك، بعد أن باتت في مأزق كبير نتيجة استمرار حزب الله في إطلاق صواريخه واقتراب مقاتليه في توسيع دائرة الصراع لتشمل أهدافا إستراتيجية أبعد من حيفا. تداعيات مجزرة قانا ستنعكس حتما على المواجهة بين حزب الله وإسرائيل وستجعل كل الخيارات مفتوحة، فإما أن تتخذ هذه المواجهة منحنى تصعيديا ربما يبدأ برد انتقامي من حزب الله على هذه المجزرة ورد إسرائيلي مقابل، أو ربما تمهد لتكثيف العالم من تحركاته الدبلوماسية للإسراع بوقف إطلاق النار. وبانتظار رؤية لصالح أي من الخيارين ستميل الكفة في قادم الأيام، ستظل مجزرتا قانا 1996 و2006 عنوانا كبيرا لسلسلة طويلة ولا منتهية من المجازر التي ارتكبتها إسرائيل عن سابق عمد لكنها بقيت وستبقى بمنأى عن أية مساءلة دولية بفضل الفيتو الأميركي المسخر لحمايتها.