لليمن لا لعلي عبدالله صالح
يشير تحليل مضمون التناولات الإعلامية المحلية لتنظيم القاعدة في اليمن من قبل صحافة أحزاب ((اللقاء المشترك)) ومواقعها الإليكترونية، بالإضافة إلى بعض الصحف والمواقع الإليكترونية المستقلة التي تدور في فلك الخطاب السياسي والإعلامي لهذه الأحزاب، إلى أنّ ثمة ترابطا وثيقا بين هذه التناولات المحلية من جهة، وبين التناولات الإعلامية الخارجية التي تصدر عن مراكز دراسات وأبحاث ومؤسسات إعلامية عربية وأجنبية، بشأن المخاطر التي يشكلها تنظيم ((القاعدة)) في اليمن على الأمن والسلم الدوليين من جهةٍ أخرى.في هذا السياق تحاول أحزاب ((اللقاء المشترك)) استخدام ورقة تنظيم (القاعدة ) ضمن أوراق سياسية وأمنية أخرى مثل تداعيات حرب صعدة، وآثار حرب 1994م، والفقر ومصاعب النمو والبطالة وتأثير الأزمة العالمية وارتفاع الأسعار العالمي على الاقتصاد الوطني وغلاء المعيشة، وصولاً الى توظيف جميع هذه الأوراق في تصفية الحسابات السياسية لأحزاب (اللقاء المشترك) مع النظام السياسي والمؤتمر الشعبي العام وحكومته، باتجاه تمهيد الطريق للاستيلاء على السلطة.وبالنظر إلى البعد الدولي لمخاطر تنظيم ((القاعدة)) في اليمن ، فإن أحزاب ((اللقاء المشترك)) تسعى إلى اللعب بهذه الورقة بقصد عزل وإضعاف النظام وتأليب المجتمع الدولي ضده ، حيث تحاول التناولات التي تبثها الماكنة الاعلامية لأحزاب ( اللقاء المشترك ) بشأن نشاط تنظيم ((القاعدة)) في اليمن، الإيحاء بوجود قوي وشبه علني لهذا التنظيم الإرهابي. وقد تميزت هذه التناولات الاعلامية في الآونة الأخيرة بإجراء مقابلات صحفية مع بعض قياداته، ونشر تصريحات على لسانها ، حيث تتحول هذه التناولات والتغطيات والتصريحات الصحفية إلى مصادر معلومات لبعض الدراسات والتقارير والتناولات الخارجية، خصوصاً تلك التي درج على نشرها باللغة الإنجليزية (معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى)، و(قسم مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية)، ومؤسسة ((جيمس تاون)) لأبحاث الأمن القومي والدولي في واشنطن، وبعض الصحف العربية القريبة من المملكة السعودية في لندن مثل: ((الحياة)) و((الشرق الأوسط))، بالإضافة إلى كتابات بعض الخبراء المتقاعدين عن العمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ولدى تحليل مضمون ما تيسر الإطلاع عليه من هذه التقارير والدراسات والمقالات يتضح اهتمامها بتوصيف اليمن ملاذا آمنا للإرهاب ، ورصد نوعية الإرهاب النشط في اليمن، والتعرف على خطط ((القاعدة)) لشن هجمات أخرى ضد أهداف أمريكية بعد تفجير المدمرة الأمريكية ((يو، إس، إس، كول)) في ميناء عدن عام 2000م، وحجم وجود القاعدة في اليمن وعَلاقة الحكومة اليمنية به، إلى جانب الاهتمام بتحليل شكل العَلاقات الأمريكية اليمنية من زاوية مدى تجاوب اليمن مع قرارات مجلس الأمن الدولي بعد أحداث ((11 سبتمبر)) بشأن مكافحة الإرهاب ، ومنع توفير ملاذ آمن له ، وقطع مصادر تمويله وملاحقة المطلوبين بتهم دعم وتمويل وارتكاب أعمال الارهاب في القوائم الدولية.ولا تـُخفي هذه الدراسات والتقارير تناول موقع اليمن في الحرب العالمية على الإرهاب، باعتباره هدفا محتملا في هذه الحرب وذلك من خلال التركيز على الإجراءات والسياسات التي اتخذتها الولايات المتحدة إزاء اليمن منذ ((11 سبتمبر)) وتحليل مستوى التعاون اليمني الأمريكي في مكافحة الإرهاب.ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أهم بحث صدر بهذا الشأن عن الخبير الأمريكي الإستراتيجي في مكافحة الإرهاب مايكل شوير ، وهو باحث رفيع المستوى في مؤسسة ((جيمس تاون)) لأبحاث الأمن القومي والدولي، والذي كشف في أحدث تقرير له صدر في خريف عام 2007م عن منظومة إستراتيجية جديدة في تحركات ((القاعدة))، تشير إلى أنّها تسعى لإقامة معسكرٍ لها في اليمن سيمثل ((قاعدة)) مركزية حيوية للإرهاب .وقد نشر هذا التقرير قبل عامين من الاعلان عن توحيد جناحي تنظيم ( القاعدة) في اليمن والسعودية تحت مسمى تنظيم ( القاعدة) في شبه جزيرة العرب .ويستند تقرير مايكل شوير إلى تحليلات خبراء حرب العصابات والحروب اللا متماثلة ، والتي تقول إن اليمن تمثل ـــ وفقاً لكل الحسابات ـــ البلد الأفضل والأمثل لنشاط ((القاعدة)) من حيث وجود المدارس الدينية السلفية التي لا تختلف في مناهجها ومعتقداتها عن المدارس الباكستانية والسعودية التي أنتجت ((طالبان)) و((القاعدة))، بالإضافة إلى البيئة الجيلية التي توفر الحماية الطبيعية والغطاء الواقي ، والبيئة الاجتماعية المتشددة قبلياً ودينياً، وكلتا البيئتين تتيحان لعناصر الجماعات الإسلامية المتشددة إمكانية التواجد بشكل طبيعي بين السكان المحليين، إلى جانب ما أسماه التقرير( فراغ القوة والسلطة )، على النحو الذي ترتب عليه وجود نوعين من ممارسة السلطة، بحيث تمارس الدولة سلطتها من جهة ، فيما يمارس زعماء القبائل سلطتهم الموازية لسلطة الدولة في إطار صيغة توازن القوى بين الدولة وزعماء القبائل من جهة أخرى، بحسب مايكل شوير الذي يرى في اليمن هدفاً مهماً في إستراتيجية تنظيم ((القاعدة)) لجهة التأثير في السعودية ومنطقة الخليج والنفاذ إلى العراق وسورية والأردن والقرن الأفريقي والهند ومناطق جنوب شرق آسيا كماليزيا والفلبين، فضلاً عن إمكانية التسلل إلى جنوب إيران والعبور باتجاه باكستان وأفغانستان.ويكرر التقرير ما ذهبت إليه تقارير أخرى استناداً إلى تصريحات زعيم ((القاعدة)) ومعتقداته الفقهية عن دوراليمنيين في نصرة وتمويل الجهاد منذ ظهور الاسلام، والمشاركة الفاعلة فيه، كما يستند الى المعلومات التي تقول إن تنظيم القاعدة يضم في صفوفه الآلاف من اليمنيين، و لم تكن تخلو عملية لتنظيم القاعدة من مشاركة فاعلة لليمنيين، انطلاقاً من أفغانستان وباكستان أو اليمن، حيث قام اليمنيون من أعضاء تنظيم (القاعدة ) في اليمن بالتخطيط والإعداد لعمليات عسكرية ضد أهداف أمريكية وفرنسية وإسبانية ، مروراً بالولايات المتحدة وأوروبا والشيشان ودول البلقان والسعودية، وانتهاء بالصومال وبلاد ما بين النهرين ونهر البارد في لبنان.وزاد من أهمية هذه التناولات الخارجية ما كتبه الصحفي السعودي عبدالرحمن الراشد في مقاله بـصحيفة الشرق الأوسط (العدد 10606 بتاريخ 12 ديسمبر 2007م ) وأشار فيه إلى أنّ ((القاعدة)) بدلت قاعدتها بنقل مركز نشاطها إلى اليمن، ومنها إلى العراق، بهدف تطويق منطقة الخليج، مشيرا ً الى أنّ الضربات التي وجهت للقاعدة في أفغانستان والسعودية اضطرتها إلى تغيير إستراتيجيتها بحيث يحل اليمن محل أفغانستان كحاضنة للتجمع والتدريب وتفريخ أجيال جديدة من مقاتلي ((القاعدة)).وحذر الراشد في مقاله الحكومة اليمنية من مخاطر تجاهل موقع اليمن في الاستراتيجية الجديدة لتنظيم ( القاعدة ) حيث أصبح اليمن نظاماً مستهدفاً، كما استهدفت ((القاعدة)) نظام أفغانستان الذي أشعلت فيه نيرانها وتسببت في تدخلات خارجية واسعة.وعلى الرغم من التناغم بين الأطروحات الخارجية وأطروحات الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب ((اللقاء المشترك)) بشأن مخاطر وجود القاعدة في اليمن يتضح أنّ التناولات الخارجية لا تتهم الحكومة اليمنية بدعم وإيواء الإرهاب بل تحذرها من مخاطر محتملة تضع اليمن في صدارة الإستراتيجية الجديدة لتنظيم ((القاعدة)) وما يترتب على ذلك من مخاطر تهدد أمنه واستقراره وسيادته واستقلاله. بينما تحرص صحافة أحزاب ((اللقاء المشترك)) والصحف التي تسير في فلكها على تحريض الخارج واستعدائه ضد اليمن، من خلال تناولات اعلامية لوجود تنظيم ( القاعدة ) في اليمن ، توحي بعدم تعاون الحكومة اليمنية في مكافحة الإرهاب وعدم جديتها في تطبيق القرارات الدولية بهذا الشأن. ولا يمكن تفسيرهذه التناولات المغرضة التي درجت عليها صحافة ( اللقاء المشترك ) والصحف والمواقع الإلكترونية التابعة له بشأن تنظيم (القاعدة ) في اليمن ، خارج إطار توجهات هذه الأحزاب للحصول على فرص تدويل بعض القضايا الداخلية مثل تداعيات حرب صعدة وآثار حرب 1994م ومخاطر إرهاب ((القاعدة))، وبما يسهم في تحقيق الأهداف الحزبية الضيقة التي تستهدف إضعاف النظام وإسقاط حكومة المؤتمر الشعبي العام وتحسين فرص وصول أحزاب ((اللقاء المشترك))، إلى السلطة عبر ما تسمى ((الثورة الشعبية الداخلية)) وبدعم خارجي إن أمكن.المثير للدهشة أننا عقب كل جريمة إرهابية يرتكبها المتطرفون باسم الدين نكتشف حقيقة جديرة بالتأمل، وهي أنّ أخطار هذه الجرائم الإرهابية لا تهدد فقط حق الإنسان في الحياة، بل تمتد لتشمل الدين نفسه، حيث يؤدي نشر وممارسة الأفكار المنحرفة والدفاع عنها أو البحث عن ذرائع لتبريرها، إلى تشويه صورة الإسلام وتحريف رسالته السامية ، بمعنى أن الجرائم الإرهابية لا تعدو أن تكون سوى مخرجات موضوعية لأفكار متطرفة وضالة ، تحيل الذين يتلقونها ـــ عبر الكتب القديمة والمدارس الدينية السلفية ـــ إلى طيور مسطولة تعيش في عالم افتراضي، وتفكر من داخل منطقة اللاوعي الذي يصيبها بالعجز المطلق عن اكتشاف وإعادة اكتشاف العالم الواقعي، والاغتراب التام عنه، واعتبار كل ما هو موجود في هذا العالم كفرا وضلالا، ما يستدعي الخلاص منه عن طريق التسلح بعقيدة البراء مما هو موجود، على مستوى الزمان والمكان والإنسان ونمط الحياة في العالم الواقعي ، والولاء للعالم الافتراضي والعودة الى الماضي البعيد، والانطلاق منه لممارسة فريضة الجهاد المعمد بالدم كرمز للتطهر من الكفر والتقرب إلى الله والفوز بالجنة وبنات الحور، وهو ما يستلزم الهجرة من هذا العالم الواقعي إلى عالم افتراضي يتم فيه بناء قاعدة لحياة تتوافر على شروط، الخلاص من جاهلية الحضارة الحديثة ، والبراء من العقائد الكفرية والولاء لعقيدة التوحيد استنادا ً إلى منظور فكري متطرف يكون بمثابة الأساس العقائدي لدولة الخلافة الإسلامية التي يبدأ بناؤها في إمارة دينية مثالية، تكون بمثابة قاعدة إنطلاق لبناء دولة الخلافة بوسائل الدعوة أوبوسائل القتال أو بالاثنين معا. ومما له مغزى عميق أن عقيدة الولاء والبراء بما هي الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي الذي يمثله التنظيم الدولي للاخوان المسلمين تحتل موقعا محوريا ليس فقط في الأدبيات الصادرة عن شيوخ وأمراء تنظيم ( القاعدة ) بل وفي مجمل الخطاب السياسي والايديولوجي لما تسمى بالحركة الاسلامية الصحوية في اليمن والسعودية ، في إشارة تدل على المرجعية الفكرية الموحدة والقواسم السياسية المشتركة بين قوى هذا المشروع التكفيري الانقلابي في البلدين الجارين خصوصا ، والعالم العربي والاسلامي عموما.و لاريب في أن دمج جناحي «القاعدة» في اليمن والسعودية يؤشر إلى أن قوى الإرهاب قررت نقل صدامها مع الدولة والمجتمع في البلدين الشقيقين إلى مستوى جديد ، تتجسد فيه حاجة المشروع السياسي الذي تتبناه هذه القوى إلى تسريع وتعظيم وتائر هذا الصدام ورفده بمفاعيل جديدة وإضافية تساعد على تحويله من طور التمييز المؤقت بين جهاد الدعوة وجهاد القتال ، إلى طور الجمع البنيوي بين السلفية الدعوية والسلفية القتالية ، على نحو ما جاء في البيان الذي أعلن فيه تنظيم (القاعدة) الموحد في اليمن والسعودية مسؤوليته عن محاولة اغتيال الأمير محمد بن نائف بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية السعودي في مطلع الأسبوع الفائت .صحيح أن رؤية تنظيم «القاعدة» في اليمن والسعودية تتميز بنزوعها إلى التأصيل الفقهي لقتال كفر الدولة في النطاق القريب وجاهلية العالم في النطاق البعيد من خلال رؤية فكرية وسياسية وثقافية متكاملة ، تستند الى موروث فقهي ترجع اليه فتاوى التكفير والتفسيق والتترس ودفع الصائل والولاء والبراء وغيرها من الأفكار التكفيرية الدموية التي تبيح قتل الابرياء من الرجال والنساء والاطفال المسلمين وغير المسلمين.. لكنه من الصحيح ايضا ً أن رؤية تنظيم ( القاعدة) التي تعبر عنها البيانات والأدبيات الصادرة عن شيوخه وأمرائه لا تخفي حرص هذا التنظيم الارهابي على تسويق تجربة «إمارة طالبان» كنموذج منشود للنظام السياسي الذي يقيم العدل ويطبق الشريعة الإسلامية.في هذا السياق يمكن التعرف على منابع نهر الدم الذي جرى بين اليمن والسعودية وبلدان عربية وإسلامية أخرى جراء أعمال القتل والتدمير وسفك الدماء التي ارتكبها الإرهابيون خلال السنوات الماضية ، وجسدت صورة بشعة لثقافة الإرهاب والتعصب، وما ترتب على ذلك من تفجير ردود أفعال ومناقشات ساخنة في البلدان العربية وعلى وجه الخصوص في المجتمع السعودي والصحافة السعودية حول ظاهرة الإرهاب ومنابعه وسبل تجفيفها ، وهو ما سنأتي إليه في جزء لاحق من هذا المقال سنحلل فيه بشكل معمق بنية الخطاب السلفي العام ورؤيته لنظام الحكم الذي يسعى إلى تسويقه سواء عبر السلفية الدعوية او السلفية القتالية !! ولا ريب في أن هذه الرؤية تحفزنا على استكشاف المفاعيل التي تربط بين حالة الصدام الإقصائي الدموي على المستوى الداخلي أثناء تنفيذ المشروع السياسي والاجتماعي والثقافي لإمارة (طالبان ) مع المجتمع الأفغاني بما فيها قوى إسلامية كانت محسوبة على حركة الجهاد الإسلامي ضد الشيوعية من جهة، وبين حالة الصدام الذي شاب علاقة تلك (الإمارة الدينية) ـــ بما هي نواة لدولة الخلافة المنشودة ـــ مع العالم الخارجي من خلال تصدير إرهاب «القاعدة» على المستوى الدولي إلى كل أنحاء العالم من جهة أخرى.[c1]عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]