شخصيات خالدة
الإمام الشافعي إمام عظيم تمكن من بناء نفسه بنفسه وبمساعدة والدته التي دفعت بابنها نحو العلم وحفزته على ذلك، فأنطلق في طريقه بكل عزم ،وقوة ينهل من العلوم، حتى وصل إلى ما وصل إليه من مكانة علمية، وأصبح أحد الأئمة الأربعة وهم الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله جميعاً.وإلى الإمام الشافعي تنسب الشافعية، أطلق عليه لقب مجدد القرن الثاني الهجري، وهو محمد بن إدريس بن شافع بن سائب القرشي ويعرف بالإمام الشافعي، من قريش من نسب الرسول عليه الصلاة والسلام .ولد الإمام الشافعي عام 150 هـ في غزة بفلسطين، جده هو سائب القرشي وكان في بدايته من المشركين وتم أسره في معركة بدر، وعندما شاهد معاملة المسلمين الطيبة لأسراهم دخل إلي الإسلام، وعلى الرغم من أن دخوله إلي الإسلام قد رفع عنه الفدية إلا أنه قام بدفعها، أما جده شافع والذي ينتسب الإمام الشافعي لاسمه فقد ولد في الإسلام في المدينة المنورة وكان من الصحابة.ولد الإمام الشافعي لأسرة فقيرة فقد هاجر والده إلى غزة الفلسطينية نظراً للفقر الذي عانت منه أسرته وعاشت الأسرة الصغيرة في فلسطين حتى توفى الوالد تاركاً ولده مازال طفلاً صغيراً وزوجة تحاول أن تربي طفلها وتعلمه في ظل الحالة المادية المتعسرة لهم وكانت هذه هي البداية للإمام الشافعي ولقد كانت والدة الإمام الشافعي بمثابة القوة الدافعة له، تعينه دائماً وتحاول أن تحفزه من أجل أن يسعى لتلقي العلم، وتوفر له السبل التي تمكنه من هذا، فعادت بطفلها إلي مكة، وهناك ذهب إلي الكتاب حيث كان هذا المكان هو بداية الرحلة العلمية التي بدأها وهو في الثالثة من عمره، فقام بتلقي العلوم وحفظ القرآن الكريم، وفي الرابعة من عمره كان يقوم بمساعدة زملائه في دروسهم، ظل الشافعي في الكتاب حتى وصل إلي سن السابعة وعندما خرج منه كان قد حفظ القرآن الكريم كاملاً وتعلم التجويد، وكان الشافعي يتميز بحلاوة الصوت فكان حين يقرأ القرآن أو يصلي يبكي الناس من جمال صوته وعذوبته.بعد أن حفظ الشافعي القرآن الكريم وجوده قام بحفظ الأحاديث النبوية الشريفة ،والتفسير ،وكان ذلك على يد عدد من العلماء العظام مثل سفيان بن عينه في التفسير، ومسلم بن خالد إمام الحرم المكى في الحديث، فقام الشافعي بالتتلمذ على أيديهما وكان عندما وصل إلى سن الثالثة عشر حافظاً للتفاسير التي قيلت في عصره كما حفظ الأحاديث النبوية.اتجه الشافعي بعد ذلك إلى البادية وبالتحديد إلى قبيلة هذيل لتعلم وتعلم الشافعي الشعر والأنساب فقام بحفظ عشرة ألاف بيت شعر، وكان يشتهر بذاكرة قوية قادرة على استيعاب وحفظ كل ما يقابلها من علوم. قام الشافعي بملازمة الإمام مالك حوالي ست عشرة عام لتلقي العلم منه، وحفظ له كتاب «الموطأ» وهو في الثالثة عشر من عمره، كما تلقى العلم أيضاً في هذه الفترة على يد كل من إبراهيم بن سعد الأنصاري ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم من العلماء.بعد وفاة الإمام مالك رحمه الله في عام 179هـ، رحل الشافعي إلى نجران بالمملكة العربية السعودية حيث عين والي عليها، في أيام الخليفة هارون الرشيد. ثم توجه بعد ذلك إلى بغداد حيث قام بالاتصال بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة، وقرأ كتبه واطلع على العلوم الخاصة بأهل الرأي، ثم عاد مرة أخرى إلي مكة فقام بنشر مذهبه وعلمه من خلال الحلقات العلمية، ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد وخلال فترة تواجده فيها قام بتأليف كتاب «الرسالة».تواجد الشافعي في وسط مدرستين فقهيتين الأولى هي مدرسة الرأي والثانية هي مدرسة الحديث ولقد ظهر المنهج الفقهي للإمام الشافعي كمزيج من كل من فقه الحجاز والذي يعرف بمدرسة الحديث، وفقه العراق. بمدرسة الرأي، وكان الفقه الخاص به ليس مجرد مزيج بين كلا من الفقهين فقط بل كان دراسة متأنية لكل منهما مع علم بالقرآن والسنة والتفاسير وعلوم اللغة وغيرها من الأمور العلمية من بحث وقياس.وقام الشافعي بتدوين جميع الأصول التي أعتمد عليها في فقهه في رسالته الأصولية في كتابه « الرسالة» هذا الكتاب الذي يعد من أهم الكتب في أصول الفقه. قدم الإمام الشافعي عدد من المؤلفات القيمة والتي ظهر فيها جهده من أجل إيضاح العديد من النقاط الفقهية وغيرها من الأمور تلك المؤلفات التي أثرت المكتبة الإسلامية.توفي الإمام الشافعي رحمه الله عام 204هـ، بعد أن قدم مثلاً يحتذي به من أجل السعي وراء العلم أينما كان وبعد أن اجتهد في شرح العديد من المسائل الفقهية ومحاولاته من أجل التقريب بين المدارس الفقهية المختلفة .