مثقفون وفنانون من حضرموت يتساءلون:
المكلا/ حسين بابعير:الإرهاب تحد ثقافي وفكري مثلما هو تحد أمني، والتصدي للبعد الثقافي والفكري للإرهاب يتطلب حالة تعبئة ثقافية لكل طاقات المجتمع تشمل تفعيل كافة الروافد الثقافية القائمة والمؤثرة لفضح زيف وضلال الفكر الإرهابي وبشاعة جرائمه وممارساته، ومن أهم هذه الروافد الثقافية الفنون بأنواعها من مسرح وفنون تشكيلية ورقص وأعمال تلفزيونية وإذاعية جيدة الإعداد والتنفيذ لإيصال الرسالة الإعلامية المناهضة للإرهاب وفكره المنحرف إلى مدى تعجز عنه وسائل أخرى قد لا تصل رسائلها إلى شرائح عامة الناس. لماذا لا نرى تفعيلاً لهذه الروافد في حربنا المصيرية ضد الإرهاب وخلاياه وفكره الظلامي، ولماذا لا تتفاعل هذه الروافد مع وجدان المجتمع الذي يشغله هاجس حماية شبابه ومكتباته من نظر الإرهاب من خلال نتاج ثقافي وفني توعوي وتربوي؟!. في البداية يقول الشاعر والإذاعي اللامع سعيد علي الحاج: حتى اليوم لم تسجل المؤسسات الثقافية أي حضور في مناسباتنا وقضايانا الاجتماعية والوطنية بالشكل والتأثير المطلوب منها، إن الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات تحضر أكثر بكثير من تلك المؤسسات في ساحتنا الثقافية ولم تكن أساساً تلك الصفحات صدى لأنشطة ثقافية تنفذها تلك المؤسسات والمسئولون عن الصفحات الثقافية شهود على ذلك. فالمؤسسات الثقافية للأسف لا تزال معزولة عن المجتمع أي إنها فرضت العزلة على نفسها من خلال جمودها وتكلسها لا بصفتها الاعتبارية بل بصفة القائمين عليها. ويستطرد الحاج قائلاً: معظم الانحرافات السلوكية والفكرية لدى الشباب كان يمكن العمل على تفاديها أو التقليل من مخاطرها عن طريق اجتذاب الشباب واشراكهم في أنشطة وبرامج تقيمها المؤسسات الثقافية، ولكن للأسف ان مؤسساتنا الثقافية لا يوجد بينها وبين الشباب أي علاقة فهي تصرف جهودها على قلة من المثقفين والمختصين ولهذا ضعف تأثيرها في المجتمع. ولو لم تكن هذه المؤسسات الثقافية معزولة لكان لها دور مهم في استيعاب الشباب بمختلف أفكارهم.. وتهيئة بيئة صالحة للحوار والمناقشة وجعلهم يعبرون عن أنفسهم الايجابية بدلاً من أن يوجهوا طاقاتهم لما يمكن أن يضر بهم وبوطنهم.. وبهذه المناسبة أدعو إلى تنشيط وتفعيل مؤسساتنا الثقافية كما أدعو الأخوة في وزارة التربية والتعليم إلى تفعيل الأنشطة الثقافية والإبداعية في المدارس من خلال برامج الأنشطة اللاصفية.ويضيف الإذاعي في إذاعة المكلا سعيد الحاج: الإرهاب من أكثر المصائب التي تهدد أمن الوطن وسلامة مواطنيه لذا فإن مسألة تنشيط الجوانب الثقافية واستعادة الدور الثقافي والتنويري للمؤسسات الثقافية مسألة جد مهمة بهدف ايجاد قاعدة تنويرية للشباب.الكاتب عبد الله بن اسحاق يقول: في الفترة التي كنت أجد فيها وقتاً لقراءة الكتب المتجهة للإنسان تعلمت أن الفن لا يدخل المعركة بصفته سلاحاً لأنه لا يمكن أن يكون أداة يستخدمها كل من طرفي أي نزاع.. فالتقاتل في هذه الدنيا تجاذب بين الخير والشر، والفن لا يمكن أن يكون إلا أهل الخير لأنه جزء من تركيبة الخير ومكوناته الأساسية متعال على الاستخدام المؤقت، الفنون التي تلاحظها في المعارك هي النسخة المزيفة من الفن، عندما تبعث بقصيدة من قصائد المناسبات للمقاتل في المعركة كأنك تبعث لحبيبتك ورداً مصنوعاً من بلاستيك. إن كلمة «سلاح» لا تصف الفن ولا يمكن أن تكون واحدة من مسمياته فالسلاح يمكن أن يكون في يد من يستطيع شراءه أو صناعته فإسرائيل وهي الشر نفسه تراها تملك أنواع السلاح، السلاح كلمة قبيحة حتى وإن كانت محايدة في بعض الأحيان... وإذا كنت ترى غياب الفن عن المعركة كما تقول فغيابه واحد من أسباب الصراع الدائر الآن. ويقول ابن اسحاق أيضاً: هذه الأحداث في الواقع هي صراع مع الإبداع الذي تم تعطيله.. المجرمون يحاربون تمدين المجتمع اليمني وثراءه الفني وقيم العقل المتنامية فيه. فحرب هؤلاء المسلحة هي حرب رمزية تمثل الذين لم يدخلوا المعركة بالصورة العنيفة ولكنهم موجودون ويتعاطفون مع هؤلاء ويمثلونهم على المستوى التنظيري.. فإذا كان هؤلاء القتلة ذهبوا في الصراع إلى منطقة الدم المسال فإن الآخرين الذين يحاربون الشعر الحديث والمسرح والرواية والرسم والموسيقى في الطريق إلى الانضمام إلى هؤلاء هم فقط في ا نتظار أن يحقق الإرهابيون شيئاً من النصر، إذاً الفن موجود لأن ذات وجوده وقيمه الانسانية هي موضوع الصراع في هذه المعركة بمعنى آخر إن صراع الأمة مع هؤلاء هو صراع من أجل القيم الانسانية التي يمثلها الفن سواء كان مسرحاً أو رواية أو شعراً.. لم يغب الفن عن المعركة إنه موجود بقوة غيابه.الممثل المسرحي أنيس عبد العزيز يرى أن مساهمة الفعاليات الثقافية سواء كانت مسرحية أو درامية أو تشكيلية أو أدبية أو غير ذلك في موجهة ظاهرة الإرهاب تستلزم وجود مؤسسات ثقافية قادرة على خلق هذه المساهمة لما يخدم المصلحة الوطنية، فقد يكون لدى الفنان التصور الداعي لكنه مقيد في مسرح الفنون الدرامية، من هنا نجد المؤسسات تتحمل المسئولية فمهما عمل الفنان من مساهمة فإنها لن تخرج عن كونها مساهمة فردية فلا بد من مساهمة عملية من قبل المؤسسات الثقافية والفنية لخدمة القضايا الوطنية مثلما تسهم في خدمة القضايا الاجتماعية أو الفنية أو نحو ذلك،وفي هذا الشأن أقول أولاً إن الفن يقوم على جانبين جانب إبداعي وهذا يعتمد على الفنان نفسه وما يقدمه من أدوار فنيه، والجانب الآخر جانب انتاجي وهذا يحتاج إلى إدارة ترعاه أو جهة تتبناه وتهيئة الظروف المناسبة لتقديم عمل فني هادف... ثانياً إننا نحن الفنانين دعونا منذ زمن إلى تفعيل الثقافة بصفتها»حوار» في مواجهة أي فكر واحد قد يستفرد بالمجتمع وتتطور فيه إيديولوجيات ضارة.. ثالثاً إننا كمجتمع ووطن يجب أن نلتفت إلى الجانب الثقافي والتعليمي بصفته مصدر الفكر عن طريق تحسين المناهج وإتاحة جو من الحرية الثقافية الحوارية. الفنان التشكيلي أحمد بازبيدي يقول: في البداية أود أن أشير إلى أن هناك نشاطاً فاعلاً في مجال التربية والتعليم يمارس من خلاله التوعية وغرس القيم والمبادئ والانتماء الوطني شاملة كل ما تطرقتم إليه في هذا الموضوع وهذا أمر يحمد عليه المعنيون والمسؤولون في أهم قطاع يعني بالناشئة وهو التعليم لكن إذا كان الأمر يتعلق بالجانب الاحترافي في المسرح والدراما والفنون التشكيلية فالقضية ليست نتاج رد فعل سريع تجاه موقف أو حدث يمكن لنا أن ننشئ مسرحاً أو نجد فنانين وكتاباً قادرين على استيعاب الفكرة أو التفاعل معها.. فالمسرح لا زال حلماً قابعاً في المخيلة لم يصل إلى المستوى الذي يؤهله للقيام بأي نشاط مؤثر إلا من بعض المحاولات التي لم تحدث أي إضافة إلى الساحة وتأتي في لمحات وومضات لا يمكن الاعتماد عليها لمعرفة معالم الطريق لهذا فلن نطالب المسرح بأكثر مما هو عليه... فالنهوض أو الوقوف إذا لم يسبقه استعداد فمآله إلى السقوط... والعمل السريع ينتهي سريعاً دون أن يبقي أثراً يذكر.. فالمسرح مهم والدور الذي يمكن أن يؤديه أجزم بأنه فاعل وله مردود عظيم على المتلقي ولدينا إمكانات وكوادر تحتاج فقط للإحتواء والدعم وإتاحة الفرصة الجادة من الجهات الرسمية أو ليكن من القطاع الخاص ومع ما نؤمل فيه من وزارة الثقافة.. وحينما يكون لدينا نشاط مسرحي وجمهور متابع سيتمكن المعنيون به من تحقيق الأهداف... أما الدراما فهي متعلقة بالمنتجين وبمن يعنيهم الأمر مع ما نفتقده من قدرات في كتابة النصوص والكيفية التي يمكن أن تحقق النتائج بالتعريف بالوطن وكيف يكون الانتماء إليه والحفاظ على مقدراته وماذا على المواطن من مختلف شرائح المجتمع القيام به في مثل هذه المحنة التي يمر بها الوطن وتحتاج منا الالتفاف والتكاتف على مدى بعيد يفي عدم تكرار أو حدوث أي اعتداء على هذا الكيان العظيم بإخلاص أبنائه المخلصين.. من المؤسف إن مثل هذه الأعمال يتوقف تقديمها في حدود برامج الأطفال بينما الأمر مرتبط بالأسرة بأكملها ولتكن قضايا العلاقات الأسرية مع الأبناء وكيفية التعامل معهم والتعرف على مطالبهم وكيفية تهيئتهم للحياة بوابة للدخول لتعديل وتصويب المفاهيم الخاطئة لنصل إلى الحلول لا أن نبقي البرامج الإذاعية والتلفزيونية تحاكي مجتمعات أخرى وقضايا الغالبية فيها مادة ساخرة أكثر منها هادفة. إن الأمر يحتاج في هذه المرحلة إلى إعادة النظر في كل ما يمكن من خلاله الوصول إلى وجدان الانسان على مختلف الأعمار، والفنون من أهم وسائل وجسور التواصل بين الوطن وبين مواطنيه، أما الفنون التشكيلية مع أني لا أجدها مؤثرة كتأثير المسرح والدراما لوصولهما للسواد الأعظم من الجمهور وتفاعل الجميع بما يقدم فيها إلا أني أيضاً لا أقلل من أهميته ولكن ما يمكن قوله هو إن ما تم القيام به في الفترة الأخيرة من معارض ومناسبات فنية يؤكد شعور الجميع أن الحياة تسير بكل ثقة في الله عز وجل ثم في جهود القيادة السياسية والحكومة وبما يقوم به رجال الأمن وتعاون المواطن بما يعتبر موقفاً حازماً ورادعاً لأي تشكيك في أن ما يحدث قد يخلق خوفاً أو فزعاً بقدر ما يزيد الوطن بمن فيه صلابة وموقفاً حازماً وحاسماً تجاه هذه الأحداث ومن يقف خلفها، أعود للقول إن في وجود تفعيل المسرح على وجه الخصوص ما يعني الكثير فأرجو ان يفهم المعنيون بذلك.