واشنطن/ متابعات:تتواصل الدراسات والبحوث والندوات بشأن الوضع في منطقة الشرق الاوسط وفي العراق باحثة في الكثير من التداخلات السياسية التي تميز هذه المنطقة عن غيرها، ففي واحدة من الأمسيات السياسية التي لم يقلل من سخونتها طقس واشنطن البارد في مثل هذا الوقت من السنة، شهدت جامعة ميرلاند ندوة بعنوان "حالة علاقات الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي" بدعوة من برنامج أنور السادات لدراسات السلام والتنمية.شارك في أعمال الندوة كل من وليم كوهين وزير الدفاع الأمريكي السابق في إدارة الرئيس كلينتون، وأنور إبراهيم النائب السابق لرئيس وزراء ماليزيا ، وشبلي تلحمي أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج السادات للسلام والتنمية في جامعة ميريلاند. وكانت روبن رايت الكاتبة المشهورة ومراسلة الشئون الدبلوماسية في صحيفة واشنطن بوست هي مقررة الندوة. استهل الدكتور إدوارد مونتغمري عميد كلية العلوم السلوكية والاجتماعية في كلمة ترحيبه بالضيوف الحديث عن الدافع من وراء عقد هذه الحلقة النقاشية قائلا إن نتائج استطلاع للرأي الأسبوع الأول من الشهر الجاري أظهرت تردي صورة الولايات المتحدة بين المواطنين العرب على نطاق واسع. وأن معظم من استطلعت آراؤهم يتشككون في أهداف الولايات المتحدة من نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط والحرب في العراق.وكانت جامعة ميريلاند قد أجرت بالتعاون مع مؤسسة زغبي انترناشونال في أكتوبر الماضي استطلاعا لرأي حوالي عينات من 6 دول عربية هي الأردن ولبنان والمغرب والسعودية ومصر والإمارات حول قضايا مصداقية وسائل الإعلام، ونشر الديمقراطية، والحرب في العراق، وتنظيم القاعدة، والصراع العربي الإسرائيلي، والقوى العظمى. ونشرت وكالة رويترز نتائج هذا الاستطلاع في الثاني من ديسمبر.وكان محور السؤال الأول الذي وجهته روبن رايت إلى المشاركين الثلاثة "ما هو وضع علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي؟".بدأ وليم كوهين بالإجابة مشيراً الى إن نظرة شعوب الشرق الأوسط وبقية العالم الإسلامي للولايات المتحدة سيئة، وذلك لأسباب عدة: أولا لأنها تصور في صورة إمبراطورية استعمارية ومن الطبيعي أن تتعرض أي قوة عظمى سواء كانت الولايات المتحدة أو أي قوة في محلها إلى نفس الصورة والانتقاد. ثانيا أن هذا الأمر ليس بالجديد فالعرب والمسلمون يعتبرون منذ فترة طويلة السياسة الأمريكية متحيزة ومنافقة وتعمل ضد مصالحهم خاصة في الصراع العربي الإسرائيلي. ثالثا وجود القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وتزايد تدخل الحكومة الأمريكية في شؤون المنطقة.وأجاب أنور إبراهيم عن نفس السؤال قائلا إن الولايات المتحدة مستمرة في سياستها المتكبرة والمسألة لا تتعلق برؤية العالم الإسلامي فقط لها، وإنما صورة الولايات المتحدة لدى كل الآسيويين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو بوذيين سيئة. وأضاف إبراهيم أن الولايات المتحدة كانت تربطها في الماضي علاقات جيدة بدول وشعوب أسيوية في ظل مجابهة الشيوعية أما الآن، فالواقع قد تغير كثيرا.أما ثالث المتحدثين الدكتور شيبلي تلحمي، فقال إنه سيركز في حديثه على العالم العربي فقط. وانطلق تلحمي من نتائج الاستطلاع الأخير قائلا إن العرب اعتادوا أن ينظروا إلى سياسة الولايات المتحدة تاريخيا من منظور القضية الفلسطينية، ولكن هذا المنظور قد تحول إلى منظور قضية العراق.وأضاف تلحمي أن نتائج الاستبيان أظهرت أن التعاطف مع تنظيم القاعدة بين المسلمين ليس بسبب الحب والإعجاب بأفكار القاعدة ولكن كرد فعل ضد السياسات الأمريكية. وقال إن على الولايات المتحدة أن تكف عن القول أو الاعتقاد في أن تنظيم القاعدة والإرهاب هو البديل المفترض لحكم العراق في حال انسحاب القوات الأمريكية من هناك وأضاف أن القاعدة وأفكارها ليست مقبولة في أي مكان في العالم الإسلامي.وأشار تلحمي إلى أكثر من مثال في الاستطلاع للتدليل على تراجع صورة الولايات المتحدة بين العرب، فمثلا يرى معظم من استطلعت آراؤهم أن الولايات المتحدة تمثل ثاني أكبر تهديد للعرب بعد إسرائيل، ذلك في الوقت الذي تتحسن فيه صورة فرنسا بين العرب رغم ماضيها الاستعماري الدموي الطويل في المنطقة.وفي سؤال من مقررة الندوة حول الكيفية التي يمكن من خلالها أن توازن الولايات المتحدة بين الاستقرار والأمن من جهة ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة أخرى، أجاب وزير الدفاع الأمريكي السابق قائلا إنه ينبغي علينا أن نعمل بسياسة الارتباط والحوار مع العالم الإسلامي . وأشار إلى سياسة إدارة الرئيس كلينتون في التواصل والحوار مع دول الخليج. وأضاف كوهين أننا نريد كدولة ديمقراطية تشجيع الأفكار والمبادئ الديمقراطية دون أن نفرض هذه المبادئ على دول أخرى. وضرب مثالا بدول الخليج التي بدأت في التوجه في اتجاه الديمقراطية وذلك دون احتلالها. وانتقد كوهين السياسة الأمريكية في العراق خاصة في الشهور الستة الأولى التي كان من الممكن خلالها تحقيق الأمن والاستقرار بالتوازي مع العملية السياسية.أما نائب رئيس الوزراء الماليزي السابق، فقد فضل الحديث عن نماذج غير عربية لتحقيق تقدم ديمقراطي ملموس دون تدخل من أحد. وقال إن إندونيسيا على سبيل المثال قد شهدت تحولا ديمقراطيا سلميا وكان لديها انتخابات حرة وديمقراطية منذ عام 1955. وأشار إلى نجاح التجربتين التركية والماليزية معتبرا أن العالم الإسلامي في علاقته بالولايات المتحدة لا يحتاج إلى التدخل في الشئون بقدر احتياجه إلى مساعدات اقتصادية واجتماعية تنموية.أما فيما يتعلق بالعراق، فقال أنور إبراهيم إنه إذا كان هناك عنوان مقال عن كيف تخسر حرب، فإنك لن تجد أكثر ملائمة من سياسة الرئيس بوش في العراق عنوانا لهذا المقال. وأعرب إبراهيم عن غضبه من إدارة الرئيس بوش التي تصف الإرهابيين بمصطلحات مثل الوهابيين أو السلفيين أو الجهاديين. وقال إن استخدام هذه المصطلحات غير دقيق ويؤثر سلبا على صورة الولايات المتحدة لدى فئات كثيرة من المسلمين.وأضاف تلحمي سؤال عن السياسة الأمريكية في العراق وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد فقد مصداقيتها فيما يتعلق بتبني نشر الديمقراطية، قال مدير برنامج السادات للسلام والتنمية أن معظم الناس في المنطقة العربية يريدون الديمقراطية، لكنهم يتشككون في نيات الولايات المتحدة من وراء هذه الخطط. وأضاف تلحمي أن منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الآن ينظر العرب للسياسة الأمريكية على أنها متحيزة. وعلى الرغم من عدم اتفاقهم مع هذه السياسة ، إلا أنهم كانوا لا يزالون يثقون في الولايات المتحدة، أما الآن فلا يوجد اتفاق أو ثقة.وقال تلحمي إن خطة نشر الديمقراطية في العراق تواجه مشاكل كثيرة، فالشعوب تريد الديمقراطية والحرية ولكن ليس على حساب الأمن والاستقرار وهويتها القومية.واعتبر تلحمي أن الأنظمة العربية الديكتاتورية تستخدم فوضى التجربة العراقية لتخويف شعوبهم من تكرار النموذج العراقي في بلدانهم وأن عليهم الاختيار بين الأمن والاستقرار أو الفوضى والديمقراطية. وبالتالي فهم يحاولون إقناع شعوبهم أن وجودهم في سدة الحكم أفضل من الفوضى.
عندما يتحول النصر في الحرب إلى خسارة استراتيجية
أخبار متعلقة