يقينا لفتت انتباهكم تلك الصورة التي نشرت في ملحق مشاعل العدد 12 الأحد الفائت كما لفتت انتباهي .مشهد لصغيرة تقاوم عناد جمل أبى أن يمتثل لأوامرها باقيا في مكانه دون حراك وسط صحراء قاحلة في براري الجوف .تبدو الصورة للمعتادين على مشاهدة مثل هذه المشاهد بأنها ليست سوى صورة فتاة ترعى جملا . وربما تملأ الدهشة وجوه البعض الآخر الذين يدهشهم مشهد صغيرة تقاوم جملا وسط الصحراء .الصورة حفزتني لقراءة الخبر . لأستفهم عن حقيقة أعرفها .إنها حقيقة واقع أعيه جيدا وأهرب منه .واقع ليس لغزا لنتجشم عناء البحث عن حل لمشكلاته .ولا يحتاج أن نرهق عقولنا بترجمته ومعرفة مضمونه المر. .فواقعها كما يبدو لا يصف الا وضع طفلة صغيرة ترعى الإبل .وماذا يعني أن ترعى هذه الصغيرة الإبل تحت الشمس الحارقة ..لا شيء .. انه عملها المعتاد ، عملها المفروض !هذا ما يحكيه واقعها .لكن الحقيقة تقول لنا إنها طفلة طفلة صغيرة وبريئة !تجسد الشجاعة رغم صغر سنها وهي تحاول التصدي لعناد هذا الجمل الكبير .تحكي مأساة كل فتاة ريفية وربما مدنية قست عليها قوانين الزمان والمكان .لقطة نادرة نشرتها صحيفة( نبأ نيوز) الاليكترونية على شبكة الانترنت في 4أبريل الجاري وربما عجزنا عن استنطاق الصورة .ليتأثر بها الاخرون من خارج الوطن فتنهال تعليقاتهم عليها عبر الموقع الالكتروني للصحيفة .بين إعجاب ورثاء وتشجيع .إعجاب بصمود هذه الطفلة أمام عناد هذا الجمل .ورثاء لحالها وسط هذه الصحراء المقفرة .وتشجيع لتواصل جأشها في مواجهة ظروف الحياة التي أجبرتها على هذا العمل الذي لا تملك غيره .قرأت الخبر وتذكرت مشاعر الإحباط واليأس .الإحباط واليأس !!لم تكن هذه الطفلة سوى نموذج لظاهرة ما ، بل ظواهر ما ترتبط بخيط واحد.نحاول أن ننساها ونتهرب من تذكرها بالرغم من انتشارها في كل مكان تذكرونها بالتأكيد أو ربما تعيشون بعضا منها ، فنحن نشاهدها كل يوم في كل مكان ظواهرتفشت في مجتمعنا وألقت بظلالها الثقيلة على الفئات البسيطة من هذا الشعب ومن أصحاب العقول الضيقة أحيانا.أليس الفقر احد هذه الظواهر المتفشية !كل يوم أقابل وتقابلون هؤلاء الذين يمد ون يدهم ويشحتون !كل يوم في طريقي الى العمل أرى البؤس في وجه ذلك المعاق وهو ينتظر من يتصدق عليه بخمسة ريالات ! يتمزق القلب لهؤلاء الذين لم يجدوا هدفا يحصلون منه على المساعدة والإغاثة إلا المصلين عند أبواب المساجد .ذلكم هو الفقر .وهاهما الظلم والجهل يصادران حقوق المرأة ويمتهنان كرامتها .ألا ينبغي لهذه الطفلة أن تكون في المدرسة أو البيت أو في ميدان اللعب بعيدا عن البراري !هو مشهد مأساوي ينفطر له القلب ويأسف لها الضمير .وهي ظاهرة ترتبط بأخرى بل في أحيان كثيرة تكملها .الفقر، عمالة الاطفال ، ظلم المرأة وممارسة التسيد عليها ،هي مأساة واقع مر ، ومأساة الفتاة الريفية التي حرمت من حقوقها في التعليم والعمل خارج الحقل.هي مأساة أطفال حرموا من أبسط حقوقهم واضطرهم الفقر والبؤس إلى العمل بدلا عن اللعب ، بعد أن حل الظلم محل الحلم ، والجهل محل العلم .هي مأساة إنسان حي توجعه النوائب وتتحكم في مسار حياته ، وتدفعه للتأقلم مع المأساة وقبولها ، فيما تدفعنا للتأقلم مع اليأس والإحباط حتى أصبح جزءا منا .نعم لقد أصبحنا نتأقلم مع مصاعب وتناقضات حياتنا لأننا في أسوأ الأحوال لا نملك الا القبول بها...أتظنون أن هذه الطفلة فعلا تحتاج منا وهي تقاوم الجمل في براري الجوف لأن نحميها وندافع عن حقوقها ؟؟
أخبار متعلقة