ماذا اهتمامنا بالفن الموسيقي وبالغناء.. وماهو واقع هذا الفن.. وما الطموح؟
د. زينب حزام هل يبدو هذان السؤالان بديهيين ؟! وهل الموسيقى والغناء فعلاً حرام ؟!وما مفهوم الموسيقى والغناء وما علاقتهما بالعمل الإبداعي والفنون الاخرى؟!.يبدو هذان السؤالان لأول وهلة، وكأنهما غير ذي موضوع لأن المهتمين في مجال الفن الغنائي والموسيقى في بلادنا بدأت عليهم هموم اخرى شغلتهم عن تطوير هذا الفن الرفيع نتيجة انتشار أقوال متشددة تحرم فن الموسيقى والغناء .. مما عرقل ظهور الفرق الموسيقية الغنائية والتي بدأت تقتصر على تشكيل فرق الانشاد التي تسيطر على الحفلات الشعبية مثل "المخادر" وهي الأعراس والمواليد والمناسبات الدينية، بل أننا نجد العديد من الموسيقيين والفنانات والانخراط في فرق الانشاد واقتصرت الموسيقى على قرع الطبل والدف والعود، والملاحظ خلال العقود الأخيرة وإلى اليوم، الفرق الموسيقية والغنائية في تدهور مستمر، بينما نجد الموسيقى والغناء في الدول المتقدمة قد تطور واتسع وأرتبط بالتقدم التكنولوجي والابتكارات الفنية الثقافية.إن المتتبع لكبار الفنانين في بلادنا، يجد معظمهم قد سقطوا ضحايا للمرض والإهمال، بل أن بعضهم فضل البقاء في البيت هروباً من الأقوال والأفعال التي يخوضها بعض المتطرفين من دعاة تحريم الموسيقى والغناء والرقص الشعبي. وهذه العوامل أدت إلى ظهور فرق غنائية صغيرة تحترف الفن الرخيص والسريع وربما يكون الفن الهابط الذي ليس له علاقة جادة بالفن الغنائي والموسيقي رفيع المستوى والمتطور المصحوب بالفرق الموسيقية الكبرى.[c1]الوجود الرسمي للفرق الموسيقية والغنائية[/c]ولعل اهتمام الدولة الرسمي بالفرق الموسيقية والغنائية يدعم الفنانين الغنائيين والموسيقيين ويعمل على تطوير هذه الفرق، وتزويدها بالآلات الموسيقية الحديثة، حتى يمكن الفنان من مواصلة نشاطه الفني وتحدد شخصيته وهويته الفنية وينتج عمله الغنائي والموسيقى.هناك إذن باستمرار تجاذب وتداخل بين الشخصية المهنية، الملموسة للفنان الغنائي والفنان الموسيقي، وبين الصفة الإنتاجية والإبداعية المتحكمة بتقديم الفرص للتطوير الفن الغنائي والموسيقي، ونلاحظ اليوم ونحن نسترجع مستوى التقدم الذي كانت عليه الموسيقى اليمنية والافكار المتطرفة التي عرقلت تقدمها والتي ليس لها علاقة بديننا الإسلامي الحنيف مما ادى إلى انسحاب العديد من مؤلفي الأغنية العاطفية والأغنية الشعبية، هذه الافكار المتطرفةأدت إلى الفهم الخاطئ للإبداع الفني الغنائي والموسيقي والتوقف عند مستوى معين للموسيقى والغناء.إن الدعوة الجادة إلى تطوير الحركة الموسيقية والغنائية من بلادنا يتطلب دراسات أكاديمية حديثة، وتقدير الدور الذي يلعبه الفنان اليمني في تطوير الموسيقى اليمنية ومعالجة كل المشاكل والعراقيل التي تقف وراء عرقلة الفنون الموسيقية والغنائية.أما الحديث حول تأثير الموسيقى الغنائية اليمنية أو تأثيرها بما وصل إليها من الحضارة الأوروبية من الآلات الموسيقية الحديثة، فأنها مازالت تحتفظ بالنكهة اليمنية الأصلية.اشتركت عدة عوامل من أجل النهوض بالموسيقى والأغنية اليمنية الحديثة، ونقصد هنا بالحداثة هي ظهور فنون غنائية جديدة تحتوي على الآلات الموسيقية الحديثة وأغاني تجمع بين الأصالة والتراث وأمثال وشعر وما إلى ذلك من مأثورات شعبية، ثم ظهرت جمعية الفنانين اليمنيين التي جمعت بين جيلين من الفنانين اليمنيين من أجل معالجة هموم ومشاكل الفنانين وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، والعودة من جديد إلى تكوين فرق موسيقية على مستوى راق من التكوين والعزف على مختلف الآلات الموسيقية، وفتح مجال الإبداع الفني لذوي المواهب الغنائية من اجل ارتفاع مستوى الأغنية اليمنية إلى مصاف الأعمال التي ينظر لها باعجاب، حتى يكون دور الفنان اليمني بارزاً في كيفية المعالجة الفنية للأعمال الغنائية التراثية والحديثة، ولكي نصل إلى هذا المستوى من المعالجات الفنية لابد من وضع حلول على مستوى اساسيات البناء اللحني للأغاني التراثية، حيث سنجدها متوافرة بشكل متفاوت من ناحية قوة عناصرها المكونة من الأنغام كموسيقى نغمية، والإيقاع الموسيقي، فإذا نظرنا إلى الناحية النغمية، فإننا سنجدها أقل قوة ووفرة من الناحية الإيقاعية ولكن صياغتها كجملة موسيقية تعتبر متكاملة البناء، أي أ،ها بداية ونهاية، بما يطلق عليها من العرف باسم موسيقى المقام.ومن أغاني التراث التي تحمل هذا المقام اغنية المهاجر الحزينة وتبلغ الاحزان قمم الجبال:[c1]من كان مثلي غريب الدار ماله مقرفما عليه ان بكى وأبكى الحجر والشجرابكى لك ابكى وصب الدمع مثل المطرومن دم القلب على دمعتك جارية[/c]وبعد الرحلة الطويلة تكون العودة[c1]غنيت في غربتي "يالله لاهنتنا"ومزق الشوق روحي في لهيب الضنىراجع أنا يا بلادي ياديار الهنايا جنتي يا ملادي يا أمي الغالية[/c]وعلى ذلك نجد تنوع استخدام المقامات في الأغاني الشعبية وهذا لايعني العجز عن استخدام اكثر من مقام ولكنها سمة من السمات التي تميزت بها الأغنية لشعبية اليمنية ولقد ميز هذه الأغنية الايقاع الموسيقي اليمني المعروف والمميز عن الإيقاعات الاخرى.[c1]علاقة الشعر الغنائي بالموسيقى[/c]تعد الأغنية القديمة التي تعتمد على نوع الشعر المغنى، واللحن الثابت مما يجعل دور الموسيقى تحتل الدرجة الثانية بعد الشعر الغنائي، إضافة إلى صوت الفنان نفسه الذي يلعب دوراً كبيراً في تقديم الأغنية، وهذا ما جعل الفنان اليمني يهتم ويعادل بين كفتي ميزان الشعر والموسيقى، وحاول معالجة الأغنية من هذا المفهوم ومن هذا المنطلق.وتقول الأغنية عن آلام الغربة:آه ويح الغريب ماذا يقاسي[c1] *** [/c]من عذاب النوى وماذا يعانيكشفت لي غربتي سوأه الدنيا[c1] *** [/c]ولات هنائها لعيانيكلما نالت لذة انذرتني[c1] *** [/c]فتلفت خيفة من زمانيوإذا رمت بسمة لاح مرأي[c1] *** [/c]وطني فاستفزني ونهانيليس في الأرض للغريب سوى[c1] *** [/c]الدمع في السماء غير الأمانيأن اغنيتنا هذه تعود إلى الفن الغنائي اليمني الاصيل مع أن الحديث عن الفن الأصيل يدعونا إلى الأرتقاء بالأغنية اليمنية من مستوى الأداء الشعبي البسيط إلى مستوى الأداء العالي وتحسين الأداء الغنائي من القديم إلى الحديث وإدخال الآلات الموسيقية الجديدة.[c1]البداية الحقيقية للشعر الغنائي والموسيقى اليمنية [/c]كانت معركة إدخال الآلات الموسيقية الجديدة في الاغنية اليمنية تشغل كل فنان يمني، بضرورة تجديد الموسيقى مع المحافظة على التراث الشعبي والفن اليمني الأصيل والمحافظة على طابع الشعر الغنائي اليمني الجيد الذي امتلأت كلماته بالجرأة والإنسيابية والتدفق في غزارة وسهولة المعاني دون عوائق لغوية أو سدود تحدثها القافية.إن هذه العملية ساعدت على فتح نافذة رحبة على انفتاح الثقافة والفن اليمني على الثقافة والفن العالمي ونشر الوعي بالفكر الحر، وتؤصل انتماء كل فنان يمني إلى حضارته اليمنية العريقة، وهذا ما جعل اغنتينا اليمنية والموسيقى اليمنية في طور نشأتها الأولى، تنتقل إلى المرحلة الثانية فيها نستشف الجديد الذي اضافه الفنان اليمني المعاصر، حيث نلاحظ فيها إدخال كل جديد ومفيد للفن اليمني.وهنا تنقل إلى نموذج آخر من النماذج الموسيقية والغنائية التي تعامل معها الفنان اليمني الحديث، وسنحاول من خلاله أن نبين كيفية ونوعية الصياغة الفنية عند الفنان هذا مع ملاحظة أننا قلنا صياغة وليس معالجة والفرق بينهما، أن الأولى تعني الإبداع والابتكار والثانية تعني التعديل أو الإضافة إلى الأغنية التراثية.إن دراسة التراث الموسيقى اليمني، والمدارس الفنية الحديثة بصبر يساعد على تطوير العمل الموسيقي والغنائي، حقاً أننا لانؤمن بأن التيارات الفكرية والفنية الآتية من الغرب ذات تأثير عميق في حياتنا، ولانؤمن باممية الثقافة، لأن لكل أمة ثقافتها الخاصة وتراثها الثقافي والفني،وقد تتلاقى الثقافات وقد تتقاطع، ولكن هناك ثقافة عالمية، عولمة تعد مسألة غير واقعية.إننا نأخذ من الثقافات والفنون العالمية ما يتناسب مع التطور الحديث والتقدم التكنولوجي الحديث، مع الحفاظ على تقاليدنا وثقافتنا وفنوننا الأصيلة، رغم دخول موسيقى الفيديو كليب في الموسيقى ولأغنية اليمنية الحديثة إلا أننا مازلنا نحافظ على التراث اليمني الأصيل.