وقفة سريعة على الموضوعات الفنية في مجموعة ( ابتهالات عاشق )
قبل انقضاء عام على اصداره الاول ( تهاويم وترانيم ) يطل علينا الشاعر عبدالصفي هادي باصداره الثاني ( ابتهالات عاشق ) وهي المجموعة التي اصدرها الشاعر مؤخراً عن دار جامعة عدن للطباعة والنشر . وخلافاً لقصائد المجموعة الاولى التي حوت الغنائيات باللهجة الدارجة ، احتوت المجموعة الثانية قصائد شعرية متنوعة باللغة الفصحى منها قصائد عمودية مصرعة وغير مصرعة ، وقصائد من الشعر التفعيلي وهي قصائد كتبها الشاعر في فترات متفاوتة تمتد من ستينيات القرن الماضي حتى العام 5002م . وفي هذا المقام حق علينا ان نحتفى بالشاعر عبدالصفي واصداره الجديد احتفاءً بزميل من زملاء الحرف الوضيء في زمن نحن في امس الحاجة الى تفعيل دور الحرف ، واعادة الاعتبار له كعنصر هام من عناصر بناء الانسان الذي يقوم عليه بناء الوطن والنهوض به . وعطفاً على ذلك سنقدم فيمايلي قراءة مجملة للموضوعات الفنية التي حملتها قصائد الديوان مقتصرين على اهمها من حيث المضامين ومن حيث المساحة الاكبر التي غطتها في قصائد الديوان . الموضوعات الفنية ومضامينها من الثابت في معرفة القارئ لملكة الشاعر الابداعية ان يقف على موضوعاته الفنية في قصائده ، ومن خلالها الوقوف على المضامين الفنية للخطاب الشعري للتعرف على قدرات الشاعر في معالجة هذه الموضوعات فنياً والتقنيات المستخدمة في بناء القصيد ، ولعل اول مايستوقف القارئ لشعر عبدالصفي هادي موضوعاته المنتقاه من الحياة والمعكوسة فنياً بقوالب متنوعة تكسب هذه الموضوعات فنية ذات ثراء ، تتوازى مع ثراء الحياة ومايعتمل فيها من مؤثرات على الشاعر وشعرية خطابة ، حيث نجد في قصائد عبدالصفي موضوعات فنية ذات مضامين متنوعة تعكس رؤية ذات حساسية خاصة ، ففي بعض القصائد نجد الاحتفاء بالمكان بوصفة موطن ومسكن ومعلم اثير ، وفي خطابه الشعري نجد الشاعر يبث مشاعره المحتفية بالمكان على شكل تأكيد للانتماء اليه تاره ، او التعبير عن شعوره بالغربة فيه ، او الاحتفاء بمجد المكان المأثره ، كما نجده في مصاف آخر يحتفي بالفعل الانساني في الزمن وفي مصاف آخر يقف الشاعر على مناسبات وطنية وتاريخية وقفة تأمل يتغنى من خلالها بالمنجز الانساني الذي صنع التاريخ ، وفي مصاف آخر ايضاً نجد الخطاب الشعري لدى عبدالصفي محملاً بمضامين انسانية واجتماعية يبثها من خلال وجدان يقظ وحس مرهف وعاطفة قوية ، ومن ذلك نجد الغزل والاخوانيات والمراثي وغيرها . اولاً : الاحتفاء بالمكان .. حالات وأحوال للمكان حضور لافت في قصائد ديوان ( ابتهالات عاشق ) حيث يعالج الشاعر موضوع المكان من خلال عدة حالات ، ويوظف في خطابه عدة احوال يعيشها متأثراً بالمكان ، مايجعل احتفاؤه بالمكان موضوعاً شعرياً كرس له جانباً من اشتغاله الشعري ، فالمكان بوصفه وطناً نجده يجبر الشاعر على التعاطي معه ليبثه مشاعره ويتحاور معه ، ونلمس ذلك من اول قصائد الديوان التي عنون الديوان بعنوانها ( ابتهالات عاشق ) حيث نقرأ في هذه القصيدة : ( غرباء ياصنعاء هل لي ان ازور وأن ازاراهل لي بتأدية الطقوس وهل امارسها جهارااو هكذا تستقبليني عاشقاً اضنى المسارا.. )هكذا يستهل الشاعر خطابه مع المكان ( المدينة صنعاء ) وهو خطاب عاطفي متودد معاتب ، يشي عن مشاعر غربة الشاعر في المكان ، فهذه المدينة رغم انها عاصمة الوطن الا ان الشاعر وهو القادم اليها من مكان آخر في الوطن تصدمه وتشعره بالقربة ، حيث لاناس يعرفهم فيها حتى يروز ويزار ولا امكان متوفر له ان يؤدي طقوس المحبة محبته لهذه المدينة وهو العاشق الذي قطع اليها المسافات . على ان الشاعر في المقاطع التالية ينحو بخطابه منحى آخر بعد ان تفتح له المدينة دراعيها فنجده يعبر عن عرفانه واعترافه بالانتماء اليها باعتبارها وطناً .. نقرأ له : ياقبلة الانظار ما انا بالذي ينساك دارالو كنت انسى مارجعت اليك آلاف المراراماكنت امضي رحلتي سعياً واقطعها قفاراالا لان القلب من فرط الهوى والشوق حارا..)ويأتي التأكيد على هذا الانتماء الى المكان في المقطع الذي يليه حيث يقول : ( انا يا أزال اهيم عشقاً واشتياقاً وافتخاراواراك اجمل من عشقت وماعشقت سواك دارا )ونجد الاحتفاء بالمكان ايضاً في قصيدة ( معبودة الكون ) على خطاب الشاعر هذه القصيدة يتبدى خطاباً وصفياً للمكان ( عدن ) ونجد الشاعر يعدد صفاة عدن المدينة الاثيره والموطن ويتباهي بانتمائه اليها وعشقه لجمالها وهذه القصيدة عمودية غير مصرعة ، نقرأ فيها : وقفت مساءاً كي أرى عدن وقدبدت ترتدي ثوباً يطرزه الذهبوعقداً من الياقوت يبرز جيدهاوتختال في جو من اللهو والطرب )الى ان يقول في ذات القصيدة:( اذا جال فيها المرء متملياً بهارأى من مزايا العصر مايدعو للعجبفميناؤها يحتل افضل موقعله شهرة بلغت به عالي الرتبسواحلها تمتد من حوف مشرقاًوتمتد غرباً كي تقابلها عصبوفيها حياة يعشق المرء مثلهاخليط جميل من هدوءٍ ومن صخبوتاريخها عبر العصور مشرفمسيرته تمضي صعوداً مع الحقب> > > فهيا نحيي هذه الروح كلنانحيي عدن معبودة الكون والعرب )هذه القصيدة التي اوردنا مقاطع منها نعدها من اجمل قصائدالمجموعة (ابتهالات عاشق ) لما امتازت به من قوة السبك واتقان الصفة في النظم ، ولو كان الشاعر قد صرع مطلعها لكانت اجمل قصيدة ، وذلك لايعني انه ليس في المجموعة قصائد جميلة اخرى ، فجل المجموعة قصائد جميلة وفيها الكثير من الشعر الجميل ، على ان الخطاب الشعري في معظم القصائد خطاباً احتفاليا ، وهناك عدد اخر من القصائد التي تحتفي بالمكان ومنها قصيدة ( سلاماً لردفان ) التي يحتفى بها الشاعر ببطولة المكان ( ردفان ) الموقع والرمز التاريخي للثورة اليمنية ، كما نجد الاحتفاء الشعري بالمكان كثيراً في قصائد حملت موضوعات اخرى غير المكان بذاته وانما موضوعات وجدانية وغير ذلك مثل قصيدة ( احلام اللقاء ) يأتي ذكر المكان عرضياً ولكنه ذكر احتفالي ، كذلك قصيدة ( يادارنا الخشب ) وهي قصيدة تفعيلية يذهب فيها الشاعر الى ان المكان ملهماً له في تعلم ممارسة الانتماء معرفة الهوية فالمكان ( الدار ) كان البوابة التي عرفت الشاعر بالوطن والقومية والانتماء العروبي ، وفيها نقرأ جانب من النقد لمثاله التاريخ العربي من قبيل جلد الذات - ان جاز القول - ولكن ذلك يأتي لاعلان استنكار الشاعر للصفحات السلبية في التاريخ العربي ، وذلك من اجل التصحيح للاخطاء الى جانب ما انف ذكره من تأكيد للهوية ، من هذه القصيدة : ( يادارنا المصنوع من رخام بسقفه الخشب علمني ابي منذ وعيت كتابة الحرف على الجدران منذ عرفت ان .. اميز الانسان . واعرف الزمان اعرف المكان ..... عرفت اننا العرب آيتنا البديع والبيان ننمق الخطب .. ونحن معشر العرب نقرأ آلافاً من السير وكيف ثارت القبيلة على القبيلة واصطبغ التاريخ بالنزيف .. الخ ) ثانياً : الاحتفاء بالفعل الانساني من بين الموضوعات الشعرية المتنوعة في مجموعة ( ابتهالات عاشق ) هنالك موضوعات تحتفي بالانسان وفعله الايجابي وابداعه ، وهي موضوعات على جانب من الاهمية تؤكد انشغال الشاعر بمحيطه ومايعتمل فيه من جوانب مشرقة من صنع اناس يعيش بين ظهرانيهم . ومن القصائد التي اعتنت بهذا الموضوع قصيدة ( تحية للمحنبي ) وفيها يقول : ( فلتشرقي ياشمس لاتغربيتنوري ايامه المحنبييروض الاوزان يملكهايصوع منها عقده الذهبي( المحنبي ) صار حجتناصرنا به صار بنا المحنبيفي محفل الاشعار اتحفنابرائعات تخرس المستبيفي زخرف سمت بدائعهوفي شكيمة عمر بن كربفنال اعجاب الجميع وقدحياه كل من كان في الموكب)- فالمحنبي هو الشاعر اليمني الشاب الذي دخل مساجلة شعرية مع شاعر كبير من شعراء بلاد الشام وتفوق على نظيره تفوقاً باهر في البرنامج التلفزيوني الذي بث المساجلة من قناة L .B .C اللبنانية ، وقصته معروفه ، وهي مدعاة لفخر اليمنيين استدعت قريحه الشاعر عبدالصفي يكتب عن المحنبي هذه القصيدة الاحتفالية ، على ان الاحتفاء بالفعل الانساني يكاد يكون واحد من اهم الموضوعات في قصائد ديوان ( ابتهالات عاشق ) ونجد هذا الموضوع ساخصاً في قصائد المدائح والمراثي التي تغطي جانب كبير من الديوان منها قصيدة (فارس العرب) التي تتحدث عن مناقب الرئيس علي عبدالله صالح الذي لقب بهذا اللقب من قبل الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، من هذه القصيدة نقتطف:( عربي ظل في موقفهيتبنى حلم شعب عربيحمل الآمال في اعماقهومضى ينشرها في الكوكبيستعيدالمجد من غابرهيعربي صاغ مجداً يعربييوقظ الامة من رقدتها من اقاصى الشام حتى المغرب... .... ( وعلي فارس نعرفهيستطيب الحلم عند الغضبصادقُ ُ حرُّ ُ صريح فطنينتفي بالصدق حدّ الكذب .. الخ )وغير هذه القصيدة المدائحية هنالك مدائح اخرى احتفت برموز عربية في السياسة والقيادة نذكر منهم عاهل دبي محمد بن راشد آل مكتوم ص (08) قصيدة ( موكب العاهل ) وكذلك في قصيدة ( ملك الملوك ) ص (77) يحتفى الشاعر بالسلطان قابوس بن سعيد وايضاً يحتفى بباني دولة الامارات الشيخ المرحوم زايد بن سلطان في قصيدة ( حامل الاماني الخضر ) وعدد من القصائد المهداة لوزراء واصدقاء ومحافظين وغيره . ثالثاً : موضوعات الغزل ارتأيت في هذه القراءة العاجلة ان اسلط الضوء ايضاً على القصائد التي حملت موضوعات غزليه فالشاعر العاشق المبتهل عبدالصفي لم يغفل هذه الموضوعات في ديوانه ، ومن هذه القصائد ( حفوة ) ص (82) و ( حب ضائع ) ص (43) - ( حالة خاصة ) ص (04) اليها من ظنت - ص (34) ومعارضة قصيدة ( ياليل الصب ) ص (54) و ( اليها حبيبتي ) ص (64) و ( غفران ) ص (84) وغيرها .. وللتعرف على اجواء غزل الشاعر نقتطف هذا المطقع من قصيدة ( غفران ) يقول عبدالصفي : ( ياحبيبا خفق القلب لهوسرت خفقاته بين الضلوعوعلى خفقاته غنى الهوىبانتشاء واستياق وولوعاو تدري ان مشوار الهوىقد حرمنى الراح اوقات الهجوعوشربت المرّ فاستمرأتهاملاً مني بساعات الرجوع .. الخ )ختاماًلقد توخينا في هذه القراءة السريعة ان نعرض اهم الموضوعات الفنية لقصائد الديوان ، وهي الموضوعات التي احتلت المساحة الاكبر من الديوان على ان هناك قصائد متفرقة حملت موضوعات وطنية وموضوعات في نقد الحياة والناس والسياسة يكتفي بهذه الاشارة لها ونحيل القارئ العزيز الى الديوان فهو واحد من الكتب الشعرية التي لاغنى عن الاطلاع عليها للتعرف على اسهام الشاعر في المشهد الشعري اليمني . نهنئ الشاعر عبدالصفي هادي على هذا الاصدار متمنين له المزيد من الابداع ونباركة زميلاً من زملاء الحرف والكلمة الصادقة .