حمل العدد الأخير من مجلة التايمز الأمريكية الشهيرة صورة لامرأتين إحداهما على اليمين منقبة وترتدي حجاباً أسود ساتراً، والأخرى على اليسار حاسرة الرأس وترتدي لباس العمل الرسمي ويفصل بينهما عنوان عريض: «النساء السعوديات والثورة الهادئة: المزيد من الحقوق والحريات.. ولكن أبطأ مما يتمناه البعض». ففي تحقيقه الذي بعث به من الرياض الصحفي أندرو بترز، يتحدث عن «الخطوات السعودية الصغيرة، فالنساء السعوديات يحصدن المزيد من الحقوق والحريات». والتحقيق بمجمله جيد، لولا بعض البهارات الغربية إياها، فمثلاً يتحدث أن المرأة السعودية لا يمكن أن تخرج من بيتها أو تذهب للسوق دون وجود محرم. والحقيقة أن أي زائر لأي مركز تجاري أو حتى سوق شعبي سيشعر ربما بأن الرجال لا يمثلون سوى ربع السكان!يحاول الصحفي أن ينظر لزوايا مختلفة من المجتمع السعودي والتطورات التي تشهدها المرأة فيه. فيبدأ بالحديث عن زيارته لشركة «روتانا» الإعلامية واندهاشه لوضع النساء هناك. حيث يتحركن بحرية في بيئة مختلطة بأزياء المكاتب التقليدية والأحذية ذات الكعوب العالية، مما يوحي بأنهن موظفات في تلك المباني الزجاجية الفاخرة في لندن أو نيويورك وليس في الرياض عاصمة المملكة المحافظة. وحيث تخبره سلطانة الرويلي (مديرة إدارة الموارد البشرية)، عن امتقاع وجه بعض هؤلاء الشباب بمجرد أن يشاهد أحدهم امرأة تقوم بإجراء المقابلة الشخصية معه، وبأنه مضطر بأن يسأل «امرأة» أن تمنحه وظيفة. ثم ينتقل التحقيق إلى التطورات في الجوانب السياسية والقيادية في المملكة، فيتحدث مع الدكتورة مها المنيف، إحدى المستشارات بمجلس الشورى، والتي تخبره بأن التحديثات فيما يتعلق بحصول المرأة السعودية على حقوقها تدريجية، فلا يمكن أن تغير مجتمعاً في يوم وليلة. ويذكرنا أندرو هنا بأن النساء السعوديات في مجلس الشورى هن مراقبات أو مستشارات دون أن يكون لهن حق التصويت، وهو أمر يزعج الكاتبة والناشطة في مجال حقوق الإنسان الدكتورة هتون الفاسي. إذ تعتقد الفاسي أنه حان الوقت لإزالة العوائق لتواكب تطلعات النساء في هذا البلد، حيث لا يوجد بعد ما يمكن تسميته بحركة نسوية ولكن هناك إدراك أكبر للحقوق ومساحة أوسع للتعبير عن الآراء والمطالبة بهذه الحقوق.وهنا يتحدث القاضي السابق عبدالعزيز القاسم والذي يدير حالياً شركته الخاصة للمحاماة، عن غياب الوضوح فيما يتعلق بأمور المرأة، مما يعرقل الاستفادة من خبراتها وإمكاناتها على نطاق واسع. فمثلاً هو يرغب بتوظيف بعض المحاميات السعوديات اللاتي يبعثن بسيرهن الذاتية، ولكن لا يوجد قانون حول كيف يجب أن تكون بيئة العمل هنا: مختلطة أم منفصلة كلياً؟ وماذا عن الاجتماعات؟ وفي غياب هكذا تنظيمات، فإن القاسم يخشى تعرض شركته للمحاكمة، وبالتالي سيتجنب توظيف النساء حتى إشعار آخر.وفي مجال حقوق الإنسان ننتقل إلى البرنامج الوطني للحماية من العنف الأسري والذي أنشئ في عام 1999 وترأسه الأميرة عادلة بنت عبدالله، ثم يتحدث عن اللقاءات التوعوية بهذا الخصوص والتي يشرف عليها هذا البرنامج، ويعرج على حادثة أبها وجواز ضرب الزوجات المسرفات. ولا يفوت التايمز أن تذكر بأن غالبية السعوديين لا يزالون محافظين وأوفياء للمبادئ الإسلامية السعودي وهنا يعلق الدكتور محسن العواجي قائلاً «إن للمجتمع السعودي خصوصيته، فهو مجتمع قبلي متدين، ولا يستطيع أحدٌ أن يفرض عليه تفسيره الخاص عن الإسلام، لا يستطيع أحدٌ أن يفعل شيئاً دون الإسلام هنا.. فبدون الإسلام لا توجد سعودية». ويعتقد بترز أن ما يقوله العواجي صحيح حيث توجد أدلة على ذلك، فحسب استفتاء نادر أجري في عام 2006 أفصحت 86% من النساء عن رفضهن للبيئة المختلطة، و89% منهن عن رفضهن لقيادة السيارة. وتؤكد إيمان العقيل رئيسة تحرير مجلة «الحياة» المحافظة، أن معظم قارئاتها من الشابات يرفضن فكرة الدراسة مع الشباب. فلا يمكن للفتاة أن تأخذ راحتها في حال تم ذلك، وستشعر بأنها مراقبة طوال الوقت. «كما أن الرجال لا يعرفون كيف يتعاملون مع الجنس الآخر خارج إطار العائلة، وبالتالي قبل أن تقوم بتشريع الاختلاط فعليك أن تتعامل مع هذه القضية أولاً وتعالج العادات القديمة».وينتقل الحديث بعد ذلك عن مدى قدرة المسؤولين والحكومة على إحداث تغييرات تمس المرأة السعودية بجرة قلم كما يعتقد البعض وأن الإسلام والعادات والتقاليد هي أمورٌ تستخدم فقط كحجج لتأخير هذه التغييرات، والحقيقة هي أن الأمر ليس بهذه السهولة. فالمجتمع حسبما يقول محمد القحطاني من معهد الدراسات الدبلوماسية لا يتحمل التغييرات الدراماتيكية والفجائية. ويضيف عودة البادي من الباحث من معهد الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية أن جميع المسؤولين وصناع القرار هم بالنهاية سعوديون ونتاج هذه البيئة المحافظة، فهم - كغيرهم- حذرون فيما يتعلق بقضايا المرأة، «إنها قضية أجيال». فالمسؤول برأيه نفسه يرى المرأة ودورها بطريقة معينة، ولعله يجد هو ذاته صراعاً بين كل تلك القيم الموروثة وبين متطلبات المجتمع الحديث. ويختتم التحقيق المثير للتايمز بتعليق من سلطانة الرويلي تقول فيه «إننا لسنا دمى باربي، لقد واجهت كل واحدة منا صعوبات عديدة لتصل إلى حيث هي الآن إننا رائدات وسوف نفوز!».والحقيقة أن هذا التحقيق أعجبني، لأنه يعكس شمولية لم نعتدها في الطرح الإعلامي الغربي الذي كثيراً ما يتعمد تسطيح قضايا المرأة السعودية.[c1]*عن/ صحيفة «الوطن» السعودية[/c]
|
اتجاهات
المرأة السعودية على غلاف مجلة التايمز
أخبار متعلقة