معرقلاً خطط التطوير وزيادة الإنتاج
عاد مسلسل العنف الدائر في نيجيريا ليطل برأسه مجدداً على أسواق النفط، ليسهم مع غيره من الضغوط المرتبطة بالعوامل السياسية في إرسال أسعار النفط إلى مستوىات سعرية عالية، وليبقي بالشكوك حول مستقبل إمدادات أكبر دولة إفريقية منتجة للنفط، وثامن منتج على مستوى العالم. وقد أثقلت الأنباء عن تردي الوضع الأمني والسياسي في منطقة دلتا النيجر على أسواق النفط، إذ أعلنت شركة النفط البريطانية الهولندية «رويال دتش شل» العملاقة للنفط في لندن عن اختطاف أربعة من عمالها من قبل جماعة مسلحة في جنوب نيجيريا.وقالت إن جماعة مسلحة هاجمت أحد القوارب في حقل «إي إيه» للنفط واختطفت العمال الأربعة في دلتا نهر النيجر حيث تشكو الجماعات المحلية من أنهم لا يستشعرون فائدة الثروة النفطية في المنطقة. ويطالب الخاطفون غالباً في مثل هذه الحالات بفدية ويفرج عن الرهائن من دون أن يصابوا بأذى.ولكن وردت مشاهد أخرى تبين احتدام القلاقل في هذه المنطقة الغنية بالنفط، حيث وقع انفجارا في خط أنابيب للنفط الخام في نيجيريا دفع شركة «رويال داتش شل» إلى خفض الإنتاج 100 ألف برميل يومياً.وفي ضوء هذه الأوضاع المتردية، تفاعلت أسواق النفط بسلكها مسار الصعود، وكان الوضع في نيجيريا أحد العوامل الرئيسية الضاغطة على صعود السعر إلى مستوى 66 دولاراً للبرميل، نظراً لتقلص الإمدادات النفطية النيجيرية بكمية تزيد على 220 ألف برميل يومياً، وهو ما شكل أحد العوامل التي حفزت أسعار النفط على تجاوز سعر 67 دولاراً للبرميل.تأزم الوضع السياسيوتعتبر هذه القلاقل انعكاساً لوضع سياسي متأزم قابل للتفجر من وقت لآخر، حيث سبق للشركة ذاتها تعرضها لأعمال عنف مماثلة، فعلى سبيل المثال، استأنفت شركة شل النفطية في أواخر العام المنصرم عملياتها «في شكل محدود» في منطقة إنتاج النفط جنوب نيجيريا.وذلك بعدما تعرض أحد أنابيب النفط لعمليات تفجير أدت إلى مقتل ثمانية أشخاص على الأقل وارغام «شل» على تعليق عمليات تسليم النفط لزبائنها.لكن ورغم ذلك فإن مسألة السيطرة على النفط وعائداته قد أججت لهيب الصراعات العرقية والاضطرابات الدينية التي تشهدها نيجيريا والتي ازداد أوارها في السنوات الأخيرة. حيث يطفو على سطح الأزمات السياسية التي تشهدها نيجيريا قضية توزيع العائدات النفطية.تأتي هذه التداعيات السياسية في الوقت الذي ترتفع فيه كذلك حدة الانتقادات من جانب دعاة حماية البيئة الذين ينحون باللائمة على التلوث البيئي الذي تشهده بعض مناطق نيجيريا.ومن جانب منظمات مناهضي الفساد ودعاة انقاذ القطاع العام، وتزايد مطالب سكان منطقة دلتا النيجر التي يتركز فيها معظم النفط النيجيري بالحصول على نصيب أوفر من هذه العوائد لاستغلالها في تنمية مناطقهم.ويعزى عدم استقرار الأوضاع في قطاع العمال إلى النفط، حيث يطالب هؤلاء النيجيريون الشركات الأجنبية العاملة في هذا القطاع ــ خاصة الأميركية ــ بتقاسم عوائد النفط بشكل عادل.وغير بعيد عن الاضطرابات الناشئة عن سوء توزيع العائدات النفطية، انتشرت عمليات نهب النفط نفسه وهي العمليات التي تتسبب في فقدان ما يقارب 10 من الإنتاج الكلي للنفط النيجيري.وقد تسبب سوء توزيع عائدات النفط واحتكارها في أيدي فئة قليلة العدد مرتبطة المصالح بالشركات الأميركية إلى قيام العمال بإضرابات كثيرة، وقيام مسلحين نيجيريين بشن هجمات على أنابيب النفط وخطف رهائن من العاملين الأجانب في هذه الشركات، الأمر الذي جعل قضية النفط أحد مسببات الاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد جنبا إلى جنب مع الإرث القديم من الاضطرابات العرقية والصراعات الدينية.خطط طموحة لزيادة الإنتاج النفطيورغم اختلاط النفط بجملة من القضايا الاجتماعية والسياسية، إلا أنه من المتوقع أن تؤدي أعمال العنف إلى تعطيل الخطط التي أعلنتها الحكومة النيجيرية الخاصة بتطوير وزيادة إنتاجها النفطي.وفد أنعشت توقعات الحكومة النيجيرية بشأن آفاق إنتاجها النفطي، إلى حد تصور أن ما سوف يحل دون مضيها قدما على مسارها عوائدها وإنتاجها النفطي هو حصص الإنتاج التي تضعها منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك».وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة النيجيرية عن أنها تعتزم مضاعفة عوائدها وإنتاجها النفطي خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك على خلفية توقعاتها بضخ النفط من الحقول النفطية البحرية خلال فترة وجيزة.الأمر الذي سيعزز بقوة القدرة المالية النيجيرية خاصة في ظل أسعار النفط المرتفعة حالياً، ويجعل هذه البلد ضمن أكبر عشر دول منتجة للنفط في العالم . وعززت هذه الخطط التوقعات بأن يتم الإعلان عن منح امتيازات جديدة، وأن يقفز معدل الإنتاج الحالي والذي يبلغ 2.5 مليون برميل يومياً، إلى مستوىات قياسية خلال عشر سنوات.وعليه، فقد سبق لآدموند دوكورو مستشار الرئيس النيجيري لشؤون الطاقة في وقت سابق من العام الماضي أن صرح بأنه سوف يتم إطلاق جولة جديد لإعطاء تراخيص للكشف عن البترول والغاز.وأضاف مستدركا أنه سيتم إعلان المعلومات الخاصة بالمناطق التي ستشملها الامتيازات، في المستقبل القريب، وأنه سيجري تنظيم أربعة مؤتمرات لهذا الغرض في كل من لندن وهيوستين وبكين وسنغافورة، حيث سيتم عرض المعلومات التفصيلية عن 61 منطقة ستشملها الامتيازات.وتابع دوكورو بقوله «نحن وجهنا الدعوة لوزارات الطاقة في كل من بريطانيا والنرويج والبرازيل للحضور كمراقبين، بهدف التأكد من عملية إرساء الامتيازات تتم بشفافية كاملة. وقد عبرت بعض الجهات التي تعتزم التقدم بعرض عن قلقها بخصوص شرط توافر مشاركة من الجانب النيجيري في الكونسورتيوم الذي سيتقدم بالعروض .وطالبت الحكومة النيجيرية لفترة طويلة لأجل أن يكون للشركات النيجيرية دور كبير في القطاع النفطي، ولكن قد تم إحراز تقدم ضئيل في هذا الصعيد حتى الآن، ومع ذلك، أعلنت السلطات النيجيرية أنها سوف تأخذ في حسبانها معيار مدى المشاركة المحلية لدى حكمها على العروض المقدمة، إلى جانب الكفاءة المالية والفنية للجهات المتقدمة بالعروضويصر دوكورو على أن لا تقل حصة الشركات النيجيرية عن 10 ، موضحاً أنه سبق له وأن ناشد الشركات النيجيرية بالمشاركة بأن تكون جزءا من عملية العطاء، مع دفع رسوم ملائمة.ووعد مستشار الرئيس لشؤون الطاقة آدموند دوكورو بأن تقدم الحكومة النيجيرية المساعدة للشركات الأجنبية التي ترغب في التقدم بعروض لكي تتعرف على الشركاء المحليين.وعلى الرغم من قلق بعض الشركات الأجنبية من أن يضطروا إلى تحمل شركاء محليين لا تتوافر لدىهم الخبرة بالقطاع النفطي، إلا أن بعض الشركات الأجنبية التي أرست وجودا لها في قطاع النفط النيجيري، قد أعلنت عن أنها راغبة في العمل جنبا إلى جنب مع الشركات المحلية.وعبر عن ذلك الناطق باسم شركة إستيت أويل النرويجية بقوله «نحن سنعمل جنبا إلى جنب مع الشركات المحلية بهدف نقل التكنولوجيا في أقصر فترة ممكنة.وفي جهد الغرض منه الحيلولة دون قيام المستثمرين النيجيريين بالحصول على مقابل مادي نظير مشاركتهم في العروض، فإن الحكومة أعلنت أنها لن تسمح للشركات النيجيرية ببيع حصصها للشركات الأجنبية.وهناك شرط آخر جوهري وهو مطالبة الجهات التي ستتقدم بعروض بأن تنتج أيه كميات من الغاز لبيعها على أسس تجارية. وعلى صعيد تطوير الإنتاج النيجيري من الغاز الطبيعي، فقد أعلنت الحكومة أنها متمسكة بحظر إشعال الغاز حتى حلول 2008 ومن المتوقع أن يصدر تشريعاً جديدا ًيتيح فتح قطاع الغاز لأطراف ثالثة، وذلك مع سعي الحكومة نحو التيسير على الشركات الصغيرة للاستفادة من ثروة الغاز في البلاد .كما أعلنت اعتزامها إدخال بنود على العقود الجديدة تلزم الشركات على إنتاج الغاز وعدم إشعاله، ووفقا لدوكورو فإن مشاريع الغاز المختلفة التي هي قيد التطوير حالياً سوف تستهلك 73 تريليون قدم مكعب طوال فترة عمرها وهو ما يوازي 39 من احتياطيات الغاز في نيجيريا.وقد أعلنت الحكومة النيجيرية أن التقدير الرسمي لاحتياطيات البلاد قد كسر مستوى 35 مليار برميل خلال شهر مارس الماضي.وقال نائب مدير وزارة الموارد البترولية جودوين بيلي إن منطقة حوض دلتا النيجر بمفردها تحتفظ باحتياطيات مقدارها 30 مليار برميل . فيما يبلغ احتياطيات الحقول البحرية في المياه العميقة نحو 5 مليارات.وتولي الولايات المتحدة تولى أهمية خاصة للنفط في دول غربي القارة الإفريقية عموماً ونيجيرياً خصوصاً، حيث تنتج هذه المنطقة حاليا 4.5 ملايين برميل يومياً، ومن المتوقع أن تزداد قريباً إلى 6 ملايين بحلول العام 2008، وهي بهذا تعتبر واحدة من أهم مناطق العالم إنتاجا للطاقة خاصة في ظل عدم استقرار الأوضاع في دول الشرق الأوسط.وتأتي نيجيريا على رأس الدول الإفريقية التي تصدر النفط إلى الولايات المتحدة، حيث يحتل النفط النيجيري المركز الخامس بالنسبة لها بكمية تبلغ 1.5 مليون برميل يومياً.ويتوقع خبراء الطاقة الأميركيون وعلى رأسهم ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي أن تقفز الواردات النفطية للولايات المتحدة من القارة الإفريقية من 15 في الوقت الحالي إلى 25 خلال الأعوام القليلة المقبلة، وهو ما يوازي النسبة نفسها التي تستوردها واشنطن من نفط الشرق الأوسط.وتنافس الدول الأوروبية أميركا على النفط النيجيري فمصالح الطرفين في مجال البترول والغاز الطبيعي بعيدة من التطابق والتآلف. فبريطانيا ترى أنها الأولى بالاستفادة من بترول نيجيريا لكونها كانت مستعمرتها لفترة طويلة يضاف إلى ذلك أن نيجيريا عضو في رابطة الكومنولث فضلاً عن كون شل البريطانية العالمية شركة من أقدم الشركات وجوداً في منطقة دلتا النيجر .حيث آبار النفط النيجيري. وتذكر المصادر أن بريطانيا تعتمد على 10 من البترول النيجيري، ولذلك سيظل اهتمامها بهذه المنطقة قائماً. وقد قامت الحكومة البريطانية مؤخراً بتعزيز تعاونها الأمني مع نيجيريا وسمحت أبوجا بالقيام بدور تأمين المنطقة من خلال تعاون أمني بين بريطانيا ونيجيريا.وبحكم كون نيجيريا واحدة من أكبر الدول الإفريقية إنتاجا للنفط وبحكم اعتزامها زيادة طاقتها الإنتاجية خلال السنوات المقبلة بنسبة تصل 50، يتضح قدر الاهتمام الذي توليه الولايات المتحدة والدول الأوروبية بهذا البلد.والذي يعبر عنه بعض الغاضبين النيجيريين من السياسات الغربية بمزيد من التدخل في الشؤون الداخلية النيجيرية في المستقبل.