إعداد/ د. محمد الدبعيمن الأولويات التي يجب وضعها نصب أعيننا وترجمتها إلى خطوة عملية - حقيقية - وبذل كل ما في وسعنا لنجاحها هي التصدي لمشكلة الملاريا. فهذا المرض الطفيلي كان لم يزل وخيماً، وأعباؤه صحياً واقتصادياً واسعة وبالغة السوء تثقل كاهل الأفراد والأسر والمجتمعات، بل حتى الدول. و لاتزال الكثير من دول العالم ومنها بلادنا يحتل فيها هذا الداء صدارة الأمراض الخطيرة المهددة للصحة والمسببة للكثير من العوائق، وما من حل أمامها لمواجهة هذا التهديد سوى بذلها الجهود وتسخيرها الموارد والإمكانات. [c1]طبيعة المرض [/c]الملاريا - في حقيقة الأمر - مرض طفيلي تنقله إناث بعوض يدعي ( الأنوفيليس ).. عانت منه البشرية منذ القدم، ولايزال يشكل عقبة كبيرة للكثير من البلدان النامية الفقيرة، حتى دول أوروبا وأمريكا التي تمكنت من القضاء عليه باتت تخشى من عودته مرة أخرى. ومن الأعراض والعلامات المميزة لدى الإصابة بالملاريا : الحمى الشديدة - العرق بغزارة - البرودة ( قشعريرة - رعشة ) - الصداع الشديد - ألم في المفاصل - التقيؤ والغثبان والإسهال أحياناً - فقدان الشهية للطعام نتيجة تغيير طعم الفم فيصبح مراً - صعوبة النوم والاستيقاظ مع فتور عام. أحياناً تأتي هذه الأعراض مصحوبة بتشنجات وفقر دم، وقد يعاني المرضى من مضاعفات جراء الإصابة تشكل تهديداً خطيراً على الصحة مثل ( الفشل الكلوي - فشل عمل القلب - اصفرار العيون - اليرقان الناجم عن التكسر الشديد لكريات الدم الحمراء - الإغماء الشديد .. الخ ).وأكثر الفئات عرضة للمضاعفات الخطيرة للملاريا والانتكاسات هما فئتا الأطفال دون سن الخامسة من العمر والنساء الحوامل ، في حين أن أبرز المضاعفات المهددة لهم : ( الملاريا الدماغية - فقر الدم - الارتفاع الشديد في درجة الحرارة - التشنجات - الفشل الكلوي - الالتهاب الرئوي - إجهاض الحامل - ولادة أطفال ناقصي الوزن - الوفاة ). [c1]البعوض الناقل [/c]ليس كل البعوض ناقلاً للملاريا بل ينقلها نوع معين من البعوض يطلق عليه بعوض ( الأنوفيليس).كما ليس كل بعوض ( الأنوفيليس ) ناقلاً للملاريا ، فهناك حوالي ( 460 فصيلة ) من بعوض الأنوفيليس منها حوالي ( 60 نوعاً ) فقط ينقلها. وأخطر هذه الفصائل ما يعرف ببعوضة ( الأنوفيليس جامبيي الأفريقية ) ، وهو البعوض السائد في اليمن، مثلها مثل بلدان أفريقيا جنوب الصحراء المعروفة بالتوطن الوبائي الخطير للملاريا، التي تتركز فيها (90 % ) من الإصابات بهذا الداء في العالم .ووبائية الملاريا في اليمن أفريقية استوائية - في حقيقة الأمر - مصنفة بخطورتها العالية ويسود فيها أيضاُ طفيلي ( الملاريا فلسيبارم ) الأخطر بين أنواع الملاريا في العالم، حيث يشكل أكثر من ( 90 % ) من حالات الملاريا المسجلة في اليمن سنوياً، ما يؤكد خطورة الوضع الوبائي للملاريا في اليمن وضرورة إبداء المواطنين التعاون في مكافحة البعوض الناقل وتسلحهم بالمعرفة الأساسية حول المرض ونواقلة وكيفية الوقاية منه، ولجوئهم إلى وسائل الوقاية الشخصية تحميهم منه وأبرزها الناموسيات المشبعة بالمبيدات التي حرص البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا على توزيعها على الأسر في مناطق انتشار الملاريا ونواقلها من اجل حماية النساء الحوامل والأطفال دون الخمسة أعوام. [c1]تعدد أساليب المكافحة[/c]ثمة تكامل في أساليب مكافحة البعوض الناقل للملاريا بطرائقها المتعددة، وتتميز من الناحية الاقتصادية بفعاليتها وعدم إلحاقها الضرر بالإنسان والبيئة . بدورها وضعت الصحة العالمية تعريفاً للمكافحة المتكاملة للبعوض الناقل الملاريا مفاده: ( أنها الاستعمال الأنسب لكل التقنيات والأساليب بهدف التقليل من وجود الناقل، مع مراعاة الجانب الاقتصادي ) ، ولا تعني المكافحة المتكاملة استعمال أكثر من وسيلة فقط ولكن التكامل في استعمال النظم الهادفة إلى زيادة فعالية المكافحة. وعادة ما تطبق المكافحة ( الكيميائية - البيولوجية - البيئية ) مجتمعة وتتكامل لتناسب الظروف المحلية والاحتياجات والموارد ولبلوغ الحد الأقصى من الجدوى والفعالية بأقل كلفة. ومعرض حديثنا لن يكون عن وسائل المكافحة هذه ، بل عن داء الملاريا ونواقله من البعوض - باختصار - ثم عن طرائق الحماية والمكافحة الشخصية المطلوب التزام المواطنين بها، وأهمها الناموسيات المشبعة بالمبيد الطارد والقاتل للبعوض التي ثبت فاعليتها وجدواها في كثير من دول العالم في حماية النساء الحوامل والأطفال دون الخامسة من العمر من الإصابة بالملاريا باستخدام ناموسية مشبعة بالمبيد في مناطق انتشار نواقل المرض بغية حماية النساء الحوامل والأطفال دون الخامسة من العمر. [c1]الوقاية الشخصية ووسائلها [/c]يفترض من الجميع في مناطق انتشار الملاريا ونواقله من البعوض في موسم انتشاره الاستعانة بوسائل المكافحة والحماية الشخصية التي تحد من انتشار وتكاثر بعوض الملاريا ، لخلق بيئة آمنة من نواقل المرض. فلابد من ردم البرك والمستنقعات والحفر التي تتجمع بداخلها المياه، وتحسين نظم الصرف الصحي للمنازل والمنشآت ، وقطع الأعشاب والحشائش المنتشرة حول المنازل التي تؤمن ملاذا للبعوض ، مع إحكام خزانات المياه العذبة وعدم الاحتفاظ بمياه راكدة في أحواض الأشجار والشجيرات المنزلية أو بداخل الصفائح المعدنية والأواني وإطارات السيارات المنتهية الصلاحية وكل ما يمكن أن تتجمع بداخلة مياه الأمطار من الأشياء المرمية في أفنية المنازل أو بالقرب منها. كذلك يمكن استخدام أقراص التبخير الكهربائ ية والمبيدات الطيارة التي تعمل بالكهرباء لقتل البعوض أو أعواد الدخان المنفر والطارد لهذه الحشرة الكريهة وغيرها من الحشرات الضارة. ومن الممكن وضع التل أو الشبك على النوافذ وأبواب المنازل لمنع دخول البعوض أو إحكام إغلاقها في موسم انتشار البعوض إذا كانت من دون شبك قبل حلول الغروب حتى الصبح، فبداية الليل .. عند مغيب الشمس حتى انقشاع ظلمته بعيد الفجر يشكل الفترة الوحيدة التي ينشط خلالها البعوض وينقل المرض. من الممكن أيضاً - إذا لزام الأمر - استخدام المبيد الحشري بحذر شديد شرط ألا يلوث الطعام والشراب وإلا يتعرض له الأطفال ، كونه ساماً ومضراً ، ويلزمه لضمان فاعليته إحكام إغلاق النوافذ وأبواب الغرف التي ترش به لبعض الوقت دون البقاء فيها أو الدخول إليها حتى تهوى تماماً ويزول رائحة المبيد. [c1]الناموسيات المشبعة [/c]الوقاية باستخدام الناموسيات المشبعة بالمبيد من الوسائل الوقائية ذات الجدوى والفاعلية الكبيرة في حماية النساء في سن الإنجاب والأطفال دون الخامسة من العمر من لدغ البعوض.وقد حرصت وزارة الصحة العامة والسكان ممثلة بالبرنامج الوطني لمكافحة الملاريا على توزيع هذا النوع من الناموسيات في مناطق الانتشار الصيفي والشتوي للملاريا وذلك مجاناً - من دون مقابل - من منطلق الحرص على حماية هاتين الفئتين في مناطق انتشار المرض لاستعمالها في الليل، الوقت الذي ينشط فيه بعوض الملاريا متعطشاً للدماء بدءاً من غروب الشمس حتى انتهاء الليل. وحازت هذه الناموسيات على الأفضلية لوجود مبيد حشري طارد وقاتل للبعوض.. يدخل في تركيبها، بمزجه في نسيجها أثناء التصنيع وفق مواصفات ومعايير منظمة الصحة العالمية، بما يكفل أقصى مستويات الأمان للمنتفعين. أما فاعلية المبيد التي تشبع به هذه الناموسيات فيدوم طويلاً حتى سنوات عديدة قد تصل إلى خمس سنوات ، وفي الوقت ذاته موفور الحماية .. آمن ، ليس فيه ضرر على الإنسان أو الحيوان أو البيئة، ويؤمن نوماً هادئاً ، مانعاً لدغ البعوض الناقل للمرض وبقية أنواع البعوض الناقلة لأمراض أخرى، وكذلك الحشرات الضارة ، كالقمل وبق الفراش. ويعد هذا النوع من الناموسيات من وسائل الحماية الفعالة لمنع نشر عدوى الملاريا عند بلوغ نسبة تغطية تزيد على ( 80 % ) من مجمل السكان المستهدفين، بل وأكدت التجارب والدراسات العلمية أهميتها وأن استخدامها أكثر فاعلية في الوقاية من الإصابة بداء الملاريا. منها دراسة أجريت في تايلاند توصلت إلى أن الناموسيات المشبعة بالمبيد وحدها كفيلة بوقاية ( 50 % ) من السكان من الإصابة بالملاريا في المناطق التي يعتبر فيها هذا المرض حاداً بنسبة ( 60 % ). وبينت دراسات أخرى أجريت في أفريقيا أن استخدامها يؤدي إلى خفض الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة بنسبة ( 19 % ). يضاف إلى ذلك أنها سهلة الاستخدام من قبل أفراد المجتمع من مختلف الأعمار ، وتعمل على وقايتهم الكثير من الأمراض مثل ( داء الفيل - اللبشمانيا - حمى الضنك - الحميات ). [c1]استهداف الحوامل والأطفال[/c] استهداف النساء والحوامل والأطفال دون الخامسة من العمر بالناموسيات المشبعة بالمبيد الطارد والقاتل للبعوض في مناطق انتشار الملاريا لا يأتي من فراغإذا ليس لجهاز المناعة لدى الطفل دون سن الخامسة القدرة على مقاومة المرض ، فهو لم يتطور بالشكل الكافي حتى يواجه هذا المرض.بالإضافة إلى أن الأطفال الصغار يعبرون كثيراً عن معاناتهم وآلامهم فقط بالصراخ والبكاء .و المشكلة هنا تطور المرض إلى المراحل الخطيرة في وقت قصير جداً ، في أقل من ( 72 ساعة ) إذا لم يعالج المريض سريعاً ، وصولاًً إلى المراحل المعقدة للمرض .كذلك تضعف الجهاز المناعي للأم الحامل ، إلى جانب حالة الوهن المصاحب للحمل لذلك تستهدف هاتان للفئات ( الأطفال دون سن الخامسة من العمرو النساء الحوامل) تحديداً لوضعهما الخاص وقابليتهما العالية للإصابة بالملاريا والتعرض لمضاعفاتها الشديدة، وأهم هذه المضاعفات - كما أسلفت - ( الملاريا الدماغية - فقر الدم - الارتفاع الشديد في درجة حرارة الجسم - التشنجات العصبية -0 الفشل الكلوي - الالتهاب الرئوي - إجهاض الحامل -ولادة أطفال ناقصي الوزن )، ومن شأن هذه المضاعفات أن تؤدي إلى الوفاة لا قدر الله.[c1]حساسية الجلد للمبيد[/c]مع أن الناموسية مشبعة بمبيد طارد وقاتل للبعوض إلا أنه فيه خطورة على الإنسان فقد أثبتت التجارب ألا أثر ضار على الذين يستعملون الناموسية المشبعة ، ولكن في حالات نادرة جداً قد يصاب بعض مستخدميها بحكة نتيجة ملامسة هذا النوع من الناموسيات لأجسادهم ، أي نوع من الحساسية وليس في هذا خطورة لكن الحذر مطلوب تلافياً لهذا الإشكال .. من خلال إبقاء الناموسية في مستوى مرتفع لا يلامس الجلد.[c1]استخدام الناموسيات[/c]الجميع بإمكانهم استعمال الناموسيات المشبعة بسهولة ، والجانب العملي فيها أنها ليست بحاجة إلى جهود وترتيبات كعملية الرش وغيرها .إلى ذلك أنها توفر مانع ميكانيكي يفصل الشخص عن البعوض عن استعمالها ووجود المبيد داخل ألياف الناموسية له مفعول طارد للبعوض ، فإذا لامسها قضي عليه .ومن المهم جداً إتباع المنتفعين لتعليمات وخطوات الاستعمال الصحيح للناموسيات المشبعة بالمبيد مع المحافظة عليها من التلف ، حيث مدة الصلاحية لهذا النوع من الناموسيات ( خمس سنوات ) شرط أن يتم المحافظة عليها . فهذا يعزز بلوغ الهدف المنشود ووقاية الأطفال الصغار والحوامل من الملاريا ، وذلك من خلال:- تعليق الناموسية الجديدة في الظل لمدة ( 24 ساعة ) بعد تسلمها مباشرة وقبل البدء باستخدامها .- إدخال أطراف الناموسية تحت الفراش ، لإبقاء البعوض الناقل للملاريا خارج الناموسية - استخدام الناموسيات المشبعة بالمبيد كل ليلة والنوم تحتها طوال فترة الليل ، كون البعوض ينشط مع غروب الشمس وبداية ظلمة الليل.- تثبيت الناموسية على شكل خيمة وتجنب ملامستها للجسم أو استعمالها كلحاف . حيث من الممكن أن يسبب مبيد الناموسية إحساساً بالحرقة أو الحكمة على الجلد ..أي رد فعل تحسسي ، وليس في ذلك خطورة كبيرة, البتة.- المحافظة على الناموسية من المياه والأوساخ والأتربة وإبقائها بعيدة عن عبث الأطفال.غسل الناموسية المشبعة بلطف بالماء الفاتر فقط برفق دون استخدام أي مواد منظفة وذلك مرة كل ثلاثة أشهر،أي بمعدل أربع مرات في السنة الواحدة.-خياطة الناموسية على الفور عند حدوث شقوق وتخزقات فيها لمنع دخول البعوض وأخيراً .. تجنب إشعال النار قرب الناموسية أو تركها تحت أشعة الشمس ، لأن أشعة الشمس تضعف فعالية المبيدات.
|
اتجاهات
الملاريا .. والمكافحة من خلال الناموسيات
أخبار متعلقة