الدكتورة موزة غباش إحدى أوائل المتعلمات في دولة الإمارات اللواتي وصلن إلى درجة الدكتوراه وهي من الأسماء البارزة في مجال الثقافة والعمل الاجتماعي والتدريس الجامعي في الدولة. وعلاوة على تدريسها في جامعة الإمارات أنشأت رواق (عوشة) بنت حسين اعترافاً بدور والدتها والأمهات عموماً ثم أنشأت “جائزة عوشة بنت حسين للأم المثالية” كما أنشأت فرعاً لجامعة القدس. وللدكتورة موزة حضور واضح في التلفزيون ووسائل الإعلام حيث تحاول أن تسهم في التوعية ولها عدة مؤلفات قيمة منها “المهاجرون والتنمية” فموزة مشغولة - كما ينبغي لكل المثقفين والمسؤولين في الدولة - الاهتمام بموضوع الخلل في التركيبة السكانية وهي تركز على الجانب الاجتماعي للمشكلة.من الأمهات اللاتي حصلن على إحدى جوائز الأم المثالية والدتي الحبيبة “أم قيس” وبعد حصولها على الجائزة طلب مني رواق عوشة بنت حسين الثقافي أن ينشر قصة كفاح والدتي الذي أهلها لنيل الجائزة ضمن كتاب ولكن والدتي اعتذرت خجلاً. ولقد رأيت أن أسجل نبذة مختصرة عن سيرتها التي حصلت بموجبها على الجائزة: ولدت والدتي السيدة منيرة بنت محمد علي لقمان عام 1922 في مدينة عدن وكان والدها أول من تخرج في القانون في اليمن من جامعة حديثة كما كان أول من أنشأ صحيفة مستقلة في اليمن عام 1940م وكانت دراسته للقانون وإنشاؤه لصحيفة “الجزيرة” بوحي أو بتشجيع من صديقه “المهاتما غاندي” الذي تعرفت عليه والدتي في طفولتها.وكان والدها على اتصال واسع برجال الفكر في عصر النهضة (فعلى سبيل المثال كتب الأمير شكيب أرسلان مقدمة أحد كتب لقمان). وكان مهتماً بالتعليم فكل أبنائه التسعة من الجامعيين أما بناته الأربع المتعلمات ماعدا والدتي التي لم تدخل مدرسة إذ لم تكن هناك مدارس للفتيات في ذلك الزمان ولكن والدها أمن لأبنته فقيهة لتحفظها بعض السور ومبادئ القراءة والكتابة في منزله مع بعض اليتيمات اللواتي كن تحت رعاية والدته التي كانت محبة لعمل الخير والتي ربت والدتي إذ توفيت والدة أمي وهي في السادسة. وقد علمتها جدتها الخياطة التي برعت فيها وكانت أجرتها تذهب لجدتها التي تعطيها جزءاً من ذلك لمصروفها الشخصي.تزوجت والدتي وهي دون السادسة عشر من العمر محمد عبده غانم وكان أول خريج في الجزيرة العربية من جامعة حديثة وكان والدها معجباً به ويربطه به وبوالده السيد غانم الهاشمي الحسني أول مؤسسي ورئيس نادي الإصلاح في التواهي جهد مشترك في الإصلاح والعمل الاجتماعي .. وزوجها كان شخصية هامة في تاريخ اليمن فقد عمل مديراً للمعارف بعدن وأستاذاً جامعياً في الخرطوم وعميداً للدراسات العليا بصنعاء وكان شاعراً مرموقاً حصل على ست جوائز شعرية عالمية وأسس الحركة الموسيقية في عدن وأسهم بكلمات أكثر من خمسين أغنية وكان مهتماً بالعمل الاجتماعي إذ كان رئيساً لنوادي الأحداث بعدن مهتماً بالعمل الرياضي وخاصة للتنس حيث كان رئيساً لنادي صيرة للتنس وكان كاتباً ومؤلفاً لحوالي عشرين كتاباً بما في ذلك الدواوين والمسرحيات الشعرية. وكتابين في اللغة العدنية للأجانب وله كتاب (شعر الغناء الصنعاني) الشهير.عام 1965 سألت إحدى الصحف د. محمد عبده غانم: “خلف كل عظيم امرأة فمن هي المرأة التي تقف وراءك “فأجاب شعراً بقصيدة منها:[c1]وما أنا من عظمـــاء الرجــــــال ولكنني ملهــم القافيــــــة فمن يا ترى هي لي في الزمان عون على النـوب العاتيـــــة ومن أنجبت لـي الفتى والفتــاة فأمست بهم دوحتى شاديةسوى “أم قيس” رعاهـا الإلـــه وألبسهــا حلــــة العافيـــــة[/c]والحقيقة أن والدتي لم تنجب سوى أربعة أولاد وابنتين وأكتفت برعايتهم، بل ساعدت والدي كثيراً في الدفع بهم نحو العلم والتحصيل فكان جميعهم من الخريجين وخمسة منهم يحمل لقب دكتور وأثروا المكتبة العربية والإنجليزية بمؤلفاتهم العديدة. ومن الطريف أنها كانت تنادي أختي عزة وهي طفلة بالدكتورة عزة وكذلك كان يفعل والدي ثم كانت عزة أول خريجة جامعية في اليمن كما حصلت بعد ذلك على الدكتوراه وكنت أظن أنهما يناديانها بالدكتورة على سبيل التدليل أو أملاً بأن تصبح طبيبة في زمن سبق إنشاء مدارس للبنات بعدن وقد استطاع والدي أن يعلم والدتي في المنزل فأصبحت تحفظ بعض الأشعار لحافظ شوقي والمتنبي وتعرف اساسيات النحو كما تعلمت مبادئ اللغة الإنجليزية وقد ساهمت أنا وشقيقي الأكبر قيس في تعليمها الإنجليزية من طفولتنا وكانت تغني بصوت شجي وتخترع بعض أغاني المهد وأحياناً تكتب بعض الشعر الشعبي وأتذكر أنها عندما ولدت حفيدتها “رشاء” إبنة المهندس حسين مهيوب سلطان وقامت برعايتها في فترة الولادة ثم اضطرت إلى العودة إلى اليمن بينما ظلت الطفلة مع والديها في الإمارات كتبت أمي لها قصيدة مطلعها. [c1]بنيت لك يا”رشا” في القلب ذا مرقدأمسي أعد النجوم وامسح دموع الخد [/c]أما دواوين والدي فلا يخطئ القارئ أن يرى عشرات القصائد فيها وتشير تصريحاً أو تلميحاً إلى حبه لزوجته منذ أول قصيدة بعد زواجه التي مطلعها:[c1]لست تمشين على الأرض ولكن فوق قلبي تلك أنعام خطى قد مازجت روحي ولبيفقلي الخطو ماشئت ولا ترثي لصب[/c]وإذ كانت تشارك والدي مشاركة فعالة في الاهتمام بتعليمنا فقد سجل ذلك في القصائد التي نثرها والدي بين أيدي أبنائه الذين كثيراً ما كانوا يحصلون على المراكز الأولى في مدارسهم وعلى سبيل المثال عندما حصل شقيقي قيس على المركز الأول على المدارس الابتدائية في الدولة وكان والدي يومها يقضي عاماً في بريطانيا للدراسة العليا، فسجل والدي تقديره لدور والداتي في مثل قوله:[c1]عشت ياقيس وعاشت للعلى الأم الحنون كم قضت من أجلك الليل تناجيها الظنون وكم سال على الخد لها دمع هنونكن لها ياقيس في محنتها نعم المعين[/c]وعندما مرض والدي عام 1966م ولم يتمكن الأطباء في عدن من تشخيص المرض فظنوا أنه وهم لم تقتنع والدتي بكلامهم لأنها تعرف أن والدي كان رجلاً صلباً بعيداً عن الأوهام فأقنعته بصعوبة بالتوجه إلى الخارج للفحص رغم محدودية إمكانياتها وفي لندن كلينك لم يتمكنوا من اكتشاف العلة وبعد عدة أيام من الفحص قالت والدتي للدكتور - وكان ممن شاركوا في تطوير أحد الأدوية المعروفة - بأنها متأكدة من وجود علة قال لها الطبيب هناك كشف أخير سأقوم به في الغد ولكنه الأخير وبالفعل وجدوا العلة واستأصلوا نصف الأمعاء الغليظة لإصابتها بالانسداد بالسرطان وتماثل والدي للشفاء بعد أشهر وعاش بعد ذلك قرابة ثلاثة عقود من الزمن أتم فيها أطروحة الدكتوراه وعمل في جبوتي وترأس قسم اللغة العربية في جامعة الخرطوم وعمل مستشاراً ثقافياً في أبوظبي وعميداً للدراسات العليا في جامعة صنعاء وألف العديد من الكتب والدواوين وكانت والدتي دائماً بجانبه ولا غرو أنه صور مشاعره حين افاق من العملية في لندن كلينيك بقصيدة منها:[c1]أفحقـــــاً أنــــــا هنــا في سني البعث والنشور بعد أن شفني الضنى وذوى عـــودي النضيـــــرياحبيبي وحبنـــــــــــا صانه الحافـظ القديــــــرإن أكـن عـــدت للمنى فهي لقيــــــاك يامنيـــــر[/c]لا تخفى على القارئ العارف التورية في “يامنير” إذ أن أسم زوجته منيرة ولا يمكن لصفحات قليلة أن تفي هذه الأم المثالية والزوجة المثالية حقها ويمكن للمرء أن يسرد قصصاً ومواقف كثيرة تدل على أنها أيضاً كانت ابنة وحفيدة وأختاً مثالية فالمثالية لا تتجزأ كما كانت امرأة محبة للغير فكم من فتاة ساعدتها في الإعداد للزواج كما كانت امرأة شجاعة في قول الحق ولرجال السياسة والنفوذ وقد ورثت هذا النوع من الشجاعة من والدها لقمان .عندما توفي والدي رحمه الله وأسكنه الجنة لم يكتف كثير من كبار رجال الدولة والثقافة والتعليم بتعزية أبنائه بل ذهبوا لتعزيتها شخصياً تقديراً لمكانتها وشخصيتها النادرة.
أخبار متعلقة