اخترا عات
داعبت أحلام الطيران مخيلات المخترعين عبر قرون طويلة قبل الوصول إلى أول محاولة تحليق ناجحة، وقد تضمنت الخطوات الأولى في هذا المجال بعض اللمحات التي قادت فيما بعد إلى معرفة كيفية تحرك الجسم في الهواء، وكان العلماء آنئذ يعتقدون أن أجنحة صناعية تماثل أجنحة الطيور قد تمكن أي جسم من التحليق في الهواء. أما أول جسم صنعي يحلق في الهواء فكان الطائرة الورقية التي عرفتها الصين منذ القرن الخامس الميلادي، وتتابعت محاولات المفكرين والمخترعين نظرياً وعملياً لإيجاد وسيلة للتحليق في الجو، بالاعتماد أساساً على ملاحظة الطيور، وطريقة طيرانها في الجو، وكيفية تركها الأرض وعودتها إليها، أي ما أطلق عليه الإقلاع والهبوط. ومن تلك المحاولات نموذج طائرة السير جورج كايلي الإنكليزي ، ونموذج طائرة الألماني ليلينتال الشراعية، ونموذج الأمريكي أوكتاف شينوت المزدوج الأجنحة، والنموذج الأهم الأثقل من الهواء والمزود بمحرك انفجاري يعمل على الوقود السائل الذي صممه لانغلي ، وكان سبب نجاح الأخوين رايت. وقد جرت تجارب عديدة على نماذج مختلفة التصميم انتهت بالإخفاق وسقط من جرائها ضحايا عدة. وتوج بعضها بنجاح كبير، وفي مقدمتها طائرة الأخوين رايت اللذين استطاعا التحليق بها سنة 1903. وعدت هذه المحاولة بداية دخول العالم عصر الطيران في يوم 23 مارس من عام 1903 تقدم شقيقان أميركيان إلى مكتب براءات الاختراع في ولاية أوهايو يطلبان تسجيل اختراع توصلا إليه. وحسب ما تقضي به اللوائح والإجراءات البيروقراطية في الولاية الأميركية أرفقا بالطلب المقدم.. وطبعا بعد استيفاء الطوابع الحكومية المفروضة، رسما تخطيطيا (كروكيا) بمعالم ذلك الاختراع العجيب ممهورا في أسفل يمين الصفحة بتوقيع كل من الأخوين: أورفيل رايت وولبور رايت. أما إلى يمين الصفحة نجد توقيعين لشاهدين لزوم تصديق الواقعة الأول اسمه بوير والثاني اسمه ميللر.الاختراع المذكور أعلاه كان اسمه ببساطة: الطائرة. طبعا كان الأمر يتعلق بأبسط أنواع الطائرات وأشدها سذاجة أو حتى بدائية كما قد نقول. ولو نظرت إلى استمارة طلب تسجيل البراءة لطالعت مستطيلا طويلا حافلا بالخطط المستقيمة المتشابكة، ويحمل كل منها رقما، ورأيت نفسك بإزاء مخطط لا يكاد المرء يصدق أنه يجسد تحقيق أكبر حلم راود الإنسان على مر الحقب والعصور. في تاريخنا العربي نقرأ عن العربي المسلم في الأندلس عباس بن فرناس (عام 888) الذي حلم بالتحليق يوما في أجواء الفضاء بعد أن أمضى سنوات في تأمل حركة الطيور.. تمضي خماصا على لحم بطنها وتؤوب بطانا وقد امتلأت حويصلاتها بكل ما رزقها خالقها به من صنوف الغذاء. وبعد رحلة طيران دفعت ابن فرناس الشغوف إلى أن يقلدها حين اتخذ لنفسه جناحين لعله يقلع محلقا من الأرض إلى السماء.
