لو أننا حاولنا أن نحصي الأضرار والآثار التي أصابت بلادنا بسبب خلافات الساسة اليمنيين ومعاركهم الجانبية عبر مراحل تاريخية سابقة، لصدمتنا الحقيقة بكل تأكيد ذلك أنه منذ أن صارت خلافات الساسة قاعدة وليست استثناء ألقت السياسة بظلها على كل ما عداها من مجالات تكاد تصيب كل شرايين الحياة التي تربط بين أطراف الخلاف بالجمود والشلل ، حتى يتحول خلاف الساسة إلى عقاب ومعاناة للشعب اليمني يمتد أثره إلى الأجيال المقبلة.نقول ذلك بينما الساحة السياسية في جنوب اليمن تشهد صوراً من الخلافات والتصدعات التي يدفع بها أناس إلى حد الهاوية أو التفاقم يوماً بعد يوم ، وأصوات النشاز تبارك هذه التصدعات وتزيد النار اشتعالا، ولا ندري إلى أين نحن سائرون؟ هناك من يزعم أنه لا حل للقضية الجنوبية وتسوية الخلافات السياسية إلا بالانفصال وهذا شيء معيب ومحزن في معالجة القضية بهذا الأسلوب والعودة إلى عهود التشطير والتمزق والظلام بعد أن تحقق حلم الجماهير اليمنية الذي كان صعب المنال في الماضي ، وأصبح اليوم حقيقة واقعة في وحدتها أرضاً وإنساناً ، لا تقبل الطعن ولا التفريط فيها ، لأنها ملكنا جميعاً ونتحمل مسؤولية التخلي عنها تاريخياً بهذا القدر أو ذاك.لقد صارت وحدتنا اليمنية هي مصيرنا وقدرنا المحتوم ، بل ومفخرة لنا وللأمة العربية جمعاء التي باركت هذه الوحدة، وأحيت الأمل في نفس كل عربي أصيل في قيام الوحدة العربية التي انتكست بالأمس في مهدها بين مصر وسوريا . فكيف يمكننا اليوم أن نزيف الوعي التاريخي الوطني لجيل الوحدة اليمنية ، فأين الحكمة اليمانية بين أهل السياسة وأصحاب العقد والحل؟!ولا نخفي على أحد أن هناك أصابع إقليمية ودولية لا تزال تسعى بشتى الوسائل الخفية غير المشروعة إلى تكريس عوامل التفرقة والانقسام بين شعبنا اليمني الواحد بإثارة النعرات القبلية والمناطقية والطائفية وبث بذور الكراهية في نفوس المواطنين والدعوات المشبوهة لإحياء كيانات انفصالية عديدة لا أساس لها من الوجود.إننا اليوم أمام امتحان صعب وبخاصة في هذه الأيام العصيبة التي تمر بها بلادنا في مواجهة الخارجين عن عصا الطاعة، والساعين إلى تقويض أعظم منجز وطني تاريخي وحدوي في التئام لحمة الوطن اليمني الواحد. لقد حملنا الوحدة اليمنية أعباء كثيرة لا تطيقها ونفضنا عن كاهلنا كل المشاكل والموروثات التشطيرية والمعاناة النفسية التي ورثناها في زمن التشطير، وألقينا بها كلها على زمن الوحدة اليمنية ، ولم نحاول جاهدين أن نبحث عن فكر جديد ومنفتح بعد تحقيق الوحدة اليمنية ، ولم نول أهمية في التركيز على ثقافة الوحدة الوطنية ، والالتزام بخطابنا الوحدوي إلى المستثقل وإرادة التغيير لكي تنسجم وأحلام الشباب جيل الوحدة اليمنية، الذي تفتح وعيه المتزامن مع ولادة دولة الوحدة ، واستشعاره بحقوق المواطنة المتساوية وقيم العدالة الاجتماعية وفق الدستور والنظام والقوانين النافذة باعتبار أن الهوية الوطنية معبرة عن الواقع الراهن للشعب اليمني بوصفه غير قابل للتجزئة بحيث لا تكون انعكاسا لتصور فئة ما دون غيرها.إن ما يجب أن يكون عليه دور السياسي أيا كان موقعه مسؤولاً أو معارضاً في تعزيز دور الوحدة هو أن يستشعر المسؤولية ويتخلى عن عقلية الفساد والأنانية والجشع واختزال الوطن كله في مصالح الشخوص على حساب مصالح الوطن برمته، ولهذا يجب أن يتنازل الجميع لصالح الوحدة لا أن تتنازل الوحدة لمصالح الآخرين.ولا شك في أن مواجهة المخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية من قبل دعاة الانفصال والخروج على الدستور والقانون ، ليس من مهمة جهة واحده دون غيرها، بل كل الجهات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية والقبلية والأكاديمية والإعلامية والمثقفين ، كل هؤلاء معنيون بتقديم مبادراتهم واستخراج الحلول الكفيلة والقادرة على صيانة الوحدة والمساهمة في صون وحدة الوطن. ذلكما ورد ذكره في سياق ندوة المثقفين في تعزيز الوحدة الوطنية. وليس بكثير على من يريد بجدية صادقة ونوايا حسنة صيانة الوحدة اليمنية التي بلغت من عمرها المديد تسعة عشر عاماً، أن يشخص ما أصابها من أمراض وأدران خبيثة جعلت الآخرين ينفرون منها، وأن يصف لها الدواء الناجع والفعال حتى تستعيد روحها وصحتها وعافيتها، وسلامة أجزئها كاملة إلى أبد الآبدين وتعود معها الابتسامة الحلوة الدائمة في وجوه كل المواطنين - صغاراً وكباراً شباباً وشابات نساء وشيوخاً يملؤها الحب والاطمئنان ، والعزة والشموخ والثقة بحب الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه . وقد صدق قول الشاعر العربي أبي فراس الحمداني، الذي أنشد قائلاً : “ من يخطب الحسناء لم يغله المهر” كما أكد شاعر يمني ضرورة الحرص على البناء وليس الهدم قائلاً: تقولون أخطأنا فهاتوا صوابكم وكونوا بناة قبل أن تهدموا الصرحا
أخبار متعلقة