الدكتور محمد عبده غانم
د. عبد الحكيم الزبيديفي حياة كل شاعر شعراء تأثرَّبهم وأثروا تجربته بشعرهم. ومن الشعراء الذين أثرَّت أشعارهم في تكويني الشعري، وتأثرَّت بأسلوبَه وشاعريته الشاعر الكبير د. محمد عبده غانم رحمه الله. وأذكر أنني اطلعت على بعض قصائده في مجلة (العربي) الكويتية التي كنت أقرأها في صباي ومطلع شبابي بانتظام إذ كان والدي يحرص على اقتنائها كل شهر. ومن خلال هذه المجلة تعرفت على كثير من فحول الشعراء المعاصرين وأذكر منهم الدكتور محمد عبده غانم رحمه الله والشاعر الكبير محمد التهامي – أطال الله عمره. ومن قصائد الدكتور محمد عبده غانم التي ما زلت أتذكر أني قرأتها في العربي قصيدة (شلالات نياجرا). وحين أصدرت دار العودة (ديوان محمد عبده غانم) عام 1981م سارعت إلى شرائه وكان من عادتي أن أدوِّن مكان وتاريخ شرائي لكل كتاب أقتنيه وبرجوعي إليه وجدت عليه هذا التاريخ (دبي في 8 ذي القعدة سنة 1403هـ/16 أغسطس سنة 1983م). ومن خلال الإهداء (إلى نجلي المهندس الشاعر شهاب تقديراً لاهتمامه بالشعر ودفعاً به إلى المزيد من الإبداع فيه)، عرفت أن الشاعر شهاب غانم الذي كنت أتابع كتاباته وأشعاره في صحيفة (البيان) هو ابنه، ولكني لم أتعرف عليه من قرب إلا بعد قرابة عشرين عاماً من ذلك التاريخ، إذ كنت أيامها شاباً في مقتبل العمر أتهيب لقاء المشهورين، وقد حرمني ذلك الخجل من التعرف على أديب كبير كنت وما زلت أكن له الحب والتقدير وهو الدكتور نجيب الكيلاني رحمه الله الذي كنت أراه في صلاة الجمعة في أحد مساجد دبي ولكني لم أتجرأ على التقدم نحوه ومصافحته إلا مرة واحدة فقط عندما كانت سيارته تقف مصادفة بجوار سيارتي ولولا بشاشته في وجهي إذ رآني قادماً نحوه لربما كنت أعرضت عنه.وقد قرأت ديوان محمد عبده غانم وطوَّفت فيه ما طوَّفت، وأعجبت بالعديد من قصائده، إلا أن هناك قصيدتين تركتا أثراً كبيراً في نفسي هما (بلا وكر) و(هجرة الراعي). أما الأولى فشدتني نبرتها الحزينة وطابعها الرومانسي، وأما الثانية وهي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم فأعجبني أسلوبها الجديد في تناول مدح الرسول صلى الله عليه وسلم المختلف عن تلك الطريقة النمطية التي سار عليها الشعراء منذ بردة البوصيري، وكنت أيامها شاباً في مقتبل العمر أبحث عن الجديد وأطرب له.وقد انقضت السنون، وانمحت من الذاكرة الكثير من تلك القصائد التي هزَّتني من شعر محمد عبده غانم، ولكني عندما قرأت مقالات الدكتور شهاب غانم عن (عدن في شعر محمد عبده غانم) قرأت مقطعاً من قصيدة (بلا وكر) التي ذكرت أنها هزَّتني عندما قرأتها لأول مرة، ومطلعها:لا الدار داري ولا الأوطار أوطاري[c1] *** [/c]أمسى ضياعي حديث المدلج الساريولم أتمالك نفسي من الدهشة، إذ قفزت إلى ذاكرتي على الفور قصيدة لي بعنوان (الوتر الحزين) كنت قد حصلت بها على جائزة الشيخ راشد بن حميد النعيمي سنة 1995م ، ويبدو فيها التأثر واضحاً بقصيدة الدكتور محمد عبده غانم، دون أن تكون قصيدته في بالي حين نظمتها، ولكن في ذلك دلالة على أن قصيدته ظلت قابعة في أعماق أعماقي حتى أطلت برأسها من خلال هذه القصيدة. ولا أقصد بذلك أن قصيدتي معارضة لها، فلا تشابه بين القصيدتين في الموضوع، ولكن التأثر يبدو واضحاً من خلال الوزن والقافية ومن خلال بعض الألفاظ مثل قولي: أسائل البحـرَ والأمـواج صاخبـة ٌ[c1] *** [/c]فينقـل الوصـفَ تـيّـارٌ لتـيّـارِوهو يذكرفي ببيت محمد عبده غانم الذي يقول فيه:وأين أين حديث الموج ينقله[c1] *** [/c]من حول “صيرة” تيارٌ لتيارِرحم الله الدكتور محمد عبده غانم فقد كان مدرسةً تتلمذت على يديه أجيال من الشعراء.