آثار اليمن رمز الهوية وبوابة التاريخ
د. زينب حزام نود أن نتوقف قليلاً أمام بعض مفردات البنية الأساسية في خطتنا الثقافية، والمهام والوظائف المناطة بهذه المنشآت الثقافية الجديدة والقديمة، منها المتحف الوطني، والمكتبات العامة، وإدارة البحوث ودار المخطوطات والوثائق .. وهذه الخطة الثقافية في المنشآت نجد أن وزارة الثقافة قدمت كل دعمها المادي المعنوي لتطويرها، كما قدمت الرعاية للمؤسسة العامة للمسرح والسينما وبناء دار الفن التشكيلي والموسيقي وغيرها من المنتديات الثقافية.ونحن هنا نرى ضرورة استمرارية دعم وزارة الثقافة لهذه المنشآت الثقافية، ليس فقط المحافظة على التراث ولكن لتطوير هذا التراث الوطني، من يؤدي دورها المطلوب تثقيفاً بجذب الناس إليها، وشدهم إلى فهم الآثار وتذوق أسرارها، وتبادل الخبرات مع المؤسسات الدولية التي سبقتها في بناء المتاحف والمؤسسات الثقافية، وزيارة المواقع الأثرية مثل الصهاريج وقلعة صيرة ومكتبة الاحقاف والمواقع الأثرية في مأرب وعمران وشبام وغيرها، وتشجيع الباحثين في علم الآثار من اليمنيين والخبراء الأجانب على التنقيب عن آثار جديدة في المواقع الأثرية والبحث عن كل جديد يفيدنا في التعرف على حضارتنا والكشف عن تراث الماضي الزاخر.وكذا إيفاد البعثات الطويلة والقصيرة لدراسة الآثار والتاريخ من أجل رفع مستوى الكفاءة الفنية والتقنية، نظراً لأهمية دراسة الآثار كأحد المفاتيح المهمة لكشف أبعاد الهوية الوطنية، وعلى سبيل المثال فإن مدينة شبام الأثرية، ذات حضارة مجيدة ومعمورة في اليمن غير أنها تضررت بفعل عوامل التعرية ولحقت بها خسائر فادحة ما قلل من شأنها وأهميتها، ومع هذا يمكننا اعتبارها مركز الفنون البدوية والتراثية من دون مبالغة حيث قدمت الأيدي المبدعة لأهلها آثاراً فنية منطقية النظير طوال القرون المختلفة نتيجة ذوقهم الرفيع وإحساسهم المرهف.أما الفنون التقليدية، فمدينة شبام التاريخية تشتهر بصناعة الأدوات المنزلية منها الأواني الفخارية المزخرفة بالنقوش وصناعة السجاجيد والأقمشة الحريرية المطرزة بالألوان الزاهية الفاخرة. فهي امتداد للفنون السائدة يبدعها الأساتذة البارعون، فتحظى بإعجاب هواة الفن وعشاقه من داخل اليمن ودول الخليج العربي.ولقد سبب البناء العشوائي ضرراً كبيراً على المواقع الأثرية والتاريخية، ما أدى إلى التخريب والتدمير لها. ومنها تخريب الأضرحة ذات القيمة الدينية والتي تدل على قيمة الفن المعماري الإسلامي.وهذا يسبب إعدام جزء مهم من تاريخنا وكفاحنا الوطني إن مدينة شبام التاريخية، بالرغم من الآثار التي خلفتها الحضارات اليمنية على هذه الأرض منذ القدم إلى ملوك دولة حضرموت الذين تركوا بصماتهم على موانئها إلى لسيطرة البرتغاليين، وقبلهم الرومان أعظم المهندسين الذين عرضهم التاريخ، إلى رايات الفتح الإسلامي، إلى الحكم العثماني، رغم هذه الغزوات التي تعرضت لها حضرموت واليمن بشكل عام على هويتها العربية الإسلامية.ورغم هذا النضال الطويل من أجل الحفاظ على التراث الوطني، نجد كثيراً من الإدارات المحلية ساهمت في تخريب الكثير من الآثار أما عن جهل أو إهمال في عدد من المدن اليمنية.ويجب أن نلاحظ أيضاً أن المدن القديمة في اليمن آخذة في التوسع، وهذا التوسع العمراني لا يأخذ في اعتباره هذا الموروث الثقافي، وبالرغم من وجود مندوب للثقافة في كل هذه المشاريع العمرانية فإنه لا يؤخذ برأيه كثيراً، ولكن أهم الأخطار هو فقدان الوعي بشكل عام بأهمية الآثار، وعلى سبيل المثال فهناك الكثير من أصحاب المزارع عندما يكتشفون بقايا أثرية داخل مزارعهم، فإنهم يفضلون أن يعيدوا ردمها مرة أخرى حتى يريحوا أنفسهم من (وجع الدماغ).معلوماتنا عن الآثار اليمنية - أو على الأقل معلوماتي عن هذه الآثار كانت ولا تزال قاصرة إلى حد ما، فهذا البلد العربي التليد قد شغلتنا همومه السياسية عن رؤية ما يملكه من ثروات ثقافية، فالمعلومات المتوافرة عنه قليلة ونادرة، وفي الوقت الذي يوجد في مكتبة الأسفار دليل عن كل دولة يرشدك إلى كل مكان تذهب إليه ويصف لك تاريخه، فقد أعياني البحث عن دليل كامل يصف جميع محافظات الجمهورية اليمنية، فكلما وقعت يدي على دليل وجدته يضم مجموعة معينة من محافظات الجمهورية اليمنية.. مع العلم أن اليمن السعيد كلها عبارة عن متحف مفتوح. وعلى السائح أو الباحث أن يلهث في فضائه الشاسع حتى يتعرف عليه. وإذا ذهب إلى أي جزء من أرض اليمن السعيد يشعر أن قدمه تغوص في طبقات من الحضارات المتراكمة.لقد قرأت في بعض الصحف المحلية عن خبراء أن بيوت مدينة شبام وصنعاء القديمة على وشك الانهيار، وكان هذا المكان أي صنعاء قلب مدينة اليمن النابض والذي ولدت من رحمه بذور الثورة والحضارة اليمنية، وقد تحول إلى محمية أثرية بقرار من اليونسكو. هذه المنطقة التي تخضع الآن للترميم الشامل من قبل الدولة من أجل الحفاظ عليها، وعلى معالمها التاريخية، بعض القصور فيها ما تزال تتسم بالمعالم التركية القديمة. وهناك قصور في صنعاء مازالت تحمل النقوش الإسلامية وفيها أجمل المساجد، منها الجامع الكبير، وبوابة صنعاء التي لا تقل جمالاً عن غيرها من المناطق اليمنية حيث يحتشد فيها الناس وصراخ البائعين للبن والتمر والفستق والزبيب والعنب والأقمشة الحريرية والقطنية والخناجر المزينة بالمقابض الذهبية والأدوات المنزلية التي تزينها النقوش من مختلف الألوان. وبوابة صنعاء تحتاج إلى جهد خارق من أجل صيانتها والحفاظ عليها من الانهيار.كما أن بعض المناطق الشعبية في صنعاء لا تزال بحاجة إلى حملة الترميمات، حتى أصبح التجول داخلها بالغ الخطورة، فهي ليست مهيأة للزوار الذين يبحثون عن معالم العمارة اليمنية وتاريخها، حيث يمكن أن تنزلق قدماك في أي مكان تذهب إليه من شوارع الأحياء الشعبية التي تقع فيها المواقع التاريخية والأثرية، نتيجة البناء العشوائي، أو الترميمات أو إعادة البناء، حيث تترك مخلفات البناء على الشوارع.إن بلادنا تشكو قلة المعاهد المتخصصة بعلم الآثار، إضافة إلى وجود معاهد فندقية متخصصة متوسطة لا تملك الإمكانيات المتعلقة بها كمعاهد فندقية، كما نشكو من قلة المرممين المهرة في الآثار، والغريب في الأمر أن طلبة هذه المعاهد لا يعرفون قيمة الآثار لذلك يسارعون إلى الهرب من الدراسة في هذه المعاهد. والمشكلة الأساسية في هذه القضية، هو أننا ورثنا الآثار ولم نحسن التعامل معها!!.ولكن حالة الآثار في بقية المدن أفضل بكثير من العاصمة صنعاء، ويمكننا القول إن هناك روحاً جديدة بدأت تهب على المواقع الأثرية في اليمن مثل : جانب من السور الحجري لمدينة ثلا - ناطحات السحاب في مدينة شبام - الصهاريج وقلعة صيرة في مدينة عدن - شبام كوكبان وهي تقع في منطقة حصبة على سفح جبل شاهق هو جبل كوكبان الذي تقع عليه مدينة كوكبان المشهورة بمدرستها الغنائية، وهي مدينة قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام بقرون، وتتميز بطابعها الخاص وأسواقها الشعبية، وبها بعض الآثار القديمة كالأعمدة المرمرية.. والمسجد التاريخي الذي يعود تاريخ إنشائه إلى ما قبل ألف عام، ويعتقد أنه بني على أنقاض أحد المعابد القديمة، وتبعد شبام عن العاصمة صنعاء بحوالي (34كم) وقلعة القاهرة الرابطة فوق مدينة تعز على أكمة ترتفع (180) متراً تقريباً.. ومن معالم تعز أيضاً جامع المظفر، وجامع الأشرفية الذي مايزال يحتفظ بمعالمه منذ القرن السادس الهجري، وفيها متحف جيد يضم بعض الآثار النادرة لما قبل الثورة، وإلى الجنوب الغربي من مدينة تعز وعلى بعد (108) كم تقع مدينة المخا وكانت مركزاً يصدر البن اليمني المشهور.وتحيط بتعز العديد من المتنزهات أهمها (عصيفرة، وادي الضباب)..وفي إب تقع مدينة (جبلة) التاريخية عاصمة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي وبها آثار إسلامية عديدة،أبرزها جامع السيدة أروى.ومحافظة إب عاصمة الدولة الحميرية قديماً،غنية بالآثار ويوجد فيها نماذج في متحفها الذي أقيم حديثاً:-وحصن السنارة الذي يعلو مدينة صعدة- إضافة إلى سورها المنيع المبنى من الطين على شكل سور (صنعاء) وفيها مساجد أثرية قديمة أشهرها جامع الهادي الذي يرجع تاريخه إلى القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) ومعبد المقة (القمر) بمأرب حيث قامت أقدم الحضارات اليمنية،وكانت مأرب عاصمة سبأ.وعلى وادي بيحان كانت مدينة تمنع عاصمة قتبان،وعلى وادي عرمة كانت شبوة عاصمة حضرموت،وعلى وادي الجوف كانت مدينة (قرناو) عاصمة معين.لقد تم الآن بناء أسوار حول هذه المناطق الأثرية وأقيمت مدن عمرانية جديدة تحمل أسماء هذه المواقع الأثرية،وتم إنشاء مشاريع ترفيهية كما هو الحال في صهاريج عدن وقلعة صيرة وغيرهما من المواقع الأثرية من أجل تشجيع السياحة الداخلية.[c1]تحت الخطر[/c]هناك سؤال يبرز هو متى تنبهت اليمن لحماية آثارها من النهب وكل عوامل الانهيار؟في أواخر الثمانينات من القرن الماضي صدر أول قانون لحماية التراث الثقافي والمواقع الأثرية.وقد جاء هذا القانون كما يراه معظم الأثريين متأخراً بعض الشيء،وغير كاف كما يراه آخرون،ولكنه كان مقدمة.كما قال واضعوه- إستراتيجيات وبرامج تهدف إلى تشجيع وترقية والمحافظة على المعالم الأثرية والسياحية. كما صدرت عدة قوانين بعد قيام دولة الوحدة اليمنية للحفاظ على الآثار والمواقع الأثرية ولكن من عيوب هذه القوانين أنها لا تضع العقوبات الكافية ضد المخالفات أو الجرائم التي تقع في القطاع السياحي،كما أنها لم تحدد كيفية التعامل مع المخالفين للقوانين الموضوعة لحماية الآثار،فالقانون يعاقب بالحبس والغرامة كل من يقوم عامداً بتخريب وإتلاف التماثيل أو اللوحات الموجودة في الأماكن العامة داخل المتاحف،ويتشدد كثيراً في معاقبة من يحاول تخريب أو تدنيس المواقع الأثرية أو التاريخية.ومن المفروض تسوير المواقع الأثرية حتى لا تتعرض للتخريب الناتج عن البناء العشوائي والزحف المعماري الجديد.وذلك نتيجة ضعف الحماية الأمنية فلا يوجد عدد كافٍ لحراسة هذه الأماكن الأثرية التي تحتوي على آثاراً لا تقدر بثمن.وأحياناً يشارك رجال الأمن أنفسهم في سرقة هذه الآثار وتسهيل بيعها،ففي المواقع الأثرية المكشوفة لا توجد وسائل إضاءة وحفظ كافية ما يعرض القطع الأثرية للسرقة والتلف.من المؤسف أن الغالبية العظمى من اليمنيين يجهلون القيمة التاريخية والثقافية والسياحية لآثارهم،والكثير منهم يجهلون حتى أماكن وجودها،فهم لا يعرفون أهمية المواقع الأثرية وقيمتها التاريخية،وأن اليمن السعيد مخزن الحضارات..لذلك لابد لنا من سياسة ثقافية متغيرة،ولابد للأذهان أن تتغير حتى نستطيع أن نمجد ماضينا من جديد.