صنعاء/سبأ: تعد جلود الحيوانات ثروة وطنية وقومية كبيرة إذا ما أحسن إستغلالها كواحدة من أهم الصناعات التي تدر دخلا كبيرا على الدول وتستوعب عددا كبيرا من العمالة، لكن حسب واقع الحال فأن شأن هذه الثروة في اليمن يأخذ شكلا مختلفا مقارنة بحجم الإنتاج اليومي من الجلود. فحسب التقرير العالمي "رون سـاور ريبورت" الذي يهتم بصناعـة وتجارة الجلود في أكثر من 60 بلداً من بلدان العالم من ضمنها اليمن، فانه لا يوجد في كل اليمن سوى مدبغة واحدة فقط تعمل بطاقة إنتاجية لا تزيد عن 8000 جلد كباش أو ماعز يوميا أي ما يمثل 2.5بالمائةمن جلود الكباش والماعـز المذبوحة يوميا وصفر من جلود الأبقار. ويبقى السؤال ما مصير97.5 بالمائة من جلود الماعز والكباش و100بالمائة من جلود الأبقار المذبوحة كل يوم والتي تقدر قيمتها بعشرات الملايين سنويا، وكذا تضاعف هذا العدد خلال عيد الأضحى المبارك إلى ألاف المرات. وأشارت دراسة حديثة للمجلس الأعلى لتنمية الصادرات إلى أن الجلود متوفرة في اليمن ويهدر منها أكثر من 75 كما أنها تصدر خام بأسعار زهيدة. وطالبت بتشجيع قيام صناعات غذائية تصديرية ومعتمدة على المواد الخام المحلية وتصديرها كمنتجات نهائية إلى الأسواق الخارجية بدلاً عن تصديرها في صورتها الأولية، وكذا تنمية الصناعات لبعض القطاعات التصديرية الواعدة كصناعة الجلود الخام وزيادة حجم تصديرها كمواد مصنعة ونصف مصنعة. وبهذا الخصوص صدر قرار وزارة الصناعـة والتجارة رقم (362) لسنة 2004م بمنع تصديـر الجلود الخام اعتباراً من فبراير عام 2005م بهدف تشجيع الصناعات المحلية التي تعتمد على استخدام الجلود الخام واستثمار هذه المادة المحلية بما يخدم تعزيز وتنمية الإنتاج المحلي لهذه الصناعة التي بدأت تعمل في مجال الاستثمار وتحسين الاقتصاد الوطني بصورة ملحوظة. ويهدف القرار إلى منع تصدير جلود الماعز والضأن اعتباراً من الأول من نوفمبر2005م، وجلود العجول والأبقار ابتداء من يناير العام القادم 2006م. لكن يبدو أن هذا القرار لم يصدر عن قراءة متأنية للواقع خصوصا أن الوزارة لم تعمل على توفير المعامل ومحلات الدباغة للاستفادة من هذه المادة بدلا من بيعها بأسعار زهيدة كمادة خام، وهو ما يعني ضرورة تتويج هذا القرار بخطوات فاعلة لإيجاد بيئة تصنيعية ملائمة لهذه المادة التي تعتمد على عمالة كثيفة ومردوداتها أيضا كبيرة. وكذا لان الصادرات تعتبر حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية ليس من كونها تجسد القدرات الإنتاجية او فائض العمل فحسب، وإنما لأنها تساهم بشكل أساسي في تأمين فرص العمل وتوفير السيولة من العملات الصعبة اللازمة للاستيراد. وتنمية الصادرات تعد المحرك لعجلة التنمية من خلال امتصاص البطالة وزيادة الدخل للدولة من النقد الأجنبي وبالتالي تحسين الميزان التجاري وميزان المدفوعات. واعترض عدد من مصدري الجلود الخام على هذا القرار ورفعوا تظلماً إلى كلٍ من رئيس الوزراء، ومجلس النواب، والمجلس الأعلى لتنمية الصادرات اليمنية، واتحاد الغرف التجارية والصناعية شكوا فيه القرار وتساءلوا أين تكمن المصلحة العامة في هذا القرار وأشاروا إلى أنهم سيتعرضون لمشاكل كبيرة وخسائر جسيمة بسبب هذا القرار، لوجود إلتزامات عليهم بعقود طويلة الأجل لتزويد عملائهم في الخارج بالجلود الخام وتوجد شروط جزائية كبيرة في حالة عدم التنفيذ.وأملوا من الحكومة إيجاد حلول عاجلة ومناسبة لهذه المشكلة مع رفع الحظر في أسرع وقت ممكن قبل أن يتفاقم الأمر، واحتفظوا بحقهم المشروع في مطالبة الحكومة بأية خسائر أو تعويضات يتكبدوها أو تترتب عليهم بسبب قرار منع التصدير هذا. وطالبوا الحكومة باتخاذ الإجراءات الفورية إلى رفع الحظر المفروض عن تصدير الجلود الخام أو حتى تعليق العمل بالقرار لحين دراسـة الموضوع واتخاذ القرار المناسب وفقاً للمعطيات مع الشروع في عمل دراسة واقعية وميدانية من قبل متخصصين في هذا المجال ووضع توصياتهم المناسبة التي تساعد الحكومة على اتخاذ قـرارها الوطني الذي يخدم فعلاً المصلحة العامة. وابدوا استعدادهم للتعاون مع أية لجنة تعين من قبل الحكومة لعمل الدراسة الميدانية عن هذا القطاع الحيوي ونشاط تجارة ودباغـة الجلود بشكل عام والثروة الحيوانية المرتبطة بهذا النشاط وكذا جميع الأنشطة الفرعية المرتبطة بهذا النشاط لغرض تنظيم العمل بهذا القطاع ووضع الحلول المناسبة التي تخدم المصلحة العامة وتكفل الحقوق العادلة لجميع العاملين في تجارة وصناعة الجلود وحتى لتنظيم العلاقة فيما بينهم للتحكم بمستوى المنافســة ووضع ضوابط ومعايير تهدف إلى إرساء أسـس المهنة التي تعتبر من الركائز الهامـة في الاقتصاد الوطني.وتعد هذه الصناعة في كثير من الدول العربية ذات أهمية قصوى وتحظى باهتمام رسمي كبير كما هو الحال في مصر التي تبلغ عائداتها السنوية من تصدير الجلود 30 مليون دولار سنويا. ويظهر هيكل الصادرات اليمنية أن صادرات النفط الخام تجاوزت 90 في المائة بينما تساهم القطاعات غير النفطية في حدود 8 في المائة في المتوسط. وهو ما يعني وجود اختلالاً هيكلياً حادا ًفي التجارة الخارجية، يتطلب بذل المزيد من الجهود بتنويع مصادر الدخل. واقترحت دراسة المجلس الأعلى لتنمية الصادرات تنمية بعض الصناعات مثل صناعة الجلود الخام وزيادة حجم تصديره كمنتجات مصنعة ونصف مصنعة حيث أن نسبة 75 في المائة من الجلود تُصدر كمواد خام وبأسعار زهيدة كذلك صناعة الملابس من خلال الاستفادة من الميزة النسبية من جودة القطن اليمني وتصنيعه والاستفادة من تجارب بعض الدول، وتطوير برامج تحسين الجودة للمنتجات اليمنية.وخلصت الدراسة إلى أهمية أن تتجه الدولة إلى تطوير وتشجيع قطاعات الإنتاج المحلي وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجين والمصدرين على النفاذ للأسواق الخارجية وذلك بمنتجات ذات جودة عالية وأسعار مناسبة من خلال إنشاء مختبرات مراقبة الجودة وإعادة تأهيل وتحسين الخدمات الأساسية لمراكز إعداد الصادرات الزراعية وتعزيز قدراتها، وإزالة الحواجز التي تعيق عملية التصدير بكل جوانبها الإدارية والقانونية وحل صعوبات التعبئة والتغليف ومجال استعادة الرسوم الجمركية،ورفع كفاءة الأنشطة التحويلية القائمة وتشجيع قيام صناعات غذائية تصديرية ومعتمدة على المواد الخام المحلية. ويعني ذلك أهمية توجيه رؤوس الأموال إلى الاستثمار في هذه المجالات الوليدة خصوصا أنها تحقق عائدات مالية مرتفعة،فرجل الأعمال اليمني حسين التركي- على سبيل المثال- اشترى شركة "صوماطام" المغربية لصناعة الجلود بعد إفلاسها عام 1992م استثمر فيها 7 مليون دولار لتصبح الآن من أهم الشركات المصدرة للجلود إلى العالم وتستوعب أكثر من 800 عامل وعاملة كما تحقق أرباح كبيرة جدا. وتأتي أهمية صناعة الجلود كونها من الصناعات كثيفة العمالة، حيث تقوم أساسًاعلى العنصر البشري وتتفرع منها مهن عديدة، مما يضعها في مقدمة القطاعات الهامة والواعدة في اليمن والتي يلزم تطويرها وفتح آفاق جديدة للعاملين بها، وهو ما يجب على الجهات المعنية توجيه اهتمامها نحو هذا القطاع الواعد وجذب الاستثمارات اليه بدلا من إهدار هذه الثروة الوطنية والقومية دون اية جدوى أو فائدة.
الجلود ثروة مهدورة.. مجلس الصادرات : 75 يصدر خاما بأسعار زهيدة
أخبار متعلقة