قصة قصيرة
كتبها/صادق عبد القوي الصلويكثيرة هي العلاقات التي جمعت بين البشر وأمور شتى تكتال تلك العلاقات إلا أن لي امراً مع الناس يختلف عن أمورهم فأنا لا آنس بهم ولا الناس أنسوا بي ولا يدري أحد من بدأ بتلك الوحشة غير أني اعرف عن نفسي أنها ما لاقت حبيباً إلا وفارقته وما أنس فؤادي لأحد حتى يستوحشه فتكفلت لنفسي سراجاً أقتفيه وهو أن لا أدعها تحب أحداً تفجع يوماً بفراقه وصار ذلك عندي نهجاً اقتفيه.ثم لم أجد بعدها من أحد أجلس إليه غير خواطري وذلك هو حالي ردحاً من الزمن.وفي خلوة مع نفسي حدثتني يوماً أن هناك من لا يخلف وعداً ولا يحمل حقداً.جميل ظاهرة قوي باطنه امتلأ قلبه صفاء حتى شع وجهه ضياء.ثم أن نفسي مازالت بوصفها هذا حتى أدركت أنها تغريني بصداقته وأن أوانسها بملاقاته.كان حديثها هذا بعد أن تماثلت الشمس على الرحيل ناسية بعض أشعتها على الجبل فأثرت عدم إجابة نفسي طلبها حتى أرى مطلوبها.عندما عاودتني همسها وأرادت تذكيري بطلبها كان الليل قد ألقى أهابه وأسبل علينا ثيابه السوداء التي طرزت بأضواء النجوم وهو منظر يروق لي حين قلت لنفسي اياك أن تحلمي بما لا يكون ألا خيالا تعلقين به فما أردني غير أحلامك قالت:ماهو بحلم ولكنه واقع وأن شئت فارفع رأسك.رفعت ناظري ليتيه في صدر السماء وأختلط سواد مقلتي بسواد الليل وكاد ينقلب إلي خاسئاً وهو حسير.حتى خالط روحي همس وأعترتني رعشة حامية.همس لم أعرفه من قبل كدت لفرط حنانه أن أغرق فيه.ماهذا؟أجابت نفسي أنه من حدثتك به ألم يستهوك علوه وجماله.إنه القمر.. نعم إنه القمر رددت كالمأخوذ((القمر))وهل لي بصداقته.ونظرت إليه وهنا حدثتني قائلاً:لاتعجب إن لي حديثاً لا كحديثكم.سمعه من قبلك الشعراء وخاطبني العشاق ورافقت الرحالة فكنت أنيسهم حيث لا أنيس لهم وما فارقتهم حتى فارقوني.ولكن أخاف أن علقت بك تقطعني بعد أن خالطت أضواؤك نياط قلبي.قال بعد أن مسح بشعاعه وجهي.أنتم البشر من حملكم الله الأمانة تخونونه ونحن من رفضنا حملها من نخون.وابتسم وهو يلمم أضواءه راحلا...غداً ألقاك.صرخت مفجوعاً برحيله:أين؟همس وضوء الفجر يخفته.أين ما كنت..ما زلت امتع نفسي بلقائه كل مساء فما أخلفني موعداً ولا غاب عني يوماً.وجدت فيه عوناً عن غيره وأنار ضوؤه ظلمة قلبي.حتى كان من أمري مايلي:إذا أنا وفي أحد الأيام كنت سائراً إلى سفح تل تسابق خطاي خطى الشمس غياباً فما أن أطل سواد الليل حتى وصلت مرتقي التل وقد حملت في نفسي للقمر حديثاً...وطرق سمعي أنين..فأدرت ناظري علي أدراك مصدره أو اعلم سببه ولكن يالله انه من هناك من جوف السماء نجم بهت ضوؤه وشحب وجهه وعندما كنت أفكر في الطريقة التي يمكنني بها محادثته. سمعت صوتاً يقول: أيها الحالم أيها السابح في أضواء واهية.وقبل أن أسال عمن يكون المقصود بهذا النداء كان النجم قد اقترب لتقع أضواؤه الحمراء على صدري وكأنه يرتمي في أحضاني قائلاً: أنت من أخاطب أو تحسب انك تستطيع أن تعلق بجمال ضوء دون أن تقع؟ ماذا تقصد؟ أجاب: إني أراك قد أنست بصحبة القمر وتنتظر لقاءه وماذا يضرني وهو لم يخلفني كغيره أو يرضى بهجرة؟ أيها النجم إنا لم آنس لغيره فلا تحاول أن تعرفني عنه فما أحسبك إلا عذولاً.ابتسم كالباكي وقال: يكفي أني اعرفه أكثر منك ولتعلم ان حالي معه كان كحالك معه الآن ففغرت فأي مندهشاً.إذ كنت احسب انه لا يلقى غيري ولا أفضى ان لغيره قد داخلتني وهي ماجعلني أغلظ القول للنجم قائلاً:لاتحسبني مصدقاً لك ولكن..؟ قطع حديثي وقال: لقد كنت يوماً احد أصدقائه فلا يظهر في السماء إلا وانا المع بجواره ليكمل بنورة قصور المعاني حتى صار شعاعه قوتي يحسدني عليه النجوم من بني قومي.ثم ماهي إلا أيام أو قل شهوراً حتى أبعدني عن مداره وأزاحني عن جواره فتراني أطوف في مداري لوحدي وهذا الذي تسميه شعاعاً ولضعفي ماهي إلا دموع تتساقط وتنهدر بحرارة .وقال: الفراق قدر يرافق كل لقاء في الكون.فاختر من تصاحب قبل أن تفجع ممن تصاحب كما فجعت انا من قبلك واختفى عني تاركا كلامه وبعض الهواجس تلاطم في جوانب نفسي.آه يا نفسي. ما كان وعدك إلا غروراً.. وها أنت ترميني بسهم آخر من سهامك ما احسبه إلا قاتلاً أن صدقني النجم حديثة. ورحت بعدها دون أن أكلف نفسي حتى النظر إلى القمر الذي كان يسمع حديثنا من قمة الجبل.وفي اليوم التالي أردت مصارحة القمر وانا أرجو أن يكذب ماقاله النجم ولكن عندما رفعت رأسي إلى القمر لم يكن وجهه كما عهدته مدوراً منيراً بل صار نحيلاً هلالاً شاحباً . فأدركت انه إنما حجب وجهه حياءً.فأدرت انا وجهي غاضباً وبقايا كلمات النجم تتردد في نفسي الفراق قدر يرافق كل لقاء في الكون.عدت إلى غرفتي لأرى شعاعاً ماهذا؟ ماهذا على سريري؟ أدركت إنها ادمع أرسلها القمر.