صالح سعيد بحرق طالعتنا صحيفة (14 أكتوبر) في ملحقها الثقافي “ روافد” الصادر يوم السبت الموافق 5 يوليو في العدد رقم “14165” بقصة قصيرة للقاص علي سعيد بلعيد بعنوان “أحزان لا تموت”.والقصة رغم جمال لغتها إلا أنها من الناحية الفنية غير ناضجة، وذلك لعدم تقديمها شخصية العم أبو العز بشكل يجعلنا نشعر بأبعادها المختلفة، فالشخصية شبه جاهزة، ولم يقدم القاص سبباً إنسانياً وجيهاً لهذه الأحزان التي تعتمل في قلب البطل، أقصد أن التحليل الفني للشخصية كان قاصراً ولم يستطع القاص بلعيد أن ينفذ إلى أعماق الشخصية ويصور عالمها الداخلي تصويراً حياً، يجعلنا نلامس تلك الأحزان التي يعاني منها.إن الاهتمام بالشخصية الرئيسة في العمل الأدبي وإعطاءها الأبعاد الفنية الكفيلة بكشف عالمها وتناقضاتها ونوازعها، وأشواقها وآمالها، وأفراحها وأحزانها، أصبح اليوم من أهم الواجبات التي ينبغي للقاص الحديث أن يلتفت إليها، ولم تعد القصة القصيرة مجرد تسجيل مباشر للأحداث.إن القاص بلعيد في هذه القصة قام بتسجيل ممل للأحداث فتحول الحزن في القصة إلى عامل هدم، وتحولت الشخصية الرئيسية في القصة إلى شخصية سلبية، وذلك بعدم تقديم ظاهرة الحزن بشكل فلسفي أو درامي، أو إنساني..إلخ.إن ما ينقص هذه القصة هو عنصر التحليل والمعالجة الخاصة للبطل، ثم الزاوية التي ينبغي أن نلتقط منها هذا الحدث أو ذاك وذلك بجعل القصة غنية بالدلالات والمواقف..إن شخصية العم أبو العز شخصية غير نموذجية لأنه لا تتوافر فيها أشياء خاصة أو فريدة، أو مميزة فهي لا تختلف عن كثير من الشخصيات التي نصادفها في الحياة، هي شخصية حزينة كما يصر بلعيد، ولكننا لم نسمعها وهي تتحدث عن أحزانها، لم نشاهدها وهي تتحرك، لم نشاهدها وهي تتألم.. أبو العلاء المعري فلسف الحزن في قصيدته المشهورة “غير مجد في ملتي” فقدم رواية فلسفية للحزن والفرح أما قصة بلعيد فاكتفت بالتسجيل الظاهري للحدث، هناك شخص كان يعرفه بلعيد وكان يغلب عليه الحزن.. ثم ماذا بعد؟؟ ما مصدر هذا الحزن ما أسبابه الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والوجودية؟؟ورغم هذه الملاحظات التي ذكرتها، تبقى هناك محطات ايجابية في قصة بلعيد تتمثل في اللغة القصصية التي حاولت جهدها أن تقدم هذه الشخصية، ولكنها فشلت في استكناه عوالمها.. إن تاريخ هذه القصة يشير إلى البدايات الأولى التي كتب فيها بلعيد هذا العمل، وقد تمخضت المعاناة الشخصية للكاتب عن ولادة هذه القصة التي لم تحفل بوحدة التكتيك ولم تقم بتصوير ملامح الشخصية الرئيسية في القصة.إن المؤلف كان ينبغي له أن يقف عند تفاصيل دقيقة في حياة البطل من خلالها نتعرف على مصادر هذا الحزن، ومن خلالها نكتشف أننا أمام معاناة إنسانية حقيقية. إن الحزن الحقيقي في دواخلنا ينبغي أن يموت ليحيا الأمل، وتنتصر إرادة الحياة.وعود على بدء نقول إن هذه القصة تعد من القصص التي اكتملت فيها عناصر اللغة والأسلوب، وفقدت عناصر أخرى كالتحليل وبناء الشخصية، وعمق الفكرة.إن صوت المؤلف يبدو من خلال هذا النص غائباً وملامح الشخصية التي رسمها تبدو باهتة.إننا نطمح من القصة القصيرة أن تقدم شخصياتها وأحداثها في صورة موجزة ومكثفة محققة بذلك وحدة الانطباع العام، ويبدو أن صورة العم أبو العز اختفت خلف جملة من التعميمات التي لا حاجة لها في القصة، وكان يمكن أن ينهض مكانها التحليل النفسي والفني ليصبح هذا الحزن قابلاً للاحتواء.
أخبار متعلقة