في الفترة الممتدة من “سبتمبر إلى نوفمبر” من كل عام وتخليداً لذكرى هذه المناسبات العظيمة في تاريخنا اليمني عودتنا أجهزة الإعلام المكتوبة والمرئية على استضافة العديد من مناضلي الثورة وقياداتها .. وخلال تلك الفترة التي أصبح البعض يطلق عليها بسخرية “الموسم” أصبحنا نسمع ونقرأ الكثير من الأحاديث والذكريات والتي يجب أن تعتبر حقائق تاريخية لأنها تروى بواسطة نخبة مختارة لولا بعض الملاحظات التي تحفزني للوقوف أمامها عوامل عديدة أهمها:1 - عاطفة الوفاء لمناضلي الثورة كأبسط رد فعل إنساني إيجابي.2 - لتصحيح مسار بعض تلك الروايات.3 - لأنها تعني لكل من عاش تلك المراحل “تاريخاً” يجب أن يصاغ ويسجل بأمانة حرصاً عليه وعلى ما يجب أن تعرفه أجيالنا القادمة.وما يؤسف له أننا خلال سنوات كثيرة مضت سمعنا وقرأنا ذكريات “على ألسنة البعض” تعمد رواتها نسب وقائع إلى أنفسهم وحاولوا إبراز أدوارهم وتجاهلوا “عمدا” أدواراً عظيمة لرجال كانوا جنودا مجهولين وراء أعمال وعمليات عديدة وكانوا مواجهين لفوهة المدفع .. فوق هذا وذاك نجد بعضهم يشطح ويتخيل بطولات وهمية قام بها ويتقمصها إلى أن يصدقها .. وبمنتهى الثقة نراهم يستشهدون بالأموات من المناضلين متناسين إنه لايزال بين الأحياء من سينفي أو يؤكد تلك البطولات!!تلك الذكريات تجعلنا نتساءل لماذا يتعمد البعض طمس الكثير من الحقائق والوقائع والأسماء؟ ولماذا لا ينكرون أنفسهم ويتجردون من الأنانية ويقولون الحقيقة.. البعض يفسرها بأنها طبيعة البشر .. وبعض المتضررين من ذلك التجاهل ينسبونه إلى التعمد “لحساسيات خاصة أو لمواقف سياسية حصلت بعد إنتصار الثورة”.ورغم ذلك فإننا لا نلومهم بل نلقي اللوم على الظروف السياسية التي جعلتهم يتصرفون بتلك الأنانية ويلغون أدواراً لمن كانوا في الصفوف الأولى .. ولكي التزم الصراحة في سياق موضوعي فإن من أعنيهم بالدرجة الأولى “من مناضلو ثورة 14أكتوبر ( لا لتعصب أو انفصالية كما قد يفهمها ذوو النظرة الضيقة) ولكن لأنه الجزء الذي عايشته “وأهل مكة أدرى بشعابها” كما قيل في المثل..وفي فترة قريبة مضت استبشر المناضلون خيراً بالقرار الرئاسي الذي قضى بمنحهم إعانات شهرية وكانت ثقة الجميع باللجنة المشكلة لإقرار أسماء المناضلين معتمدين على أن أعضاء اللجنة يتمتعون باحترام الجميع وتقديرهم فهم من خيرة المناضلين وممن عاشوا كل مراحل الثورة .. وبغض النظر عن تحفظ البعض على قيمة المبلغ الذي أقر واحترام الجميع لموقفهم الرافض لاستلامه كونه لا يساوي ربع ما يتسلمه المناضلون في صنعاء إلا أن المفاجأة كانت أكبر لعملية خلط الأوراق التي حصلت وبدلا من إنصاف المناضلين وإعادة ترتيب أوضاعهم نزل على بعضهم المزيد من الظلم..!! وحتى لا يكون كلامي مطولا وغير ذي فائدة فإنني أطرح ملاحظات للجهات المختصة لعلي من خلالها أنقل رسالة عن معاناة مناضلين آملة تفهم أوضاعهم وإعادة الاعتبار لهم كونهم لم يفكروا خلال سنوات النضال بأي مردود مادي ولم يخطر ببالهم أن العملية ستتحول في يوم من الأيام إلى استثمار يكيفه كل شخص على هواه..إن ما يثار في الصحف بأقلام شخصيات صحفية واجتماعية إضافة إلى حالات المناشدة والاستجداء التي يوجهها بعض المناضلين تجعلنا نتساءل لصالح من شكلت اللجان؟ ولصالح من صدر القرار ؟؟ ولو توقفنا أمام الكشوفات وأسماء من اعتبروا مستحقين لوجدنا الكثير من الأخطاء التي قد تكون حصلت من دون قصد .. فبعض الأسماء لم يكن لها أي دور وبعضها حشرت حشراً بين القوائم .. ولا ندري كيف تم التقييم وعلى أي أساس اعتبرت مستحقة؟.. أعرف أن “إرضاء الناس غاية لا تدرك” وأن الميزانية التي رصدت لا تكفي للكل .. ولكن السؤال: لماذا يحسب من رصيد المناضلين بعض هذا القليل ليعطى لمن لا يندرجون تحت مسمى “مناضلين” أليس أصحابها أحق بها؟؟ قد تكون بين الحالات الخطأ أسماء لأشخاص يعانون من ظروف اجتماعية صعبة ولا مانع في أن نتفاعل معهم خاصة لو كانوا ممن خدموا هذا الوطن..ولكن التفاعل المنطقي يكون بتبني قضاياهم عبر جهات اختصاص أخرى كالشؤون الاجتماعية ومكاتب المحافظين ومرافق الدولة المختلفة أما أن تصرف لهم الإعانات ويحرم من يستحقها فإنها مهزلة وقمة الاستهبال!! أكرر إن تلك القائمة أثارت الكثير من الشجون للبعض وخلفت حساسيات لا أول لها ولا آخر خاصة لدى مناضلين همشوا .. ويكفينا مافات من منح صكوك الغفران ومنح الأوسمة والنياشين لثوار جاؤوا بعد الثلاثين من نوفمبر 1967م .. يكفينا ما جرى من شطب لأسماء وإسقاطها لمجرد عدم الرضى عنهم من السلطة إما لمواقف سياسية أو لأنهم كانوا لا يجيدون لعبة مسح الجوخ والنفاق السياسي..كم نتمنى إعادة غربلة كل الأسماء ورد الاعتبار لمن سقطت أسماؤهم فإقرار أسماء المناضلين كافة ليس بأمر مستحيل “حتى أن كان بعضهم لا يحتاجون للإعانة المادية” لكن التكريم المعنوي والأدبي مطلوب وملزم لذا يجب مساواة الجميع بالحقوق وعدم تجاهل أدوار المناضلين الحقيقيين.إن للمناضلين مقاييس يجب أن نضعها نصب أعيننا وعدم منح هذه الصفة لكل من هب ودب فمن خلال إعادة فحص الاستمارات ومن واقع المعلومات التي سجلها أصحابها سواء لدائرة رعاية أسر الشهداء والمناضلين أو لمنظمة مناضلي الثورة نجد في بعضها الشطح وادعاء البطولات والمؤسف أنه قد بلغ مداه حيث نجد أصحابها يقعون في ورطات والدليل “على سبيل الأمثلة” نجد من يسجل ميلاده 1952 وينسى أن ثورتي سبتمبر 62م / أكتوبر 63م..وآخرون يشطحون بأفكارهم فنجدهم يسجلون أنهم كانوا من مؤسسي حزب ما في 1955م ويسجلون ميلادهم في 1943م .. وهكذا نجد الأطفال المعجزة كثيرون من واقع السجلات وفوق هذا وذاك نفاجأ بسكرتيرات عملن في وزارات بعد الاستقلال قد تحولن بقدرة قادر إلى مناضلات وفدائيات ونجد أنهن يمنحن الأوسمة وشهادات التقدير والعرفان ..!! لذا نشدد على إعادة غربلة الاستثمارات وفحصها وكم نتمنى من الجهات المختصة واللجان المشكلة إعادة النظر في التقييمات والقرارات وإعطاء كل ذي حق حقه وذلك بالبحت عن حالات أسر الشهداء التي حرمت الكثير من حقوقها ورد الاعتبار لهم .. والنظر إلى حالات المناضلين الأحياء المهمشين الذين يموتون كمدا وقهرا من المعاناة كما قد سبق لبعضهم الذين ماتوا بعد أن عانوا بصمت وقهروا وهم يرون رفاقاً لهم كانوا في نفس مراتبهم أو كانوا تحت مسؤولياتهم يكرمون بالأوسمة والتقدير المادي والمعنوي لمجرد قربهم من مراكز القرارات، وهم مهمشون ولا يتذكرهم إلا الشارع والمواطنين.أقولها بصدق: وثقوا للثورة بأمانة وصدق وبتجرد، اجعلوا الذمة والأخلاق هما الرقيب عليكم واتركوا للأجيال القادمة وثائق نظيفة خالية من الغيرة والحقد وتصفية الحسابات .. فكفانا عبثاً بتاريخ الثورة وكفانا توثيق الإضافات لرجال مراحل ما بعد الثورة..أحفظوا الوثائق ولا تجعلوها عرضة لكل مدعٍ حتى لو أدى ذلك إلى ختمها بالشمع الأحمر ليعرف الجميع أنها وثائق تاريخية تعني كل اليمنيين والجميع ملزم بالحفاظ عليها والدفاع عنها..
التوثيق “تاريخ” والأمانة مطلوبة
أخبار متعلقة