رداً على أحمد المهندس ..
عبدالله قيسان:عنوان جميل، واختيار موفق، وله دلالات فنية ومضمونية، الفنية بتقديم الخبر (على الحسيني) على المبتدأ (سلام)، وهذا إيضاح بلاغي أضفى جمالاً وقوة على الحملة، ناهيك عن جمال الموسيقى الظاهرة في جرس حرف السين المتكرر في هذا العنوان، أما من الناحية المضمونية، فقد كان أقوى اختيار لما تعانيه الأغنية اليمنية اليوم من ركود وهبوط كلمات وألحاناً، فالعنوان الذي اختاره الصحفي الفنان (أحمد المهندس) يترحم على الغناء اليمني، مقارنة بزمن الحسيني الجميل قبلة العشاق وملتقى الفن والطرب ورمز الوفاء والتصافي. على الحسيني سلام .. هو اسم الأغنية اللحجية الشهيرة التي كتب كلماتها الشاعر الأمير صلاح مهدي العبدلي عام 1957م ولحنها الفنان محسن أحمد مهدي (1) وغناها كثير من الفنانين.على الحسيني سلام يقع في 303 صفحات، من القطع الصغير، صادر عن شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر ـ جدة 1999م والمقدمة للطبيب الفنان (نزار غانم) ينقسم الكتاب إلى ستة أجزاء: الأول مقالات فنية والثاني مقالات أدبية والثالث لقاءات أدبية والرابع لقاءات فنية والخامس حواراتي والسادس قضايا ونقاش.وسنتناول الجزء الأول وهو الذي يهمنا، وهو الجزء الأكبر من الكتاب وقد ظهرت من خلاله نظرة الكاتب وآراؤه حول الغناء اليمني.لقد تخصص الصحفي الحجازي (أحمد المهندس) في موضوع الغناء اليمني واجتهد ـ ولكل مجتهد نصيب ـ حتى أثمر اجتهاده ابراز جوانب مجهولة في تاريخ الأغنية اليمنية التي كثر القيل والقال حولها والحق إنه كان موفقاً في اغلب ما كتب عن الغناء اليمني ولكن .. آه من لكن ـ كما تقول الأغنية اليمنية ـ سنتحاور في بعض الآراء التي طرحها، وقد نختلف حولها ، والاختلاف في الرأي لايفسد للود قضية ـ وهذا شعاره الذي ورد في الكتاب.(هل يقتبس عبدالوهاب .. من الحان محمد جمعة خان) (2) هذا أول عنوان في الكتاب ثم يورد خبراً لإحدى الصحف عن الفنان عبدالوهاب (إنه بصدد تلحين أغنية جديدة في باريس .. حيث يحلو له ان يقضي اجازة الصيف .. من كلمات وأشعار أمير الشعراء أحمد شوقي) (3) ثم يستغرب المهندس إن هذه الكلمات سبق ان لحنها الفنان الحضرمي (محمد جمعة خان) ما الغريب في ذلك! هل اشعار شوقي محصورة على الفنان محمد عبدالوهاب؟ أو محصورة في مصر للتلحين. ألا يدري المهندس أن شعر شوقي كان منتشراً في عدن وحضرموت بحكم الانتشار الثقافي ليتمكن الفنان محمد جمعة خان من تلحينها قبل الفنان عبدالوهاب؟ لكن الغريب لو ان عبدالوهاب اخذ لحن بن جمعة خان أو بعضه ليضيفه إلى لحنه، هنا يصح عنوان مقال المهندس، لكن لحن الفنان (محمد جمعة) يختلف عن لحن الفنان عبدالوهاب وهذا أمر معقول.ويشير المهندس في كتابه إلى أن عبدالوهاب اعتزل الغناء وهذا غير صحيح، فالغناء وجميع الفنون لاتعتزل فهي ليست كرة قدم أو تنس طاولة وقد سجل الفنان عبدالوهاب بصوته أغنية (من غير ليه) قبل وفاته بفترة قصيرة وهي آخر أغنية، وما يؤكد هذا أن الفنان محمد عبده في الثمانينات أعلن اعتزال الغناء، ولكنه يغني حتى اليوم.عن الأغنية العدنية تحدث الكاتب الصحفي أحمد المهندس باسهاب وقسم فنانيها إلى ثلاثة أجيال فوردت أسماء فنانين من غير عدن خارجة عن الموضوع مثل الفنان أبوبكر سالم بلفقيه وعبدالرب أدريس وعوض أحمد، ومادام قد ذكر عوض أحمد ـ على الأقل ـ سيتذكر الفنان محمد محسن عطروش، الذي لحن أغلب أغاني عوض أحمد إن لم يكن كلها وهو من الجيل الثاني ويشكل مدرسة في الغناء اليمني، وقد لحن لكثير من الفنانين في عدن ولحج وأبين مثل أبوبكر سكاريب وصباح منصر ورجاء باسودان وعبدالكريم توفيق وغيرهم.وضمن هذا الموضوع ورد اسم (رابطة أبناء الجنوب) (4) وهذا اسم حزب سياسي والصحيح هو (الرابطة العدنية الموسيقية) (5).في صفحة (35) من الكتاب يدخل في الموضوع الأكثر أهمية ولعله موضوع الكتاب وهو قضية (السطو) على الأغنية اليمنية ـ كما يسميه الكتاب ـ من قبل فناني الخليج.أولاً علينا في مجال الفن الا نستخدم كلمة (سطو) لانها كلمة غليظة ومجحفة ولا تليق أن تطلق على فنان أياً كان فما بالك بفنان كبير ورائع مثل خالد الشيخ مع أن الفنان البحريني خالد الشيخ الذي غنى بعضاً من التراث اليمني لم يأخذ منه، بل أضاف إليه موسيقيا، وحوله من الحان مبسطة إلى الحان مركبة مفخمة بآلات موسيقية حديثة وهذا تطوير للتراث الغنائي اليمني.إذا المشكلة والحق على الإذاعة والفضائيات الخليجية التي لم تساعد على إكمال هذا الجميل الذي قام به الفنانون الخليجيون بأن تذكر أن هذه الأغنية أو تلك من التراث اليمني، لأنها بذلك تنصف الفنان والتراث اليمني.يعتبر التراث الغنائي اليمني جزءاً من التراث الغنائي العربي ولكل فنان عربي الحق في تجديده، لكن على أجهزة الإعلام القيام بدورها في التعريف بانتماء هذا التراث الفني، فإذا كان الإعلام اليمني قد قصر في ظروف صعبة ان يقوم بدوره، فعلى إخواننا في دول الخليج إنصافه بإشهاره والتعريف به، لا أن تجعله مجهولاً وتصبح مساهمة في ظلمه.(للشاعر والفنان اليمني الشامل الأمير أحمد فضل القمندان .. أغنية شهيرة كتبها عام 1354هـ، وأسمها يا وليد يانيونه) (6) والصحيح (ياوليد يا نينوه) (7) وهذا خطأ مطبعي واضح، ثم يذكر أن القمندان توفي في أواخر الأربعينيات، والصحيح انه توفي في بداية الاربعينيات 1943م، ثم يورد اسم ديوان القمندان بالخطأ مرتين، الأولى في بداية الكتاب في الأهداء (إلى القمندان الشاعر الفنان صاحب المصدر المفيد في غناء اليمن الجديد) والثانية (المصدر المفيد في غناء لحنه الجديد) (8) والصحيح (المصدر المفيد في غناء لحج الجديد).وفي معرض دفاعه عن الأغنية اليمنية نجده يشتاط غضبا من الكاتب اليمني أمين الشميري عندما وصف الغناء اليمني بالتراث العظيم وله قداسته، ويضيف المهندس ان الشميري لا يعرف شيئا عن فن موطنه، ثم ينفي أحقية الشميري في الدفاع عن الغناء اليمني (ان الاغنية اليمنية ليست ارثا لأحد).(9).لا أدري هنا هل يدافع المهندس عن الاغنية اليمنية أم يهاجم!! وإذا لم يغر أبناء اليمن على تراثهم فمن سيرعاه ويحافظ عليه؟ قد يكون البعض ممن خاضوا الكتابة عن الغناء اليمني لايرتقون إلى مستوى المهندس كمتخصص فيها، وصحيح ان الأغنية اليمنية ليست ارثاً لأحد وإنما ملك عام للشعب اليمني أولاً، لكن هذا (الأحد) هو جزء من العام الذي قد لايمثلهم رأيه ولكنه يمتلك الحق أن يقوله.إن الأغنية ليست مباحة للتجريب إلى درجة طمس الحانها كما يشاء المجددون في الفن، لذلك يجب مراعاة الخواص اليمنية في اللحن والكلمات، حتى لاتضيع ميزاته التي تميزه عن الخليجي والمصري والعراقي.ثم يتساءل المهندس في معرض هجومه الذي يعتبره دفاعاً عن الأغنية اليمنية (ماذا قدمتم للفن اليمني؟)(10).هنا يخرج المهندس عن صوابه وكأنه يشمت في اليمنيين لظروفهم الصعبة، التي لم تتح لهم الفرصة لإبراز الغناء اليمني، على الساحة العربية والدولية، أو كأنه يشترط التصرف بالتراث الغنائي اليمني كما يشاؤون مقابل تجديده.إن ما يكتبه المهندس، ليظهر الغيرة على الفن اليمني، يخفي وراء السطور غيرة متزايدة من النجاح الذي حققته الأغنية اليمنية في ظروف تاريخية صعبة، حتى انتجت روائع الألحان! لكن المسألة ـ يا أستاذ أحمد ـ متعلقة بالسبق الحضاري ، الذي للأسف لم يتواصل، بفعل الظروف السياسية المضطربة في اليمن.أما في صفحة (78) من الكتاب، فينهال المهندس على كاتب لم يصرح باسمه لمجرد أنه كتب رأياً حول الغناء السعودي، ويترك القارئ في حيرة وهو يتصارع مع مجهول، حتى أنه لم يكتب الملاحظات أو نقاط الخلاف التي جعلته يختلف مع هذا المجهول حولها، حتى يعرف القارئ أسباب هجومه عليه، وكان يفترض أن يحذف هذا الموضوع من الكتاب، لأن بعض المقالات وقتية تصلح كرد صحفي في حينه لكسب وإقناع القراء المتابعين أخبار الفن ولا تصلح أن تكون بين دفتي الكتاب، لأن زمنها قد فات وطرفها في الخلاف مجهول ولم تثبت بحجج وأدلة منصوصة ومنسوبة لصاحبها ولهذا لايستطيع القارئ أن يحكم له أو عليه.في صفحة (84) يبتدئ المهندس هجوماً جديداً ولكن هذه المرة يقرر التصريح باسمه لأنه ليس من أهل الدار .. يماني مقيم إنه الشاعر الأمي ـ كما يسميه ـ يسلم بن علي: (القراء الأعزاء لايعرفون أن آراءه قد لا يؤخذ بها .. ولاتسمن ولاتضعف من جوع!!) ويضيف (فمطلوب منا أن نوضح الحقائق .. وان لانعطي البعض من مدعي الشعر والفن أكثر من حجمهم) كلام ضعيف! يقول (قد لايؤخذ بها) ومادام وردت قد كحرف تقليل، يعني قد يؤخذ بها وهذا يدل على إن الكاتب غير متأكد من كلامه!وعندما يقول ألا نعطي البعض من مدعي الشعر والفن أكثر من حجمهم، فهذه دعوى باطلة، فأكثر دليل على شاعرية يسلم بن علي أن صوت العرب طلال مداح لحن وغنى من كلماته وهذا (شاهد من أهلها).أن الكاتب الذي يدعي التواصل بين الغناء الخليجي واليمني، ظهر هنا مناقضاً لآرائه فيغضب عندما يلحن الفنان طلال مداح لشعراء يمنيين (فلماذا يا ترى يغامر طلال مداح .. بصوته ويمارس المجاملة المرفوضة من محبيه على حساب عطائه الفني وأعماله).(11)الشاعر يسلم بن علي ليس الفنان طلال مداح من غنى له، فقد غنى له الفنان أبوبكر سالم بلفقيه، وهود العيدروس وغيرهم، ثم أن الصحفي الكبير أحمد المهندس في غنى عن استعمال بعض الألفاظ الجارحة، التي قد تضعف حججه وتحط من مكانته الفنية مثل العنوان: (أريحونا من آراء هذا الأمي) وغيرها.(وهل من حقه إعطاء كلمات الأغنية التي سبق أن منحها لفنان .. لآخر) (12) يقصد الشاعر يسلم بن علي. ليس عيباً أن يكون للأغنية أكثر من لحن وهذه ظاهرة فنية معروفة، فقد أعطى الشاعر اليمني لطفي أمان (مش مصدق) للفنان أحمد قاسم ـ ثم منحها للفنان محمد مرشد ناجي وسجلت في إذاعة عدن باللحنين ولازالت تذاع بهما، كذلك أعطى الشاعر الغنائي (صالح نصيب) للفنان (محمد محسن عطروش) كلمات أغنية (عرفت الناس إلا أنته) وغناها عوض أحمد ثم أعطاها للفنان (فيصل علوي) وغناها بلحنه وسجلت باللحنين، وهذه ظاهرة فنية تشجع الفنانين على التنافس.وفي موضع آخر من الكتاب يتحدث الصحفي المهندس عن الشاعر الغنائي اليمني (أبي ماهر) الذي قال (إن فناننا المحبوب محمد عبده لم يكن يجيد غناء الألوان الغنائية اليمنية والصنعانية بالذات إلا بعد أن علمه هذا الفن الفنان اليمني الكبير محمد مرشد ناجي وأضاف بأسلوب العليم ببواطن الأمور بأن المرشدي علم محمد عبده العزف على العود والغناء لمدة ثلاثة أشهر (تصوروا) حتى أجاد الغناء الصنعاني)(13). أولاً لا يعلم ببواطن الأمور إلا الله عز وجل ثم يبدو لي أن الأستاذ أحمد المهندس فهم كلام المتحدث عن الغناء اليمني وعلاقة الفنان المرشدي بالفنان محمد عبده خطأ .. أبو ماهر يريد أن يقول إن الفنان محمد عبده استفاد من خبرة الفنان المرشدي في الحان الغناء الصنعاني ومداخل ومخارج الكلمات الصنعانية لما لها من أهمية في الأداء، أما العزف على العود فاغلب الفنانين يجيدونه .. وإذا رجعنا إلى فارق العمر الفني بين المرشدي ومحمد عبده يصبح محمد عبده تلميذاً للمرشدي في مدرسة الفن ما رأي المهندس؟وخلاصة ما يريد الوصول إليه الكاتب الصحفي (أحمد المهندس) هو إشهار الغناء السعودي خاصة من خلال الدفاع عن الأغنية اليمنية .. ذكاء! والدليل على ذلك غضبه عندما يلمس التفوق الفني اليمني على السعودي وأسبقيته في ابتكار روائع الألحان وقد أشرنا في السطور السابقة إلى أسباب ذلك التفوق.ويحاول ـ أيضاً ـ لتحقيق فكرته هذه إن يبعد كل من أدلى بدلوه في موضوع الأغنية اليمنية ويتهمه بجهل فن بلاده وبقليل من التفكير إن ثقافة الكتاب في الأمور الفنية نسبية ومتفاوتة والصحفي المهندس ـ ذاته ـ لايمتلك كامل المعلومات عن فن بلاده ولكننا لانصفه بجهل فن بلاده كما فعل هو مع الكتاب اليمنيين في الشؤون الفنية، لكن المهندس ليصفو الجو من المنافسة بين الفن اليمني والسعودي، ولعدم وجود مقارنة بين الغناء اليمني والسعودي، ينصب نفسه الخصم والحكم!وقبل إنهاء هذا الموضوع لابد من قول رأي حول التداخل والامتزاج بين الغناء الخليجي واليمني وخاصة جنوب اليمن: إن الفنانين في البحرين وعمان والكويت قد ارتبطوا بالتراث الفني اليمني تاريخياً، فهذه الدول كانت على طريق الهجرة إلى الهند وشرق آسيا حيث كانت موجات الهجرة تتدفق من جنوب اليمن إلى هناك، وكانت هذه الدول الخليجية محط سفر وترحال اليمنيين الذين حملوا معهم كثيراً من التراث الفني فبقي هناك، وان ما يقوم به اليوم الفنان البحريني والعماني والكويتي هو إحياء لهذا التراث الذي شارك في ممارسته والاحتفاظ به، لكن الفنانين السعوديين تدخلوا في الغناء المعاصر وغنوا ألحاناً لازال أصحابها على قيد الحياة مثل عبادي الجوهر الذي اخذ أغنية (كلمة ولو جبر خاطر) في منتصف الثمانينات وهي للفنان اليمني (محمد سعد عبدالله) وادعى ملكيته لها.وبعد هذا الحوار المتواضع مع الكاتب الصحفي (احمد المهندس) المدافع عن فنان العرب محمد عبده وصوت العرب طلال مداح، نرجو أن يترك قليلاً من العرب لكلثوم ووهاب وفريد وحليم وفيروز والديكالي ووديع الصافي ودوخي و...هوامش:1)ديوان الشاعر الأمير صالح مهدي العبدلي ص 19.2)أحمد المهندس ـ على الحسيني سلام ص 16.3)المصدر السابق ـ ص 17.4)المصدر السابق ص 26.5)محمد مرشد ناجي ـ أغانينا الشعبية ص 51.6)أحمد المهندس ـ على الحسيني سلام ـ ص 52.7)ديوان الشاعر أحمد فضل القمندان ـ المصدر المفيد في غناء لحج الجديد ص 134 الطبعة الثالثة ـ مركز عبادي صنعاء.8) أحمد المهندس ـ على الحسيني سلام ـ ص 56.9)المصدر السابق ـ ص 63.10)المصدر السابق ـ ص 62.11) المصدر السابق ـ ص 85.12)المصدر السابق ـ ص 87.13)المصدر السابق ـ ص 99.