العمارة في عدن
مقدمة لما نشردرسنا في الحلقات الثلاث الماضية وضع البناء الحالي في مدينة عدن ثم عرجنا على معنى العمارة وما نريد منها أما الحلقة الثالثة فخصصت لدراسة مكان مدينة عدن وبيئتها وطبيعتها الجغرافيا والتاريخية.بداية في هذه الحلقة سنبدأ تلمس الحلول المعمارية الواجب إتباعها وكيف تتعامل معمارياً مع بيئة عدن للحصول على مبنى يوفر الراحة بأقل التكاليف.عنصرا لمبنى يمكن أن يعرف على أنه حيز من الفضاء لأداء فعاليات معينة يحتاج أداؤها إلى توفير ظروف خاصة.هذا الحيز الفضائي محاط بغلاف واق يختلف هذا الحيز وغلافه شكلاً وحجماً ونوعاً باختلاف الفعالية التي يتطلب منه أداؤها.لذا فإن توفير الأجواء المناسبة لأداء الفعالية داخل الحيز الفضائي للمبنى يحتاج إلى:1- دراسة مستفيضة لماهية الفعالية وما يحتاج أداؤها الوظيفي من أجواء تساعد على أدائها.2- دراسة دقيقة للأجواء المحيطة بالمبنى أو الفعالية والتي يراد من هده الفعالية أداؤها فيها.مثال بسيط على ذلك هو دراسة بناء مسجد يجب أن تفهم بوضوح كل الفعاليات المراد قيامها منه وما هي الأجواء التي يمكن أداء هذه الفعاليات فيها ومن ثم أين يقع هذا المسجد في جنوب اليمن أو شمال كندا وهكذا.وكنتيجة للدراسة آنفة الذكر علينا أن نحدد:1- الواجب الملقى على الغلاف الخارجي (حوائط وسقف وأرضية) أداؤه لتوفير الظروف المناسبة لأداء الفعالية.2- أسلوب تصميم وتركيب الفعاليات داخل الحيز المصمم للمساعدة في الحصول على أفضل الأجواء.3- اللجوء إلى استخدام الأجهزة والمعدات للحصول على الأجواء الملائمة والمثالية لأداء الفعالية.إن التصميم الإيجابي Passive Design يساعد على استغلال أمثل للنقطتين 1و 2 وبأقصى الحدود ليكون الإعتماد على النقطة الثالثة بأدنى حدوده لأن اللجوء إلى النقطة الثالثة معناه كلفة إضافية للطاقة المستخدمة وتلوث البيئة نتيجة لإنتاج هذه الطاقة وكلفة مضافة للصيانة وإضافة كلفة تشغيلية عامة لمبنى أكبر.وعليه سوف نركز في حلقاتنا اللاحقة على كيفية الإعتماد على تصميم الغلاف الخارجي للمبنى أولاً ومن ثم التوزيع الفضائي للفعاليات ثانياً للحصول على مبتغانا في الوصول إلى:- أفضل أجواء مساعدة لأداء الفعالية داخل حيز المبنى.- أقل كلفة تشغيلية.- أقل صيانة ممكنة.- أقل تلوثاً بيئياً.الغلاف المحيط وعلاقته بوظيفة المبنىيتكون الغلاف المحيط بالمبنى مثله مثل أي علبة تحفظ جهازاً معيناً من :1- السقف2- الجدران الأربع3- الأرضيةتحيط هذه المكونات مجمل الفعالية وتصميم أي منها مهم جداً لتهيئة الأجواء المطلوبة للفعاليات داخل المبنى التي يحويها فمن القصور العلمي أن نبني مبنى من دون معرفة الفعاليات التي يحويها والظروف الملائمة لأداء هذه الفعالية فهذا قرار يؤدي إلى ضياع كبير في الأموال وإلى كلفة عالية جداً طوال فترة التشغيل والتي من المفترض أن تدوم بدوام المبنى، فالغلاف الذي يحوي داخله معملاً قطعاً يختلف كلياً عن أخيه الذي يضم في جنباته فندقاً أو سكناً أو قاعة أفراح أو مبنى إدارياً أو مدرسة إذ لكل فعالية من تلكم التي ذكرت مواصفات خاصة بالغلاف المحيط والمساعد على تأدية وظيفتها ولأكون أكثر وضوحاً سأختار مثالين البون شاسع بينهما.المثال الأول: مبنى ثلاجة الأغذية المبردة والتي تحتاج إلى درجة منخفضة جداً من الحرارة، أن مثل هذا المبنى يجب أن ينظر إليه كالكبسولة التي تسرب الحرارة إلى داخلها من كل الجهات وأن الخلل في هذه العملية ينتج عنه ضغط كبير على أجهزة التبريد وبالتالي إستهلاك عال للطاقة الكهربائية من جهة وقصر في عمر الأجهزة المستخدمة من جهة أخرى.ومن ناحية أخرى إن تصميم هذه الكبسولة سيختلف قطعياً فيما لو وضعت في القطب المتجمد الشمالي حيث الثلوج تحيط بالمبنى من كل الجهات والحرارة التي نقاومها تكاد تكون معدومة عن وضعها لو كانت في منطقة صحراوية جافة (كمدينة الرياض مثلاً) حيث الحرارة في فصل الصيف قد تتجاوز الـ 60م0 ، تبين من هذا المثال الأهمية الخاصة بالغلاف المحيط بالفعالية.المثال الثاني : قاعة تدريس موسيقى داخل مبنى المدرسة على الغلاف الخارجي فيها أن يحفظ الأصوات داخل القاعة من التأثير على الفعاليات المجاورة كما يحافظ على الأصوات من خارج القاعة من الدخول والتشويش على داخل القاعة فتصميم القاعة يكاد يكون من أهم أولوياته الاهتمام بتصميم الحوائط والسقوف في هذا المبنى.مما تقدم يظهر جلياً أن تصميم الحوائط وسقف وأرضية المبنى مبني على أسس علمية تعتمد على نوع الوظيفة التي يحاول هذا الحيز الفضائي أداءها بكفاءة وعليه فإن معرفة الوظيفة التي سيقوم بها المبنى بدقة مهم جداً في بناء المبنى مع ترك هامش للمرونة ومن الخطأ أن نبني هياكل وأبنية ولا نعرف إلى ما تهدف وهذا ما نرى (مبنى للإيجار يمكن أن يكون فندقاً أو شققاً سكنية أو مستشفى أو مدرسة أو ...الخ) أن عدم وضوح الغاية من المبنى يحمل في طياته هدر كبير للطاقة والأموال.