أضواء
كثيرا ما يتساءل السياسيون من أنصار تسييس المرأة وتمكينها من الوصول إلى المجالس التمثيلية في البلديات والبرلمان عن سبب عدم وصول المرأة، وعن سبب عزوف المرأة الناخبة نفسها عن اختيار مرشحة امرأة. أرى أنه لو كان لدينا جمعيات أو كيانات نسائية تدرك خطورة الإعلام وكيف يتلاعب بشخصية الإنسان فيجعل منها (كاراكتر) ثابتاً في أذهان المشاهدين أو المستمعين أو القراء، لتحركت هذه الجمعيات لتضع حدا لهذا الإسهال الممل في تنميط المرأة في الدراما الخليجية بلا استثناء تقريبا إلا ما ندر، حتى صار شهر رمضان شهر السخرية من المرأة والاستخفاف بإنسانيتها. لو كانت هذه الجمعيات مهتمة بدراسة الأثر الإعلامي الذي تصنعه هذه الدراما عبر خطابها التنميطي( Stereotyped) للمرأة لطالبت بوضع كتاب الدراما الخليجية ومخرجيها في السجون عقاباً على استخفافهم بالمرأة واحتقارهم لها.لعل الدراميين سيفاجأون بمن يقول هذا عنهم، وسيدافعون بأنهم لم يقصدوا الإساءة للمرأة وأن هذا هو سياق الأعمال والسيناريوهات الفنية الموضوع من دون قصد أو نية الإساءة. والحق أن هذا العذر أقبح من الذنب، ذلك أن التنميط الذي يأتي عفويا وغير مستند إلى قصد مسبق أخطر من ذلك الذي يأتي وفق القصد المسبق والتخطيط، لأن العفوية تكشف عن عمق ترسخ الصورة النمطية لنوع أو جنس أو عرق أو طائفة في أذهان صناع الدراما. ومن ذلك مثلا صورة مرضى الفصام ومدمني الخمر وغيرها التي لا تقل سوءا عن صورة المرأة في الدراما الخليجية التي هي بحق تمثل مصنعا للغباء والاتكاء على الأمثال الراسخة في الذهنية الشعبوية عن المرأة والفئات المهمشة. كان يمكن للمرء أن يعتبر ما يحدث مجرد صدفة عابرة، لكن أن يتفق هذا العدد من المسلسلات من إنتاج البحرين وقطر والكويت والإمارات والـ MBC على هذه الصورة الكاريكاتورية المضحكة والتي تخدع فيها حتى المرأة الفنانة نفسها بحيث تساهم من دون وعي في تشويه بنات جنسها، فلا يمكن إلا أن نجهر بأصواتنا يكفي استغلالا واستغباء للجمهور. أيعقل مثلا أن تقوم المرأة في مسلسل خليجي يعرض حاليا بإجبار زوجها أن يسافر متنقلا من هولندا إلى جنيف إلى باريس كل ذلك في سفرة واحدة وإجازة واحدة فقط حبا في صرف المال بآلاف الدنانير، حتى لو سلمنا بظاهرة إسراف المرأة وبذخها فلا يمكن أن يحدث ذلك إلا في الدراما الكويتية. ومن جهة أخرى في المسلسل نفسه تتنافس شكرية المصرية وضرتها الكويتية على قلب الحبيب الذي يبدو مسكينا مظلوما محاصرا تحت القوة النسائية التي لا ترحم، وقصة المرأة وضرتها والزوج المسكين تكررت مليون مرة حتى سئم الناس هذا الابتذال. وفي مسلسل طاش ما طاش (أحدث طبعة) تبدو المرأة في إحدى حلقاته طاغية تسوم زوجها سوء العذاب، وحتى في الحلقة التي تبدو أنها دفاع عن المرأة تغدو المرأة مجرد متاع يصطف له طابور الأزواج من خلف سور ينشئه حراس الفضيلة منعا للاختلاط وحماية للحشمة. أما في حلقات غشمشم فالمرأة الغبية تنسى جواز زوجها المسكين فيضطر للعودة من طريق السفر. وحتى في الدراما التي تبدو فيها المرأة طيبة غير شريرة أحيانا فإن هذه الطيبة يبالغ فيها حتى تمتزج بالهبل فهي تبدو ضحية لا حول لها ولا قوة لرجل يظلمها ويستغلها ويضحك عليها ويستخدم مقدراتها لصالحه أو هي مجرد أيقونة مشتهاة مثل المرأة في دراما ‘’نيران’’.وفي كل الأحوال فإن المرأة على عكس الرجل في هذه المسلسلات من حيث قوة الشخصية ومحوريتها في الأحداث، ويمكن بجملة واحدة تلخيص الفرق بأن الرجل دائما يمثل (الذات) والمرأة دائما تمثل (الموضوع)، ولهذا فإن الرجل دائما فاعل في هذه الدراما والمرأة منفعلة. الرجل يبدو حتى في لحظات ظلمه وتجبره أو في حالات إنسانيته وخيريته بشراً قادراً على صنع الحياة والتقاطع مع أحداثها سلبا وإيجابا بينما تبدو المرأة سجينة الصورة النمطية لها من أول حلقة، إما شريرة طاغية أو جميلة مشتهاة ومتمنعة أو زوجة نكدية تحيل حياة رجلها جحيما أو ساذجة يستغلها رجل ماكر فيعبث بروحها وجسدها كيف يشاء. الغريب أننا بعد هذا كله نأتي ونتساءل لماذا لا تصل المرأة للمجالس النيابية والبلدية في دول الخليج. ونتساءل كمن لا يعلم شيئا، ما السر في أن المرأة أيضا لا تختار المرأة. وكيف نرجو أن تصل المرأة وصورتها التي يركبها المتلاعبون بالعقول أو Mind Managers على حد تعبير أحد الكتاب الأميركان، هي صورة منمطة تبدو فيها المرأة متسلطة على زوجها، غبية، تطرد الخدم، تغار غيرة غبية بلا حدود، تصرف من دون حساب، عالة على زوجها وأسرتها، حمقاء، مسرفة في كل شيء، مصابة بالاكتئاب، جاهلة لا تفهم في الحياة شيئا، شغلها الشاغل التنكيد على الزوج أو الخوف عليه من اختطافه من غيرها، أو التنافس على الحبيب مع عشيقة أخرى، غادرة وناكثة للعهود، مستسلمة لقدرها عاجزة عن القيام بأي فعل يغير مجرى حياة شخصيتها وحياة أبنائها. حين ينتقد المثقفون العصريون الخليجيون كثيرا الطريقة التي تتعامل بها الجماعات الدينية مع المرأة في أدبياتها وخطابها، فإنهم يغفلون عن أن المشكلة كثيرا ما تكون ليس لدى الجماعات الدينية بل في التنميط الذي تكرسه أعمال يفترض أن منتجيها هم منطقيا أقرب لروح العصر وثقافة المساواة ومراجعة الموروث التقليدي والخروج على أنماطه المغلقة. أما الأمر الغريب الآخر فهو أن يتسلـــح الدراميـــون بذريعـة أن هذه هي الصورة الحقيقية فعلا للمرأة، متجاهلين حقيقة أن المرأة في خليج القرن الواحد والعشرين غيرهــا في خمسينات القرن العشرين، هذا أولا، أما ثانيا فلو سلمنا جــدلا بأن هذه هي حقيقة الصورة للمرأة في المجتمع، أليس من واجب الفنان أن يبتكر أو يؤلف صورة مغايرة للواقع لكي يتحول النص واقعا، فالفن ليس فقط صنيعة الحياة والثقافة، لكنه أيضا صانعها ومعيد إنتاجها وصياغتها.[c1]*عن صحيفة (الوقت) البحرينية[/c]