« 14 أكتوبر » تستقصي أوضاع نشاط طبي يمارسه اليمنيون منذ الأجداد
صنعاء/ تحقيق/ محمد جابر صلاح – تصوير/توفيق العبسيبدأت "عيادات الحجامة" وهي نوع من الطب التقليدي الذي يمارسه اليمنيون منذ القدم بالوراثة والخبرة تنتشر كمراكز في اليمن بشكل سريع وملفت للأنظار ففي كل محافظة تجد عدداً من هذه المراكز تسعى إلى كسب عدد من الزبائن وبعدة وسائل. فهل فعلا عيادات الحجامة في اليمن تمارس العلاج بالحجامة كطب بديل أم أنها تسعى وراء الربح السريع حيث ان اليمنيين معروفون بميولهم العاطفية نحو الأحاديث النبوية الشريفة ."14أكتوبر" تحاول إثارة هذه القضية عبر هذا التحقيق الذي يشمل دراسات البحث العلمي وتقصي الحقائق حول مستقبل هذا الطب في اليمن.الحجامة في اللغة تعني (المص) حيث يقال "حجم الصبي ثدي أمة إذا مصه..وسمي فعل الحاجم لما فيه من المص للدم في موضع الشرط. فيما يقول ابن القفافي في كتابه عن الحجامة "والحجامة عند الجراحين تعني بالمادة الدموية المسؤولية على ظاهر البدن لإخراجها إما بشرط( رطبة ) أو بلا شرط( جافة )".والحجامة من وجهة نظر عملية هي"عملية سحب أو مص الدم من سطح الجلد باستخدام كؤوس الهواء".[c1]تاريخ الحجامة وفوائدها :[/c]منذ أن خلق الله تعالى البشرية على سطح الأرض والإنسان يحاول أن يتخلص من آلام جسده ويعمل دائما على تطوير وابتكار طرقا للعلاج تعينه على قهر المرض, فالحجامة إحدى الوسائل التي وجدها الإنسان لتحقيق هذه الغاية.وقد عرفها قدا مى المصريين والصينيين قبل حوالى أربعة آلاف سنة وكذلك الإغريق والرومان الذين استخدموا العلق, ومن جهتهم العرب عرفوا الطب قبل الميلاد بزمن طويل وكان طبهم مقتصرا على الحجامة والكي ووصف بعض الإعشاب والنباتات, وقد انتشرت بينهم وجاء النبي علية الصلاة السلام ليقر ذلك العلاج ويوصي به أمته. فمن الثابت انه( ص) كان يتداوى بالحجامة لصداع كان يصيبه. وانتقلت حكاية الحجامة إلى أوروبا عبر الأندلس في عهد الخلافة الإسلامية , وفي العصر الحديث كانت الحجامة وعلى مدى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تترك الساحة الطبية تدريجيا للوسائل الطبية الأحدث ولكن بمرور الوقت سببت العقاقير نتائج سلبية ومشاكل صحية وكذلك عجز الطب الغربي عن معالجة العديد من الآلام مما دفع بالعديد من الأطباء إلى إعادة التفكير في جدوى الطرق العلاجية ومن أهم ممارساته الحجامة التي اثبت العلم الحديث أن للحجامة فوائد عديدة منها "لعلاج حالات الصداع المزمن وحالات آلام الروماتيزم المختلفة، وتورم المفاصل والضغط المرتفع وبعض الحالات النفسية وحالات الشلل والآم الظهر والمفاصل و غيرها".[c1]عمل الحجامة :[/c]تقول المراجع الطبية بأن عمل الحجامة يأتي عبر وضع كأس الحجامة أولا فارغاً وتمص مصا معتدلاً ولا يطال وضعها وإنما تنزع سريعا لتقبل الأخلاط إلى الموضع إقبالا سنوياً ويكرر ذلك بتوالي حتى يرى الموضع قد احمر وانتفخ وظهرت حمرة الدم فحينئذ يشرط ويعاود المص رويدا حتى تبلغ الغاية وهي إزالة الدم الغليظ العكر جدا.ويستخدم لهذا العلاج(الحجامة) الأدوات (كالكاسات والمشارط), فأول ما استخدمت الكاسات في الحجامة كانت قرون الحيوانات تصنع ككاسات ثم تطورت هذه الأدوات لتستخدم كؤوس مصنوعة من الحجر أو ألشجر (كؤوس البامبو) ثم الأكواب المصنوعة من الفخار أو الخزف التي كانت سهلة الكسر ومع تطور الحضارة واكتشاف الزجاج صنعت الكؤوس المجوفة ذات العنق الرفيع وهي مازالت تستخدم حتى اليوم.أول ما استخدم في عملية التشريط هي الحجارة الحادة السطح إلى أن اكتشف المعدن فأصبح يستخدم السكين الحاد لهذه العملية واليوم هناك مشاريط خاصة لعمل الحجامة والتشريط بها يكون طوليا مع الجسم من 3-4 شرطات طول كل واحدة منها 2-3 ملم ويجب أن تكون المسافة بين الحظوظ متساوية وتقدر المسافة بحسب الكأس المستخدم .[c1]أنواع الحجامة ومواضعها :[/c]وللحجامة أنواع مختلفة منها :الحجامة الجافة والحجامة الرطبة والحجامة بدودة العلق الطبي حيث أن ما يميز الحجامة الرطبة هو "عملية التشريط حيث يعد التشريط أساسي لعملها ويتم وضع المحجمة على مكان التشريط وتفريغها من الهواء عن طريق المص فيندفع الدم والأخلاط الرديئة إلى خارج الجسم وهي غير فصد الدم".أما الحجامة الجافة فتختلف عن الحجامة الرطبة بعدم تشريط الجلد وتفيد في قفل الأخلاط الرديئة من مواضع الألم إلي سطح الجلد وبذلك يختفي جزء كبير من الألم إلى سطح الجلد.وبالنسبة للحجامة بدودة العلق (Blood-Sucking Leech) فيقول بن منظور في لسان العرب العلق “دويدة حمراء تكون في الماء تعلق بالبدن وتمص الدم ويستخدم في الحجامة عن طريقة تشريط موضع المحاجم من الإنسان ويرسل عليه العلق السمية فيمص دمه” ولا تزال هذه الطريقة تستخدم في معظم دول العالم حتى يومنا هذا.في المعلوم عند الحجامين أن هناك مواضع خاصة للحجامة حيث حدد أبو القاسم خلف الزهراوي المتوفى سنة 404ه في كتابة “ التصريف لمن عجز عن التأليف “ مواضع الحجامة والمحاجم التي تستعمل بالشرط وإخراج الدم له أربعة عشر موضعا من الجسم احدها محجم الفقرة وهو مؤخر الرأس والكاهل ومحجم الآخدعين وهما صفحتا العنق من الجانين جميعا ومحجم الزمن وهو تحت الفك الأسفل من الفم ومحجم الكتفين ومحجم العصعص على عجب الذنب ومحجم الزندين وهما وسط الذراعين ومحجم الساقين ومحجم العرقوبين وأوضح أن لكل موضع مرض معين فيه الا أن أكثر المناطق تطبيقا للحجامة هي منطقة الكاهل وهي أعلى مقدم الظهر تحت لوحي الكتفين وعلى جانبي العمود الفقري كونها أركد منطقة في الجسم وخالية من المفاصل المتحركة والشبكة الشعرية الدموية اشد ما تكون تشعبا وغزارة فيها مما يجعل سرعة تيار الدم تقل وبالتالي تحط رسوبياته رحالها فيها.[c1]واقع مأساوي :[/c]ولمعرفة الواقع الصحي والطبي للعيادات المتخصصة في عملية الحجامة المنتشرة في اليمن فضلا عن مدى كفاءة القائمين عليها وسلامة الوسائل المستخدمة في عملية الحجامة كان لا بد من النزول إلى العيادات والالتقاء بأصحابها. فكان أول المراكز التي استكشفتها صحيفة “14 أكتوبر” مركز (سقطرى للطب البديل) الواقع بجوار مبنى اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام، وهناك التقيت علي ناصر الزبيدي وهو من أبناء الحديدة يبلغ من العمر نحو(24) عاما والأخ طلال العطري (30) عاما اللذين يعملان في مركز (سقطرى) حيث قالا بأنهما “يمارسان الحجامة بالخبرات التي اكتسبوها أثناء عملهما عند دكاترة يمارسون عملية الحجامة” وهما الآن مستعدان لعمل الحجامة في أي موضع من جسم الإنسان موضحين بأنهما يستخدمان لكل مريض أدوات خاصة به يأخذها بعد الحجامة بعد أن يتم تعقيمها إلى البيت ويعود بها في حالة ما أراد الحجامة مرة أخرى. أما فيما يسمى بالمركز الأول للحجامة كان لقائنا مع الأخ عباس محمد الشيخ (30) عاما من لودر الذي افتتح محلة قبل أربعة أشهر هو أيضا رجل يمارس الحجامة بالخبرة التي تعلمها علي يد الدكتور خالد عبد الله الساعي منذ 5 سنوات موضحا بأن “أمراض الضغط والسكر والحساسية ومشاكل الروماتيزم وآلام المفاصل هي أكثر الحالات ترددا على عيادته وان كل مريض يأتي وهو عارف بحالته المرضية ويستخدم كاسات جديدة على أساس أن يأخذ من المريض (2000) ريال فقط مهما كانت عدد المواضع التي يريدها وأكد انه لا يملك تصريحاً لمزاولة العمل لأنه على حد قوله “صعب إخراجه بحكم أن الشهادة مطلب أساسي فيه مشيرا إلى أن هناك الكثير في الأطباء يعملون في الحجامة وهم لا يملكون أي شهادة أو تصريح و إنما بالخبرة.ويرى عباس أن بعض مراكز الطب بالحجامة توجهت بشكل كبير إلى الربح السريع وقد صادف وجودنا في المركز الأول للحجامة من يتلقى الطب بالحجامة وهو الأخ مجاهد محمد فانتظرناه حتى أكمل فترة الحجامة ليحدثنا عن سر عمله للحجامة قائلا “جئت (لا حتجم) لان عندي ضغط قوي وخاصه في الرقبة والرأس وغشاوة في العيون ودوخة في بعض الأحيان موضحا بإنه قد عمل الحجامة لعدة مرات مخففاً الألم.إما الدكتور محمد يحي القيسي وهو دكتور أسنان فله موقف معاد لعيادات الحجامة في اليمن ليس في الحجامة بذاتها ولكن في طريقة عمل الحجامة وانتقد بعض عيادات الحجامة قائلا “لا تملك جهاز التعقيم لأنه غالي التكلفة فلهذا تستخدم وسائل التعقيم البدائية مثل التسخين والاسبرت وأحيانا كثيرة ماء السخانات وهذه الوسائل قد اثبت العلم الحديث أنها لا تقضي على الإمراض المعدية تماما الموجودة على أدوات الحجامة”.ومضى قائلا”وهناك من يمارس الحجامة وهو لا يعرف عنها شيئاً فهو يستخدم طرقاً قد تضر المريض أكثر مما تنفعه” وأشار أن مقولة الحجامة تخرج الدم الفاسد مقولة خاطئة لأنه لو وجد دم فاسد في جسم الإنسان لحدثت جلطة له, ويرى بان عيادات الحجامة في اليمن تسير نحو الربح السريع ليس إلا.[c1]السن المناسبة للحجامة و أوقاتها :[/c]ومما وجدنا أن كثيراً من العاملين في العيادات التي زرناها يجهلون أفضل الأوقات المناسبة للحجامة بل أن هناك اختلافاً في مواعيدهم, حيث تشير المراجع الطبية إلى أن هناك أربعة أوقات يفضل الحجامة فيها موعد سنوي، وموعد فصلي،وموعد شهري وموعد يومي. فالموعد السنوي قال (ص) “ نعم العادة الحجامة “ إذا فهي من السنة إلى السنة عادة لكل من الصحيح والمريض , وبالنسبة للموعد الفصلي فقد قال (ص) “استعينوا على شدة الحر بالحجامة “ لان الحر يكون في فصل الصيف فالحجامة إذا تجرى في فصل الربيع أي شهري ( مايو ،يونيو) من كل عام وذلك لان من وظيفة الدم هي تنظيم حرارة الجسم في أوقات شدة الحر.أما الموعد الشهري فقد قال (ص) ( الحجامة تكره في أول الهلال ولا يرجى نفعها حتى يتقص الهلال ) إذا فأفضل أوقات الحجامة في الشهر عند ما يتجاوز الشهر نصفه وقد حدده كثير من الأطباء بأنه يبدأ من 17 من الشهر الهجري وينتهي عند بلوغه 27 يوماً بينما ذهب آخرون أن أفضل الأوقات في الشهر ثلاثة أيام فقط هي (17، 19، 21)وعلى كلاً فحديث الرسول (ص) السالف الذكر قد وقف أمام معجزة نبوية فسرها العلم الحديث من حيث العلاقة بين جسم الإنسان والقمر وكما هو معروف للجميع أن للقمر تأثيره الفعلي على الأرض على الرغم من أن قطرة يبلغ (3478كم) فقط كما تبلغ كتلته جزءا من (80) جزء من كتلة الأرض فإنه يبلغ من القرب وسطيا (385000كم) وهذا ما يجعل قوة جذبه ذات اثر عظيم فالمحيطات ترتفع لتكون المد وحتى القشرة اليابسة لا تخلو من التأثيرات.ففي الأيام الأولى وحتى الخامس عشر من الشهر القمري يهيج الدم ويبلغ حدة الآعظمي وبالتالي يحرك كل الترسبات والشوائب الدموية المترسبة على جدران الأوعية الدموية العميقة منها والسطحية ويصبح بإمكان الدم سحبها معه لأهدأ مناطق الجسم حيث تحط ترحالها في (الكاهل ) وذلك بعدما يبدأ تأثيرا القمر بالانحسار من (17- 27)أما من (17-27) فيبقى للقمر تأثير مد ولكنة أضعف بكثير مما كان عليه ولما كانت الحجامة تجرى صباحا بعد النوم والدورة الدموية هادئة ويكون القمر إثناءها ما يزال مشرقا حتى لدى ظهور الشمس صباحاً فحينها يكون له تأثير جاذب للدم من الداخل إلى الخارج فتكون الحجامة ناجحة من حيث تخليص الجسم من كل شوائب دمه ، وهذا الأمر ما كان ليحدث في النصف الأول من الشهر لأن الدم لا يكون قد أدى فعلة في حمل الرواسب والشوائب الدموية من الداخل للخارج للتجمع في الكاهل.وبالنسبة للموعد اليوم فتجري الحجامة في الصباح الباكر بعد شروق الشمس وقد ذكر الطبيب ابن سيناء الوقت قائلاً “ أوقاتها في النهار الساعة الثانية أو الثالثة بالتوقيت ألغروبي أي ما يعادل بتوقيت الساعة (8) إلى (9) صباحاَ بشكل عام .. وكذلك تؤكد المراجع الطبية أن السن المناسبة للحجامة تختلف من الرجل إلى المرأة فالرجل يحتجم عندما يبلغ سن الواحد والعشرين لأن مرحلة الطفولة والبلوغ تتطلب كميات كبيرة من الحديد كون الجسم في طور النمو وهذه الكميات لا يؤمنها الغذاء كاملة لهذا الجسم النامي إنما يجري سد النقص عن طريق هضم الكريات الهرمة والتالفة في الكبد والطحال أما بعد العشرين عاما ًفيتوقف الاستهلاك الكبير للكريات الحمراء التالفة لتوقف عملية النمو ويصبح الفائض منها كبير يجب التخلص منه .وبالنسبة للمرأة فيقول الأطباء أن للمرأة مصرفاً طبيعياً تستطيع من خلاله أن تتخلص من الدم العاطل حتى تبلغ سن اليأس وعندها يتوقف المحيض فتصبح خاضعة لنفس ظروف الرجل الذي يصل إلى سن الواحد و العشرين ويجب عليها أن تجري الحجامة مثلها مثل الرجل .[c1]احتياطات وتنبيهات :[/c]درهم وقاية خير من قنطار علاج وهذا ما يجب أن يحصل في الحجامة فبإمكان المحجوم أن يتناول من الطعام النوع السهل الهضم والتمثيل كالخضار والفواكه والسكاكر ويحظر على المحجوم تناول الحليب ومشتقاتة كالجبن واللبن والقشدة والأكلات المطبوخة طيلة يوم الحجامة أي طوال نهاره وليله فقط، كما يحظر شرب السوائل شديدة البرودة وتناول الطعام المالح ، وكما يمتنع عن الجماع 12 ساعة قبل الحجامة و24 ساعة بعدها .[c1]غير معقول :[/c]ولازما لذلك فقد توجهنا إلى إدارة المنشآت الخاصة بوزارة الصحة والسكان لنضع الأمر بين أيديهم فوجدنا ما يؤسف ويندى له الجبين إذ أن هذه الإدارة لا تمارس أي رقابة ولم تصدر أي ترخيص لأي شخص يمارس هذا النوع من الطب. رغم كثرة ما نشاهده من عيادات للحجامة.يؤكد الدكتور عصام السماوي مدير إدارة المنشات الطبية الخاصة بالوزارة بأنه لا توجد رؤية واضحة للوزارة تجاه هذا النوع من الطب البديل، ولا يوجد قانون ينظم العمل فيها.[c1]تساؤل للمحرر :[/c]ويضع ما قدمناه في هذه الصفحة أمرا غير مفهوم يجعلنا نتساءل على أي أساس يتم افتتاح هذه العيادات لممارسة عملها كطب بديل في البلاد طالما والجهة المختصة لم تقم بإصدار تراخيص لمزاولة هذه المهنة ولا تقوم بأي دور رقابي وفني عليها ..أم أن الأمور كعادتها تسير على كف القدر.