أعمال الشاعر والمناضل الراحل إدريس حنبلة
د. زينب حزاميعتبر إدريس حنبلة من الشعراء الذين لم يقتصر عملهم على كتابة الشعر والمقالات الأدبية، وإنما تجاوز هذا إلى العمل الوطني والنضال من أجل تحرير عدن من الاحتلال البريطاني والاستقلال 1967م، وهو أيضاً من مؤسسي النقابات العمالية واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، واشترك مع زملائه في تحرير مجلة “ الحكمة “ التي أثارت جدلاً واسعاً حول قضايا الثقافة والأدب اليمني.. ولعل هذا الذي صبغ الشعر المعاصر بالطابع الثقافي، وجعل الشعر المعاصر يهدف إلى الوطنية والتحرر من الظلم والاستبداد وأعطاه البعد الإنساني والاجتماعي، لأن الإنسان اليمني لا يعيش بمعزل عن الأحداث الدولية سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية. والأديب والمناضل الشاعر إدريس حنبلة من مواليد مدينة عدن، عمل في سلك التدريس في مدارس عدن، وله العديد من الأعمال الشعرية صدرت من دور نشر عربية ويمنية، وقدم إدريس حنبلة العديد من التساؤلات حول علاقة الإنسان اليمني بالثقافة المحلية والدولية.تحمل الأعمال الشعرية للشاعر الراحل إدريس حنبلة حالة التحرر الوطني في اليمن ومحاربة استبداد الإمامة في شمال الوطن وبناء الوحدة اليمنية وتوطيدها بعد قيامها في 1990م. إضافة إلى دراسات عن الشعر اليمني القديم والحديث، كما كشف في دراساته الأدبية دور الإعلام من الإذاعة والتلفزيون والصحافة في تطوير مستقبل الثقافة اليمنية.كتب الشاعر المناضل والراحل إدريس حنبلة العديد من القصائد الوطنية الذي وصف فيها دور الاستعمار البريطاني في نشر التخلف والجهل والأمية في صفوف المواطنين اليمنيين وعرقلة سير التعليم في عدن واليمن بشكل عام وعزلها عن الثقافة العربية والدولية، مما أدى إلى اغتراب الإنسان اليمني، نتيجة لتفتيت الواقع الإنساني، ما دعا إلى ضرورة تطوير المستوى التعليمي بعد الاستقلال من بناء المدارس والجامعات والمعاهد وبناء المكتبات العامة والمكتبات التخصصية وبناء دور الطباعة والنشر وإصدار الصحف والمجلات السياسية والإخبارية والثقافية والعلمية.. ودعا الشاعر والمناضل إدريس حنبلة إلى ضرورة تواصل الحوار بين العلماء من مختلف التخصصات مع الكتاب والأدباء والفنانين مع أدوات العصر المتاحة مثل السينما والتلفزيون دون أن يمس هذا جوهر اختصاصه أو عمقه وإنما يستفيد من الثقافة المعاصرة في إثارة الأسئلة التي يثيرها عصرنا الحديث والتقدم التكنولوجي للمعلومات، لإبراز أسماء أدبية جديدة في سماء الثقافة اليمنية خاصة في مجال التربية والتعليم والعلوم التطبيقية، وتعد الدراسات الأدبية التي قدمها الشاعر المناضل الراحل إدريس حنبلة والتي نشرها في الصحف والمجلات المحلية خطوة ضرورية لمد جسور الثقافة بين بلادنا والدول العربية حتى يعرف القارئ اليمني الأعمال الإبداعية للكاتب العربي والإسهام في إقامة الوحدة الفكرية والشعورية بين الأقطار العربية وبلادنا، ويتم التفاعل الحضاري والثقافي على امتداد الساحة العربية.[c1]علامة بارزة في الأعمال الشعريةلا أريد أن أكتب عن الشاعر المناضل الراحل إدريس حنبلة في قصائده، مع أن الإشارة والدراسة لها ضرورية وجديرة بالاهتمام لأنها تاريخ حركة التحرر والنضال في عدن أثناء الاحتلال البريطاني لها وتاريخ ثورتي 26سبتمبر و14أكتوبر والاستقلال الوطني لعدن في الثلاثين من نوفمبر 1967م.إن واجبي هنا هو إلقاء الضوء على الأعمال الإبداعية للشاعر الراحل إدريس حنبلة الذي أسهم إسهاماً فعالاً في تطوير الثقافة والأدب اليمني وفتح ثقافة رحبة على الثقافة العالمية ونشر الوعي بالفكر الحر، وتؤصل انتماء اليمني إلى أمته وتاريخه وتجربته الحضارية الخاصة.لقد جعل الشاعر المناضل الراحل سكنه ومكتبته الخاصة ملتقى للكتاب والأدباء اليمنيين ودار للتوثيق حتى يومنا هذا، ورحل عنا، بعد أن سخر نفسه لإنجاح أهم مشروع ثقافي احتضنته عدن، وهو توثيق الحركة الأدبية اليمنية، وغرس بذوراًَ بشرت بالخير، حيث شجع التوثيق والفهرسة ودعا إلى إنشاء مراكز للتوثيق في اليمن، وكان إدريس حنبلة علامة بارزة في تجربة الشعر والأدب اليمني، وقد استطاع إخراج التجربة الشعرية والأدبية من الروتين التقليدي إلى الإبداع الهادف وحمل رسالة قومية إنسانية.يقول الشاعر إدريس حنبلة في إحدى قصائده :[c1]صلاتك بالكون لا تنتهيوأنت به عالم مهموتسير في الناس أغوارهمونحن بغوراء لا نعلموتعشق في الخلق أرواحهم وعشقك يصبو له مأتمفما الحب في شرعكم يا ترى ظلال له لونه المعتم؟[/c]ولإدريس حنبلة نظريته بتعريف “ الشاعر “ فهول يقول :[c1]هــو الشاعـــر الفــــذ روح الحياةولولاه ما استجلــت الكائـــنــــاتولا كان فيهـا الحيــا والــنــــــواةولا اكتسـت الأرض بالنــــبــرات وميضاً هو الشاعر [/c]والمتابع لحياة الشاعر إدريس حنبلة يكتشف أن تحولاً مماثلاً حدث في حياته حين انتقل من سلك التدريس وتفرغ للعمل الأدبي كشاعر وأديب، وانعزل عن أهله، يبقى عازباً في مسكنه الكائن في منطقة الشيخ عثمان في عدن، ليبقى مع مؤلفاته الشعرية ومكتبته الخاصة التي تحتوي على عشرات الكتب القيمة والمراجع الأدبية السياسية والتاريخية، لقد زرته في مسكنه المتواضع سنة 1992م وأطلعني على سجل زواره وتوقيعاتهم التي يحتفظ بها، كزوار للمكتبة الخاصة، وكانت هذه توقيعات للعديد من الكتاب العرب والأجانب إضافة إلى الكتاب والأدباء اليمنيين.لقد واجه الشاعر والمناضل الراحل إدريس حنبلة العديد من الصعوبات بسبب كلماته الصادقة والتي كانت بمثابة رصاصة في وجه الفساد، وهي ميزة لا يتمتع بها إلا المثقفون الصادقون في كتاباتهم الشعرية والأدبية.لقد كانت معركة الشاعر الراحل إدريس حنبلة، معركة جديدة تشغل العديد من المفكرين اليمنيين وهي معركة التجديد الشعري والبحث عن الصيغة والقالب، الذي كان أقربها إلى ما نسميه اليوم “ الشعر الجديد “، ولكنها لم تكن طلقة البداية التي تعلن عن الميلاد بصورة حاسمة مؤكدة. صحيح أنها امتلأت بالجرأة والإنسانية والتدفق في غزارة وسهولة، دون عوائق لغوية أو سدود تحدثها القافية، ولكنها امتلأت بالكلمات الصادقة النابعة من إحساس الشاعر نفسه إضافة إلى الكلمات ذات المعاني الجمالية التي تبشر بميلاد حركة الشعر الجديد في عدن.لقد كتب الشاعر المناضل الراحل إدريس حنبلة العديد من القصائد عن الوحدة اليمنية المباركة والتي تم قيامها في 22 مايو 1990م، وصاغ الشاعر لها الأغاني الحماسية الرائعة وتحدث في قصائده عن البطولات والتضحيات التي خاضها الشعب اليمني، الذي استطاع توحيد العلاقات الأخوية بين الشطر الشمالي والجنوبي ليصبح اليمن واحداً وحراً، وقد رسم الشاعر هذه الوحدة الرائعة بكلماته الصادقة من خلال شخصيته التي تتميز بالعلامات والسمات، إنها شخصية تنضح بالحياة وتتوهج بالوطنية والبطولة والمحبة والسلام. ورغم رحيل شاعرنا المناضل إدريس حنبلة، فإننا وعبر هذا الموضوع المتواضع، نقدم كلمة وفاء لهذا الشاعر الكبير الراحل، لكي تتعرف الأجيال الحاضرة والمقبلة على هذا الشاعر والأديب والمفكر الذي قدم لنا أعمالاً ممتازة في مختلف فروع الثقافة.رحم الله شاعرنا الأستاذ إدريس حنبلة وطيب ثراه جزى الله خيراً كل من شارك في الحفاظ على أعماله الشعرية.