أقواس
كل شعر تقوده فلسفة ويقوده فكر، وليس الشعر تعبيراً سليقياً، أو تلقائياً، والشاعر مطالب باخفاء جوانبه المعرفية وإيديولوجيته الشعرية بحيث تبدو القصيدة استجابة سليقية، يظهر فيها الذكاء الشعري.والشاعر مطلوب منه الكلام الحسن والمنمق وأن لا يكرر نفسه وأن يسير خطه الشعري في طريق متصاعد: كشاعر الأمة والإنسانية، الشاعر العربي الكبير محمود درويش، بملاحق الشخصية الخاصة ونظرته الشعرية المختلفة وخصوصيته المتفردة في الشعر العربي.فمن ديوان “كزهر اللوز” إلى ديوان “أثر الفراشة” صعود شعري متميز ووعي ثقافي عالي المستوى، وتنامي التشطي الشعري البعيد كل البعد عن القطيعة، فديوان “أثر الفراشة” صنف على أنه كتاب يوميات، ومعظم نصوصه مقطوعات صغيرة من النثر، تراقب بتأمل عالم الذات وعالم الواقع.فقصة الفتاه الفلسطينية التي قتل أفراد أسرتها على مرأى منها في قطاع غزة، يعبر عنه درويش في قصيدة: البنت / الصرخة:“وفي البحر بارجة تتسلى / بصيد المشاة على شاطئ البحر / أربعة، خمسة، سبعة يسقطون على الرمل والبنت تنجو قليلاً / لان يداً من ضباب / يداً ما أسعفتها: فنادت: أمي / يا أبي : قم لنرجع، فالبحر ليس مثالنا / لم يجبها أبوها المسجي على ظله / في مهب الغياب / دم في التخيل، دم في السحاب.ومحمود درويش لا يفتأ يشعر بالمرارة تجاه كثير من شعراء قصيدة النثر، ولكن ليس من القصيدة النثرية ذاتها. ويرى محمود درويش أن قصيدة النثر هي أحد تجليات القصيدة العربية، وليست هي القصيدة الوحيدة، وقال درويش أيضاً:”أحب من الشعراء، عفوية النثر” لقد أضحى الشاعر العربي الكبير محمود درويش أحد أقطاب الشعر العربي الحديث والمعاصر، وهو الشاعر الحائر بين النثر والشعر، فالنثر في نظره جار الشعر ونزهة الشاعر .. وهو أيضاً شاعر إشكالي في مواقفه السياسة ونصوصه الإبداعية، ومفهومه لشعر المقاومة باعتبار إنه شعر إنساني عميق، حامت حوله الاختلافات، وعززت من حيوية الشعر الدرويشي.يقول شاكر النابلسي في كتابه “مجنون التراب”:”ضرورة قراءة نص درويش الشعري قراءة جماعية يشارك فيها أكبر عدد ممكن من القراء حتى يضيئوا النص ويجلوا غوامضة ودلالاته الفنية..” ويقول الناقد حسام الخطيب :” والحقيقة أن النص الدرويشي، النسبة مقصودة، يحتاج إلى جهد نقدي جماعي من أجل التوصل إلى استفادة قصوى من إمكانات تفجير النص”..فهكذا إذن طبيعة أشعار الشاعر العربي الكبير محمود درويش الأخيرة، تحتمل قراءات عديدة وتأويلات مختلفة وأحكام متباينة في ظل شعر ينمو ويتطور ويتداخل فيه عالم الذات وعالم الواقع وتقوده فلسفة إنسانية تتعرض للتبدلات وإعادة النظر..