الذهب الأسود
عواصم / وكالات قالت أوبك في تقريرها الذي صدر هذا الاسبوع عن حالة السوق النفطية ان أسعار النفط زادت الى أكثر من ثلاثة أمثالها منذ بداية عام 2002م لكن حتى الآن فان أثرها على اجمالي الناتج المحلي لم يزد عن واحد بالمئة.وعلى الرغم من القيمة الاسمية القياسية للنفط فان وزراء المالية والاقتصاد يتوقعون المزيد من الارتفاع.من جانبه رفع صندوق النقد الدولي في تقريره عن اتجاهات الاقتصاد العالمي الصادرهذا الاسبوع ايضاً من سقف توقعاته للنمو العالمي في عام 2006م الى 4.9 بالمئة بدلا من 4.3 بالمئة ، لكنه حذر من أن التأثير الكامل لارتفاع أسعار الطاقة ربما لم يظهر بعد ، مشيرا الى انه حتى اذا كانت القوى الاقتصادية الاكبر حجما مازالت مزدهرة فان الدول الفقيرة تجاهد لملاحقة ارتفاع تكلفة الوقود.الى ذلك يرى العديد من المحللين أن مستوى 70 دولارا لبرميل النفط الذي تجاوزته الاسعار هذا الاسبوع يشكل خطرا. لكن البعض يقول ان استقرار الاسعار على مستويات أعلى بكثير من 60 دولارا للبرميل لم يحدث ضررا كبيرا بل كان له بعض الفوائد.في هذا السياق اتفقت آراء وزراء من 65 دولة ومسؤولين من شركات نفطية كبرى مثل اكسون موبيل ورويال داتش شل وبي.بي وشيفرون يجتمعون في الدوحة في مطلع الاسبوع على أن الاسعار القياسية الراهنة عالية لكنهم انقسموا بشأن تحديد المستوى العادل للاسعار.ويعتمد ذلك ضمن أشياء أخرى على تصاعد تكاليف استخراج النفط وعلى قيمة الدولار الذي يسعر به النفط وقبل كل شيء على مستوى الاسعار الذي يتحمله العالم قبل أن يدخل في حالة كساد وينهار عنده الطلب على الوقود.على صعيد متصل وصف نور الدين اية لواسين وزير الطاقة الجزائري السابق ورئيس شركة نالكوزا لاستشارات الطاقة مستوى 70 دولارا للبرميل بانه لم يحدث كسادا بل اسهم في الحد من نمو الطلب على النفط وله تأثير ايجابي على البيئة."وقال في مؤتمر صحفي "على جانب العرض فانه يشجع على نمو الطاقة الانتاجية العالمية سواء في الامدادات التقليدية او غير التقليدية. ونتيجة لذلك فانه يمثل حماية من أزمات الطاقة في المستقبل."وصنفت بوركينا فاسو ثالث أفقر دولة في العالم في عام 2005م في مؤشر التنمية البشرية الذي تصدره الامم المتحدة وهي تعتمد بالكامل على واردات وقود وسائل المواصلات.وقال بينوا سامبو الامين العام لشركة النفط والغاز الوطنية في بوركينا فاسو وهي شركة حكومية تستورد الوقود وتخزنه "صراحة عندما ترتفع الاسعار فاننا نتضرر. هذا هو الحال. ليس هناك أي ميزة."واندونيسيا العضو الوحيد في أوبك الذي تزيد وارداته من النفط عن صادراته منه دفعت الثمن كذلك.وضاعفت اندونيسيا اسعار مبيعات التجزئة من منتجات النفط في نهاية العام الماضي 2005م في محاولة لخفض تكاليف دعم الوقود.ودفعت هذه الزيادة معدل التضخم الى اعلى مستوياته في أكثر من ست سنوات وأبطأت نمو الاقتصاد وخفضت الاستهلاك اذ اختار فقراء اندونيسيا الحد من تحركاتهم بدلا من زيادة انفاقهم.وحتى أعضاء اوبك الآخرين بدأوا يشعرون بالقلق من أن يكون لارتفاع أسعار النفط تداعيات تتمثل في زيادة كلفة مشروعات زيادة الانتاج.وقال وزير الطاقة القطري عبد الله العطية "الكلفة مشكلة... الكلفة تقتل المشروع في بعض الاحيان."وبالنسبة لمنتجي النفط تعوض الايرادات المرتفعة زيادة الكلفة.ومن المتوقع أن تحقق السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم ايرادات قياسية تبلغ نحو 160 مليار دولار هذا العام سيمول بعضها خطة بكلفه 50 مليار دولار لزيادة الطاقة الانتاجية.وأبدى صندوق النقد قلقه بشأن الاختلالات العالمية اذ يحقق منتجو النفط فوائض ضخمة في ميزان المعاملات الجارية في حين يتزايد العجز في الولايات المتحدة.وأي أثر سلبي سيكون أقل مما أحدثته المقاطعة العربية في عام 1973م والثورة الايرانية في عام 1979م عندما ارتفعت أسعار النفط بالقيم الحقيقية عن المستويات الاسمية القياسية الراهنة.وقال ريتشارد باتي المحلل في بنك ستاندرد لايف "باحتساب اثر التضخم في مؤشر اسعار المستهلكين الامريكيين يجب ان يتجاوز سعر النفط 110 دولارات للبرميل ليعادل قيمته في أوائل الثمانينات."وأضاف "لذلك على سبيل المثال فان سعر 55 دولارا للبرميل اليوم يعادل بالقيمة الحقيقية سعرا يقل عن 20 دولارا للبرميل في أوائل الثمانينات."ومن الاختلافات الاخرى أن الهزات السعرية السابقة شجعت على تحسين كفاءة استهلاك الطاقة.كما كان الاثر التضخمي محدودا فيما يرجع جزئيا الى أن النفط تحول الى نوع من الضريبة المفروضة على الجميع.وفي مناخ العولمة والتنافس تستوعب الشركات الصناعية ارتفاع تكلفة المواد الخام عن طريق خفض تكلفة العمل بدلا من زيادة أسعار منتجاتها خوفا من فقد حصة في السوق لسلع أرخص تنتج في الصين والهند وشرق أوروبا.وقال باتي "اذا ارتفع سعر النفط فان الشركات ستخفض تكلفة العمل... سلوك الشركات وسلوك الافراد اختلف بدرجة كبيرة فيما يبدو."وقالت وكالة الطاقة الدولية يوم الجمعة انه ما من شك يذكر ان الطلب على النفط سيواصل نموه حتى عام 2030 وأكدت من جديد ان الامر يحتاج استثمارات كبيرة في قطاع الطاقة بالشرق الاوسط وشمال افريقيا لتلبية الطلب.وكان شكيب خليل وزير الطاقة الجزائري دعا الدول المستهلكة يوم الجمعة قبل بدء محادثات بين منتجي النفط ومستهلكيه في قطر الى ضمان الطلب اذا كانت تريد من منظمة أوبك زيادة انتاجها وطالبها بضرورة العمل على خفض التوترات السياسية من أجل خفض أسعار النفط.وقال فاتح بيرول كبير الاقتصاديين في وكالة الطاقة لرويترز في مقابلة "هناك حاجة لاستثمارات ضخمة في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا ونحن نتوقع أن يأتي الكثير من (الطلب على) النفط والغاز عن طريق الاسواق. عدم اليقين بشأن مستوى الطلب على النفط هامشي للغاية." وقال وزير النفط الهندي لرويترز يوم الجمعة ان على كبار منتجي النفط في العالم أن يزيدوا انتاجهم للحد من ارتفاع أسعار الخام التي بلغت مستويات قياسية وأصبحت تنذر بالاضرار بالدول النامية المستهلكة للطاقة.وقال الوزير مورلي ديورا ان طفرة الطلب على النفط في الهند والصين كانت محركا أساسيا وراء موجة صعود أسعار الخام المستمرة منذ أربع سنوات مضيفا أن المسؤولية تقع الان على عاتق المنتجين لخفض الاسعار.وقال قبل بدء مباحثات بين المنتجين والمستهلكين في الدوحة "عليهم ان يدركوا أن من الضروري الا تتسبب هذه الاسعار المرتفعة في الحاق الاذى بالدول النامية."وتابع "الامر برمته يقع على عاتق البلدان المنتجة. يتعين عليهم زيادة الانتاج وأن يكون هناك بعض الضغط على الاسعار."ومن المتوقع أن ينمو الطلب الهندي على النفط بشكل أكبر.وقال ديورا "اذا كان لناتجنا المحلي الاجمالي أن ينمو وللتنمية أن تحدث فلابد أن يزيد الطلب...لست ضد نمو الطلب. الطلب يجب أن يرتفع. الاسعار لا يجب أن تكون بهذا الارتفاع."وقال ان من الاولويات القصوى للهند على هامش مباحثات منتدى الطاقة العالمية العمل على زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر.كما تتطلع الهند وهي سادس أكبر مستهلك للنفط في العالم الى تعزيز الانتاج المحلي وتسعى حثيثة لاجتذاب استثمارات أجنبية.ورغم أن أيا من الشركات الامريكية لم تشترك من قبل في جولات هندية سابقة لمنح رخص التنقيب عن النفط فان ديورا قال انه يتوقع أن تشارك شركات نفط أمريكية عملاقة مثل شيفرون واكسون موبيل في الجولة المقبلة في وقت لاحق من العام الجاري.من جهته قال شكيب خليل وزير النفط الجزائري يوم الجمعة انه يتعين على الدول المستهلكة أن تقدم ضمانات بشأن الطلب اذا كانت تريد من أوبك ضخ المزيد من النفط وأن تعمل على تقليل التوترات السياسية لخفض أسعار الخام.وقال خليل لرويترز في مقابلة ان منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عملت لسنوات على ضمان توافر الامدادات للاسواق العالمية لكن الوقت حان لكي تقوم الدول المستهلكة بدورها.ويعقد وزراء ومسؤولو شركات نفطية من الدول المستهلكة والمنتجة اجتماعا في الدوحة نهاية الاسبوع لكن من المستبعد أن يتوصلوا الى اتفاق حول سبل خفض أسعار النفط.وقال وزير النفط الجزائري "كل طرف يطالب الاخر بعمل شيء ليس بمقدوره ما لم يخطو الاخر الخطوة الاولى. انها حلقة مفرغة."ومضى قائلا "جانب يقول... اضمن العرض والاخر يقول... اضمن الطلب."وارتفع النفط بشدة عن 70 دولارا للبرميل هذا الاسبوع مدعوما بنزاع الغرب مع ايران بشأن طموحاتها النووية فضلا عن نقص الامدادات من نيجيريا عضو منظمة أوبك.وقال خليل "أوبك تستطيع أن تتعامل مع مسائل يمكنها السيطرة عليها لكن... لا يمكننا عمل أي شيء حيال القضايا السياسية في العالم. تلك مشكلة رئيسية."وتابع "يجب على الدول المستهلكة ان تسوي مسائل كثيرة على الاقل المسائل التي يمكنها احداث تأثير فيها" مشيرا الى توافر المعروض النفطي في الاسواق ومستوى المخزونات مرتفع لذا فان أي اجراء تتخذه أوبك لزيادة الانتاج لن يزيد على كونه لفتة رمزية.وتابع "السوق سيفهم الامر. اذا فعلنا شيئا فيجب أن يكون من الممكن تصديقه. لماذا نخفي الحقيقة."واستثمرت أوبك التي تسيطر على أكثر من نصف صادرات النفط العالمية بكثافة بالفعل لزيادة طاقتها الانتاجية.وقال خليل ان أوبك ضمنت لسنوات توافر طاقة انتاجية فائضة دون الحصول على مقابل كاف من المستهلكين.وقال "لهذا السبب توافر لدينا الكثير من الطاقة الانتاجية المتاحة لوقت طويل لكن الدول المنتجة هي التي تحملت تكاليف ذلك... الدول المستهلكة لم تدفع أبدا لقاء الطاقة المتاحة. الان تعلمنا الدرس."ومن المتوقع أن تستغل أي طاقة فائضة لانتاج النفط تتوافر لدى أوبك الى أقصى مدى في ظل استمرار نمو الطلب.وقال خليل "الطلب سيكون قويا جدا. والطاقة الانتاجية الفائضة ستكون محدودة للغاية."ولايزال الاقتصاد العالمي قويا اذ رفع صندوق النقد الدولي هذا الاسبوع توقعاته للنمو العالمي في 2006 الى 4.9 في المئة من 4.3 في المئة لكن خليل قال انه عند نقطة ما سيكون لارتفاع الاسعار وقعا سلبيا.وقال "سنشهد بعض التأثير على التضخم وعلى نمو الاقتصاد. لكن لا أحد يعلم متى سيحدث ذلك."