أضواء
أول مرة دخلت المرأة الكويتية في صراع مع الرجل على المقاعد في مجلس الأمة ، لم تحقق أي نجاح وسقطت كل النساء اللاتي دخلن في هذا الصراع ، في ذاك الوقت كنت في جدل مع أحد الأصدقاء الكويتيين الليبراليين ، الذي كان يصر على أن عدم نجاح المرأة الكويتية مرتبط بالوقت ، فقرار السماح جاء في اللحظات الأخيرة ، لهذا لم تستطع المرأة الكويتية إعداد حملة ترشيحها بشكل متقن .هذه المرة الثانية تفشل المرأة الكويتية في الانتخابات ، مع أن الكثير كان يتوقع نجاحها لأسباب كثيرة فالوقت لم يكن متأخرا ، والناخبون أو من يحق لهم التصويت كانت نسبة المرأة 57% ، ومع هذا سقطت المرأة من جديد ولن تنجح ، إن اعتمدت على صناديق الاقتراع ، ولم تعتمد على تعيين يأتي من أعلى سلطة .أما عدم نجاح المرأة الكويتية أو الخليجية وإلى حد ما العربية ، فلأسباب تبدو لي منطقية إلى حد كبير .فنحن نعيش في مأزق كبير منذ أن قرر المفكر العربي ، أو من كان يطلق عليه “العلامة” الانتقال من الشرق للغرب ، فأول صدمة حضارية وقع فيها الشيخ رفاعة الطهطاوي الذي كتب عن باريس كعاشق منبهر من المنجز الذي رآه .في ذاك الوقت ، كان المجتمع العربي في أغلبه أميا فلم يشعر بتلك الصدمة التي حدثت لبعض من ذهب إلى هناك ، وعاد ليعمل على أن يتماهى الشرق مع الغرب ويقلده ، كما يقول ابن خلدون المهزوم وإن كان يكره المنتصر إلا أنه يقلده .كان المجتمع العربي غير معني بتلك الصدمة ، لكن ثورة المعلومات وانفجار الفضاء في وجه الإنسان العربي البسيط ، الذي جعله يرى الغرب الذي بهر مفكروه كما كان يقول أحدهم “وجدت إسلاما بلا مسلمين” ، وكان من الطبيعي أن يصاب بنفس الصدمة ويكون وقعها أكبر ، لأنه لم يتعود على تفسير وتحليل ما يشاهده ويحتاج دائما لمن يفسر له أو يفكر عنه .هذا الانفتاح على الغرب دون أن يكون لنا منجز حضاري جديد ـ أي مازلنا نعيش على القيم القديمة التي ابتكرها العقل في العصور الوسطى لنشوء الدولة ـ جعل العرب يحاولون التماهي مع المنجز الغربي ، فأنشئت المجالس والبرلمانات والنقابات ، ثم أقرت الانتخابات ، لكننا لم نحضر العقل الذي أنجز هذا المشروع الحضاري ، لهذا بدا كل شيء لدينا صوريا أو ديكورا أو تماهيا ساذجا .هذا التقليد غير الواعي ، هو ما جعلنا نستحضر حتى مشاكل الغرب التي يناقشها الآن ، فنناقشها على أنها مشاكلنا بعد أن ظننا أننا وبسبب استهلاك الحضارة أصبحنا مشاركين فيها ، وكانت المشكلة التي يطرحها الغرب الآن مرتبطة بحقوق المرأة ، لأن الرجل تحرر من تلك السلطات القديمة ، وأعني “القبيلة والفاتيكان” ، ولم يعد يقبل فكرة أن يحددا له كيف يعيش وكيف يفكر ومن ينتخب ومن يختار ، وأصبح مرجعه عقله وليس “العراق والفاتيكان” ، والمرشح الذي يقنعه سيرشحه ، ولأن الرجل استطاع أخذ جل حقوقه وتحرر من تلك السلطة ، فيما المرأة مازالت في كثير من الدول لا تجد فرصة عمل كما الرجل ، ولا تستلم نفس الراتب الذي يستلمه الرجل مع أن العمل واحد .هذا الاستحضار غير الواعي ، جعلنا لا ننتبه أنه لا يمكن لنا طرح فكرة حقوق المرأة ، قبل أن يتحرر الرجل أولا ، فمشهد الانتخابات في الخليج أو في العالم العربي وإن بدا لنا أن هناك ملايين يذهبون للتصويت ، إلا أن هذا المشهد مخادع ومخاتل وليس حقيقيا ، فالذين يذهبون للانتخابات وإن بدا لنا أنهم كثيرون إلا أنهم شخصان أو عقلان فقط ، أحدهما يؤمن بالقبيلة فيصوت لابن قبيلته ، أما الثاني فيصوت لمرشح مذهبه ، دون أسباب منطقية أو عقلانية ، لهذا الترشيح ، فالعقل تمت برمجته على أن ينفذ فقط .هذان العقلان وإن بدا أنهما مختلفان في بعض الأمور إلا أن رؤيتهما للمرأة متطابقة إلا قليلا ، فالأول “العقل القبلي” يرى أن المرأة أملاك خاصة وليست كائنا مستقلا وعاقلا ، في نفس الوقت هي أشبه بقنبلة موقوتة إن لم تتم حراستها ستنفجر في القبيلة وتكللها بالعار ، فيما الثاني “عقل الشيخ” وإن اتفق مع الأول على محاصرتها ، لكنه يختلف في الأسباب ، فهو يرى أنها أشبه بالوباء ، إن خرجت نشرت الخطيئة وفسد المجتمع .وبين هذين العقلين كان من الطبيعي ألا تنجح أي امرأة كويتية في الانتخابات وإن أعدت حملتها بشكل متقن ، وإن كانت نسبة النساء الناخبات 57% ، فهذان العقلان تم زراعتهما في المرأة أيضا .خلاصة القول : إن الأولويات في الغرب ليس بالضرورة أن تكون نفس أولوياتنا ، فالرجل في الغرب أنجز تحرر عقله ، وبدأ يتفهم مطالبة المرأة بحرية أن تترشح كونها كائنا عاقلا ومستقلا بعد أن ذاق طعم أن يكون عقله حرا ومستقلا ، بل وبدأ يصوت لها في الانتخابات ، فيما غالبية الرجال “والنساء أيضا” في الكويت والخليج مازالت عقولهم أسيرة عقلين ، ومن المستحيل أن ينتخب مجتمع ما امرأة يراها عارا أو بوابة الفساد .[c1]* صحيفة “شمس” السعودية[/c]