قصة قصيرة
*عبده محمد يحيى الوصابيذات نهار حزين بدأت أسماء بالبكاء وبدأت قطرات دموعها تتساقط على صفحة الأرض لتغسل همومها وأحزانها التي اكتسبتها من أبنائها البشر.كان الوقت حينها عصراً وكنت ذاهباً للتنزه مع نفسي التي أهملتها كثيراً في الآونة الأخيرة بسبب اهتمامي وانشغالي بالدراسة والعمل في آن واحد.أرغمني المطر المتساقط على التوقف والانتظار فلجأت إلى شجرة صغيرة كانت بالجوار محاولاً الاحتماء تحت أغصانها من قطرات المطر فلفت انتباهي منظر عصفور جميل كان يقف على أحد أغصانها وقد بللته دموع السماء حتى انتفش ريشه وبدأ عليه الخوف والوحشة وكان ينظر إلى السماء وينفض جناحيه وكأنه يريد منها أن تتوقف عن البكاء ليستطيع العودة إلى عشه.بعد لحظات خرج الأطفال من المنازل والمباني المجاورة وبدؤوا باللعب والركض تحت قطرات المطر قعدت أحملق فيهم وأتتبعهم بعيني وأراقب تصرفاتهم الطفولية المرحة.فذلك طفل قد تناثرت أطرافه في المكان وهو يقفز من مكان إلى آخر محاولاً التقاط قطرات الماء وهو ينظر إلى السماء ويحدثها مطالباً إياها بأن لا تكف عن البكاء، وبالقرب منه طفلان يركض أحدهما خلف الآخر وهما يتقاذفان الوحل، ذكرتني رؤيتهما بطفولتي - التي لم يمض منذ رحيلها سوى القليل - حيث كنت من هواة العزف والتشكيل على أوتار الرمل مع الماء.هنالك ليس بعيداً عنهم مجموعة من الصبيان يركضون خلف كرة صغيرة لا تكاد ترتطم بقدم أحدهم حتى تفر بسرعة إلى قدم الآخر وتظل هكذا تتأرجح ذهاباً وإياباً بين أقدامها الصغيرة.أشحت بناظري قليلاً عنهم وأخذت أنظر إلى البنايات التي أمامي والتي قد تغير لونها وصارت ترتدي زياً بنفس اللون جراء المياه المتساقطة عليها فتوقفت عيناي على نافذة زجاجية في البناية المقابلة لي حيث بدت لي من خلفها فتاة تقعد على كرسي ولا يرى سوى نصفها العلوي وبالأخص وجهها الذي تزينه ابتسامة لم أر مثلها.كانت تنظر نحوي وابتسامتها لا تفارق محياها وحين رأتني أمعن النظر إليها رفعت يدها وأومأت لي بها وكأنها تحييني، فرددت عليها تحيتها بابتسامة تقارب ابتسامتها وأنا أرفع يدي وأحييها ثم استدركت وأومأت لها طالباً منها النزول، فأومأت لي وهي تطأطئ رأسها بعدم المقدرة على ذلك لم أفهم السبب وظللت أنظر إليها وأنا أكرر طلبي لها بالنزول فأنتبه لي رجل كان قد لجأ لذات الشجرة وكان يقف إلى جانبي فقال لي دون أي مقدمات : ابتسامتها جميلة أليس كذلك؟فأجبت في مخيلتي : نعم، ثم رفعت صوتي سائلاً إياه : من أنت؟فقال : أنها تدعى أمل وهي بعمر هؤلاء الصبية تقريباً لكنها للأسف ليست حرة مثلهم فهي مقعدة وتسير على كرسي متحرك.لم أنبس ببنت شفة واكتفيت بنظرة أخيرة صوب النافذة الزجاجية التي لم ولن تستطيع إخفاء ابتسامة أمل الجميلة، ثم ودعتها بابتسامة مماثلة وواصلت المسير بعد أن توقفت السماء عن البكاء لكن عيني أخذتا دورهما في ذلك وبدأتا بالبكاء.