إعداد / محمد فؤاد :العروبة والعربية وبلاد العُرب والفكر واللغة والوطن والقضية والهوية والهوى وقيم ومسلمات عظيمة نفتخر بها جميعاً ونعتز بالانتماء إليها وليس ذلك من منطلق قومي أو طائفي أو شعوبي وإنما هو الاعتزاز بنهضة وصحوة جمعتها فكرة ولغة تستمد عظمتها من مكانة الإسلام والقرآن ووطن عظيم قد اختير ليكون الأفق الذي تبزغ من أحضانه أعظم الرسالات السماوية وأشرفها على الإطلاق، فكيف لا نعتز بهذا فكرة وبهذا لغة وبهكذا وطن؟ولكن وكما هو معروف منذ القدم وسيظل إلى الأزل أن مثل هذه القيم السامية لابد أن تواجه التحديات وتوجه إليها الشبهات وتطاولها ألسن الحاقدين والمغرضين وهذا بالفعل ما تتعرض إليه هذه الأيام تلك القيم والمسلمات السامية من نقد هدام وتشويه سافر ومحاولات التغريب والتضييع والتمريغ في التراب وذلك بسبب عدد من التداخلات الثقافية والاجتماعية والإيدلوجية والتراكمات السياسية والتبعات الاقتصادية التي تمر بها لغتنا العربية ووطننا العربي بسبب عدد تلك التحولات المسيولوجية للمجتمع العربي وذلك بهدف التمكن من الفصل ما بين النقي في الأصل والزبد الذي طغى على ما ينفع الناس من خلال بعض التصرفات التي لا يمكن أن توجه بالضرورة إلى العرب والعروبة كما هو الحال مع الإسلام من خلال تصرفات البعض سيكون المدخل المناسب لتحدي الصراع الداخلي الذي يعاني منه الكثيرون من خلال انسياقهم وراء تيارات التغريب والغربة المكانية وفقدانهم للهوية والأمن الثقافي العربي وغيرها من المقومات الوطنية الشاملة كون المرحلة التي تجتازها الأمة العربي هذه الأيام هي من أخطر المراحل التاريخية في حياة العرب وأكثرها تعقيداً فالقوى المعادية على اختلاف اتجاهاتها وأهدافها قد انتقلت بخططها وسيناريوهاتها من حالة التجزئة القومية إلى حالة التجزئة القطرية، أي تفتيت وتجزئة المقسم إلى دويلات طائفية وعرقية ومذهبية بالعمل على تفجير الأقطار العربية النازفة واختراق الهوية الإسلامية العربية لحساب الولاءات والهويات البدائية التي تشكل “ أم العلل “ والتي تفتك بجسد وروح الأمة من أمراض مثل الجهل والتخلف والانقياد وراء العصبيات الضيقة، ولعل هذه الحالة أو الوضعية المزرية التي تعانيها مختلف الأقطار العربية في الظرف الراهن هي التي تفسر أسباب التكالب المسعور من قبل القوى المعادية في التحالف الإمبريالي الأمريكي - الصهيوني والشعوبي الطائفي على هذه الأمة وقواها الوطنية والقومية.وبداية كان لابد من التعريف بأسباب اعتزازنا بهذه المسلمات الثلاث فاللغة العربية من أعظم لغات الدنيا وأسماها في تاريخ البشرية وذلك لما فيها من خصائص ومميزات حباها الله عز وجل بها واصطفاها وأختارها لتكون وعاء لأفضل كتبه الله سبحانه وتعالى، قال تعالى “ كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون” ( فصلت(3)) وعليه فإن هذه اللغة هي السفير الثقافي والملحق الأدبي والمحرك الاجتماعي والراعي الأيديولوجي للهوية الوطنية والروح الحضارية واللغوية للأمتين الإسلامية والعربية كما أنها تمثل لهذه الأمة هويتها وتمثل لها استمراريتها في الحياة وتمثل كذلك عمقها الإيماني وعمقها الروحي وارتباطها التاريخي فأنت لا تستطيع أن تميز وأن تفصل بين الأمة العربية وبين اللغة العربية إلا إذا أمكنك أن تفصل بين الروح والجسد، فهي لغة تمتزج بكيان الأمة وتستمد الأمة منها سيادتها وتميزها وهويتها وعمقها الحضاري.أما الاعتزاز بالعروبة والانتماء إلى هذا الوطن العربي الكبير فنحن لا ننظر إليه من زاوية جاهلية أو قومية ضيقة فهو ليس انتماء عقائدياً أو انسلاخاً عن الإسلام أو تمرداً وانحلالاً من الدين أو استعلاء على الآخرين بل على العكس من ذلك فالعروبة والإسلام كيان واحد لا يمكن فصله أو تقسيمه أو تجزئته فالعروبة “ قلب الإسلام وهل يحيا الجسد بلا قلب “ ولكن هل للقلب معنى بلا جسد يحتويه ويحميه؟ فالإسلام هو الذي خلد العربية حينما نزل بها كتابه العظيم وهو الذي علم العرب من جهالة وهداهم من ضلالة ووحدهم بعد فرقة وألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمة الله إخواناً وأهلهم ليكونوا قادة الدنيا وأساتذة البشر والعروبة الحقة تتخذ من الأخوة الإسلامية درعاً وسنداً وعوناً فالرابطة بينها رابطة طبيعية وهكذا.. فقط ( نفهم العلاقة بين العروبة والإسلام ) لذا فإن الانتماء للعروبة والتمسك بالهوية العربية والانتماء إليها والاعتزاز بها لا يعني الإقليمية أو التزعم أو الوطنية اللادينية ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة في ذلك فرغم كونه عربي الأصل والوطن وقد اختيرت جزيرة العرب لتكون مبعث رسالته وانطلاق رحمته للعالمين ( وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين ) إلا أنه لم يكن رجلاً إقليمياً أو زعيماً وطنياً، ( فلم يكن خطابه لأمة دون أمة، أو وطن دون وطن ولكن كان خطابه للنفس البشرية وللضمير الإنساني، وكانت الأمة العربية بخصائصها النفسية ومزاياها الأدبية خير محل لدعوته وخير داعية لرسالته).وهي نفسها الأطماع الامبريالية الصهيونية التي تسعى لتقسيم أرض الطهر والرسالات فلسطين الإسلامية العربية وتقوم بتهديد الجمهورية العربية السورية وتحاول العبث باستقرار وأمن السودان ولبنان العربيين، وغيرها من الدول العربية والإسلامية، لذا فإن استهداف العرب ولغتهم العربية وشبه الجزيرة العربية هي حقيقة وواقع اليم تعايشه شعوب المنطقة كل لحظة من الزمن وخصوصاً بعد فشلهم في تحطيم الإسلام وقواعده، يضاف إليه بكل تأكيد ما تحتويه تلك البلدان من ثروات طبيعية، كالنفط العربي والمعادن وغيرها من موارد القوة والطاقة في عصر الآلة والصناعة.وقد كان الدليل واضح بهذا الخصوص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م على الأوضاع التي آل إليها العرب ودينهم وعروبتهم وثقافتهم بحيث تحول العرب إلى مصدر ثري للهجمات المركزة التي دعمتها وغزتها الصهيونية الإسرائيلية بطبيعة الحال، وساعدت على تفاقمها الخلافات العربية المتزايدة فغرست فينا ثقافة الخوف والرعب لدرجة أن المدير السابق للاستخبارات الأمريكية المركزية (cia) جيمس وولسي يدعوا إلى اجتياح العراق وإلى عدم إيلاء ردود فعل العالم العربي أي أذن صاغية فيقول: ( إن سكوت العالم العربي إزاء انتصاراتنا في أفغانستان يثبت بلا ريب أن سياسة الترهيب هي وحدها الكفيلة بإعادة الاعتبار إلى هيبة الولايات المتحدة الأمريكية ) وهكذا استطاع الخصم السياسي التقليدي للعرب أي إسرائيل والصهيونية العالمية أن تجند ضدنا وضد ثقافتنا قوى مناهضة أخرى ولا تقل شراسة وعدائية عنه وتمثلت في الطائفية والمذهبية والشعوبية بل وتزرع فيما بيننا الخلافات الفكرية والسياسية وذلك بهدف الفصل بين الحاكم والمحكوم فتلجأ حينها إلى إعداد الأمة لينقذونا ويحررونا مما نعانيه من أزمات حقوقية وديمقراطية وإنسانية.وعليه فإن المستفيد الأول والأخير من خلافاتنا العربية هي إسرائيل والصهيونية العالمية والامبريالية الأمريكية وقوى الغرب المعادية للإسلام والعروبة والمقتاتين من وراءه تلك الخلافات في عالمنا العربي ولذا فإن الحل الوحيد والممكن في ظل الوضع الراهن هو عودة المسلمين إلى حاضنتهم الدينية والعقائدية والثقافية ونقصد الإسلام والقرآن بحيث يكون الإسلام هو قومية العالم العربي وأن يتم التمسك باللغة العربية والتخلص من أنواع الأثرة وضرورة إيجاد الوعي في الأمة والمتربصين بها وضرورة أن يكون لهذه الأمة قالباً مشتركاً للوحدة والهوية والتطلع والطموح والتعاون المشترك في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك لابد للعالم العربي من الاستغلال في التجارة والمالية والصناعة والتعليم وإلا فإن ما يمكن - أن يحصل في المستقبل سيكون أخطر بكثير مما نحن عليه اليوم كمسلمين وعرب.