كان الرجل يتحدث عبر الهاتف على شاشة فضائية «الجزيرة» في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء، مساء الأربعاء الماضي خلال نشرة أخبار تبثها القناة من المغرب العربي .حاول ممثل الحركة – أو الجماعة – السلفية الموريتانية أن يجاري المذيع / محمد كريشان , وضيفته في الاستديو – كاتبة وشاعرة مغربية – وأن يأخذ في حديثه وإجاباته جانب الاعتدال والتوسط .. بخلاف خطابات الراديكالية السلفية المبعثرة على رقعة شطرنج المغرب العربي, وهي الخطابات المأخوذة بالنزعات التفكيرية والذاهبة إلى استباحة البلاد بمجموعها , باعتبارها “ دار حرب “ .. وربما تكون دول وعواصم المغرب العربي , في هذه الساعة والمرحلة, على موعد مع مد عنفي جديد للجماعات التكفيرية والجهادية التي صعدت من عنفها وعملياتها بشكل لافت في أكثر من بلد مغاربي خلال الأسابيع الأخيرة .بالعودة إلى نشرة الجزيرة والمتحدث السلفي .. فقد استلزمه ذلك أن يمارس جهداً ومشقة كبيرين للضغط على كلماته وانتقاء مفردات خطابية معقولة ومقبولة إلى حد ما .. تحدث الرجل عن وسطية السلفية الموريتانية واعتدال المنهج والفكر .. ورفض التفكير للدولة والمجتمع – كما ذهبت فرق ومجموعات ما يعرف بالسلفية للدعوة والقتال – ونبذ العنف وتفضيل الحوار مع المخالف أو المناوئ .أذكر أن الشاعرة والكاتبة المغربية طرحت رأياً عاماً عن خطر وكارثية جماعات تمارس التفكير وتستبيح دم المجتمع وماله باسم “ الجهاد “ وبانتقال السؤال – تالياً – إلى المتحدث السلفي الأول من موريتانيا , باغت الجميع بحركة غير متوقعة، فالرجل الذي كان للتو يتحدث عن “ الوسطية “ و “ الاعتدال “ و “ الحوار “ ونبذ العنف .. اتجه من فوره إلى الرد العنيف , وحيث أراد أن يرفع عن النفس والجماعة شبهة أو تهمة التفكير والعنف , وقع فيما حاول أن يدفع .. قال : “ نحن لا نفعل ذلك .. وإنما هي تهم وافتراءات يروج لها حلفاء وعملاء اليهود والنصارى .. وكل من قال عنا ذلك فعليه لعنات الله تترى !!!اللعن هنا لا يعني استنزال العذاب والقصاص .. تماماً كاستباحة الدم والنفس وزيادة على ذلك فالتهمة الثابتة على المخالف هي اعتباره – مباشرة – عميلاً وخائناً يوالي اليهود والنصارى , والكلمة تخفيف – عنيف ! – للتوصيف “ أعداء الله وأعداء رسوله “ .. ومن ثم يسري حكم هؤلاء على أولئك , فالجميع سواء في العداوة والحكم . ما الذي أريده من هذا الاستشهاد والاقتباس ؟ لربما جاز لي التوظيف الاستدلالي للحالة الآنفة في سياق نقد ومراجعة الحالة السلفية والمشكلة الارهابية والعنفية التي وازى تمظهراتها الحركية والصدامية خلال فترة العقدين الأخيرين من القرن العشرين وما بعدهما , ليس في المغرب العربي فحسب , بل في عموم البلاد العربية .. وتالياً الإسلامية.أقصد من هذا الملمح التركيز على “ القسر التكيفي “ الذي أضطر إليه أفراد ومجموعات غير متجانسة , وإن وحدها المظهر الحركي والوسيلة العنيفة الواحدة أو المشابهة , في اللجوء إلى عملية “ تجميل حركي “ إن صح التعبير , وبالتالي استخدام بديل خطابي مخفف ولغة دعائية تتكلف البراءة والحوار ودعوة الاعتدال والعقل .لكن هذه التجميلات لا تصمد طويلاً أمام اختبارات أولية ناقدة , وربما مستفزة للحنق وردود الفعل الأصلية المعبرة عن الجوهر لا المسحة الجمالية الخارجية المضافة لاحقاً .وفي حالتنا السالفة إنهار جسر الحوار الواهي أصلاً , وبرز خطاب اللعن والعنف بمجرد أن شعر المتحدث بلسعة ناقدة , رغم أنها لم توجه إليه أو تقصده وجماعته تحديداً .. بل على العموم .وبالفعل .. أجدني أردد ما قالته السيدة المغربية , آخر الحوار المتلفز من أن الجماعة السلفية وجماعات العنف والقتال محتاجة أولاً – وقبل انخراطها في الحوار مع المجتمع والدولة المغاربية – إلى الانخراط في حوار حقيقي مع الذات .. لمراجعة الأفكار والمسلمات التي أفرزت المظاهر الصدامية والعنفية .لا نقول إنه لا أمل في رجوع هؤلاء إلى جادة العقل والصواب والمصلحة الجماعية والدينية , بل نقول إن الأمل معقود بقدرة الجماعات من جهة , والمجتمعات الحاضنة زائداً الدولة من جهة ثانية , في كبح محفزات الفكر العدواني والثقافة المنتجة لفعل العنف والخروج , والبحث عن معالجات حقيقية وشاملة، لا مجرد الاكتفاء بالتجمل والحلول الجاهزة والمتلفزة ,, شكراً لأنكم تبتسمون .[c1]AMEEN 101 @ MAKTPPB . COM[/c]
أخبار متعلقة