ولد الشاعر اليمني علي محمد لقمان في مدينة عدن عام 1918 ودرس فيها حتى أتم المرحلة الثانوية وكان من أساتذته في أو اخر المرحلة الثانوية الشاعر محمد عبده غانم الذي أصبح بعد ذلك مديراً للمعارف بعدن وعميداً للدراسات العليا بجامعة صنعاء وزوجاً لشقيقة علي لقمان.بعد أن أتم لقمان الثانوية سافر للدراسة في الهند ثم في القاهرة حيث تخرج في الجامعة الأمريكية بمرتبة الشرف الأولى في مجال الصحافة وكان بذلك أول يمني يتخرج في ذلك المجال ، تلاه عبدالرحمن جرجرة وكلا الرجلين صار في مراحل لاحقه وزيراً في بلده عدن.عمل علي لقمان بعد تخرجه مديراً لتحرير صحيفة (فتاة الجزيرة) أول صحيفة مستقلة في اليمن، وكان قد أنشأها رجل التنوير الشهير والده محمد علي لقمان عام 1940 ثم أنشأ علي لقمان في الخمسينيات من القرن الماضي صحيفة أسبوعية بعنوان (القلم العدني) حولها بعد سنوات إلى صحيفة يومية نشر لقمان أول ديوان شعري في اليمن عام 1944م بعنوان (الوتر المغمور) ثم اصدر بعد ذلك ثمانية دواوين شعرية أخرى أحدها باللهجة العدنية وأصدر في الوقت ذاته خمس مسرحيات شعرية .. كما أصدر ابنه الطبيب الراحل د. وجدان لقمان مجموعة شعرية من قصائد أبيه مترجمة إلى الانجليزية كان علي لقمان قد قام بترجمتها بنفسه أثناء إقامته في أمريكا عند وجدان، وجمعت أنا بعض قصائده في ذلك ضمن أعماله الشعرية الكاملة التي اشرف عليها د. أحمد علي الهمداني. كان لقمان أيضاً كاتباً صحافياً غزيراً كما لعب دوراً سياسياً هاماً فكان أميناً عاماً لحزب الجمعية العدنية وتولى الوزارة بضعة أشهر ولكنه قضى معظم حياته السياسية زعيماً من زعماء المعارضة في برلمان عدن الذي كان يسمى المجلس التشريعي ، وعين قبيل رحيل الاستعمار عن عدن عام 1976م رئيساً لمجلس كهرباء عدن ولكنه لم يستمر في ذلك المنصب سوى أشهر قليلة بعد خروج الاستعمار فالحكم الجديد كان قد بدأ يتجه اتجاهاً شمولياً لايتسع صدره لغير أعضاء الحزب الواحد الذي صفي بعضه بعضاً عبر السنوات. ترك لقمان منصبه كرئيس لهيئة الكهرباء وكان قبيل الاستقلال قد أغلق صحيفته طوعاً قبل أن يأتي الحكم الذي أغلق كل الصحف التي ازدهرت في عدن بين 1940م و1967م ولم يترك سوى صحف الحزب الواحد، فبدأ يفكر في الهجرة لأنه أدرك أن الحكم الشمولي لابد أن يضع المفكرين والأدباء من خارج حزبه في السجون ، فأقنعه بعض أصدقائه بالسفر إلى الخليج فقام برحلة قصيرة إلى الشارقة مع صديقه عثمان الأدهل كما أخبراني، وكانت الرحلة في أكتوبر 1968م واستقبله يومها حاكمها الشيخ خالد القاسمي في قصره بالشارقة بحفاوة كما كون صداقة مع بعض رجالاتها وعلى رأسهم الشاعر إبراهيم المدفع وجاسم المدفع وهذا الأخير بعث له نسخة من ديوانه (عنب من اليمن) بواسطتي وسلمتها له باليد .قرر لقمان بعد ذلك الهجرة إلى مدينة (تعز) فيما كان يسمى بالشطر الشمالي من اليمن (الجمهورية العربية اليمنية) وعمل فيها حتى مرضه الأخير عام 1979م عندما جاء إلى دبي للسكن عندي فترة قصيرة للعلاج من داء السرطان ثم رحل إلى أمريكا للعلاج عند ولده د. وجدان الذي رتب له طائرة خاصة تقله ولكنه توفي هناك ليلة ميلاد السيد المسيح عام 1979م ونقل جثمانه إلى صنعاء باهتمام من الرئيس علي عبدالله صالح وبعض أصدقاء العمر أمثال عبده حسين الأدهل صاحب كتاب (الاستقلال الضائع) وأبنائه الذين يعملون في مجالات مهنية بأمريكا ، وقد تناولت سيرة هذا الشاعر والصحفي والسياسي المهم في أول كتاب يتناوله بعنوان (علي محمد لقمان- نزيل عصيفرة ) وجعلت في الكتاب ملحقاً بمختارات من شعره ، وقد صدر عن لقمان كتابان بعد ذلك آخران. أما في هذا المقال فنود أن نتناول القصيدة الوحيدة التي كتبها من وحي زيارته الوحيدة للشارقة وقد وجدت القصيدة بين مخطوطاته التي لم تنشر وعنوانها (الشارقة الجديدة) يقول في مطلعها : تســائلـنـــي الــزهــرة العابقــه [c1] *** [/c] أعـــدت؟ فقلت : من الشارقه شكت شوقها في ليـالـي البعــاد[c1] *** [/c] كورقـــاء في ســهــر وامقــه وباحت بما لم تكن في الوصـال [c1] *** [/c] تبـوح بأســـراره الصـــادقـــه وكم يكتم الحســن في صــدره [c1] *** [/c] شجوناً إذا انطلقـت دافــقـــه وكــم يفضــح النــأي مـن والــه [c1] *** [/c] وذات هــوى حلــوة عاشـقـــه تقـــول وأدمــعــهــــا فــي يـدي [c1] *** [/c] بكيــت مــن الفرحـة الرائقـه ومـــا كنـــت أدرى بـــأن النـــوى [c1] *** [/c] وإن لم يطــل سقــر حارقـــه ذكرتك في الصبح أنس الوجود [c1] *** [/c] وفي الليـل زنبقـــة فائـــقــه فبين عيــونــي وبيــن المنــــام [c1] *** [/c] معـــارك لاتنتــهـــي خانقـــه وأنــت تغــنـــي جمـــال الخليــج [c1] *** [/c] بألحــــان رقتـــك الشائــقـــة لاشك عندي في أن لقمان بعد رحلة قصيرة أظنها لم تتعد بضعة أسابيع كان يستشعر الخوف من المستقبل الذي قد يبعده قسراً عن حبيبته عدن التي تعاتبه في هذه الأبيات بقدر ما تعاتبه حبيبته الآدمية، ثم تقول القصيدة: كأن لم تكن صاحبي المستهام [c1] *** [/c] وشاعــر أيـــامنـــا السابقـــه أغــرت فــؤادي بــليــل الخليــج [c1] *** [/c] بـأوتـــار منــتــزج ناطـــقـــه يغنــي فيشــجــي فأشجــى لــه[c1] *** [/c] ولي مهجة في الهوى شارقهويروي تبــاريـحــه الســاهــرات [c1] *** [/c] إلى عــدن بالضنــى ضائعــهوفي هذا البيت يصرح بمأساة عدن وما تعانيه من ضيق ثم تقول المتحدثة وهي حبيبته الآدمية ووطنه في آن:أتغريك عنــي غوالــي البحـار [c1] *** [/c] فتنسى لياليـنـا الرافـقـهألم تحي فيَّ الغريق السعيد [c1] *** [/c] وعشت سعيدتك الغارقةومن هي سعيدته الغارقة في محنتها سوى ذلك الجزء من اليمن السعيدة الشقيقة ثم يتحدث الشاعر:فقلت لهـا مـا أحلــى العتــاب! [c1] *** [/c] وأطيب أنغامـه الخافقـــه! يروق بسمعي حفي الشهيق [c1] *** [/c] فأطرب من ولع الشاهـقهلقد لذ حتــى هوـيت الرحيــل [c1] *** [/c] لأرجع كي تعتـب التائـقـه وكم فـي التغـرب من محنــة [c1] *** [/c] وكم من عذاب ومن بائقه فلا تحسبينـي لعـوب الغـرام [c1] *** [/c] فأسلو مقلتمـك الـرامقـه ومــن كنـت فــي قلبــه درَّة [c1] *** [/c] يـرى كــل غاليــة نافــقـه ولكـن وجـدت أخــي ساهـــرا [c1] *** [/c] وأختــي تسانـــده حاذقــه في يده الفــأس في مـوكــب [c1] *** [/c] عزيز إلى الفلل السـامقـهيقيم الشوامـخ فوق الرمــال [c1] *** [/c] ويبني معالمها السامـقــهوهو في الأبيات السابقة وما تلي من أبيات يتحدث عن الشيخ خالد الذي أخذ مع أشقائه أمثال الشيخ زايد والشيخ راشد يبنون إماراتهم التي تتوحد بعد ذلك بنحو ثلاثة أعوام في أتحاد الإمارات دولة عصرية صارت مفخرة للعرب:ويصف الشاعر النهضة العمرانية فثم شـوارع ترضــى العيــون [c1] *** [/c] وثــمــة أنـوارهـــا البارقــهعلى جانبيها القصور العظام [c1] *** [/c] ومن خلفها الشجر الباسقه فمـن كــل(رولا)بــلا روضــه [c1] *** [/c] ومن كـل روض بــلا ارقــهوكــوخ يــزول وقصــر يقــوم [c1] *** [/c] كليـل يقـــر من الشـارقـــهومستوصــف لشفــاء العليــل [c1] *** [/c] بـه كــــل عافـيـــة نافعــهومدرسة في مكـان الكثــيــب [c1] *** [/c] فنار يضئ الدجى شاهـقــهوجيــل جديــد يريــد الحيـــاة [c1] *** [/c] ويهــوى أطايبهـــا العاتقــهففي كــل ركــن بنــاء جديــد [c1] *** [/c] وفي كـل معطــف سابقـــهثم ينعطف الشاعر ليتحدث عن الشعب ونضاله الوطني وإيمانه بعروبته وكفاح القواسم ضد البرتغاليين .. وشعب هنا عربي الجهـاد [c1] *** [/c] عصي على الظلم المارقهأبى البرتغال فسلَّّ الحسام [c1] *** [/c] فصـدّ سفائنهــا المائـقـهوليس الغزاة سـوى ســارق [c1] *** [/c] يشمـر للسلـب أو سـارقــهفمن راشق شارقي السهام [c1] *** [/c] يصيب العدو ومن راشـقـهومن مؤمـن واثـق لا يحيـد [c1] *** [/c] مــؤمــنــة مثلــه واثــقــهوينتقل الشاعر بعد أن تحدث عن الشعب المناضل ليحدثنا عن ثروة البلاد من اللؤلؤ والثروة الجديدة النفطية:وفــي بحــره الغاليــات الحسـان [c1] *** [/c] وفي بحره الشعل الصاعقهفتحـت الميــاه النفيــس الأنيـق [c1] *** [/c] وتحت الثـرى ثــروة غارقـهوصــحــراء تولــد فيهــا القــرى [c1] *** [/c] وتبنـي حواضـرها الخارقـهوقد ينبت الورد فوق الســراب [c1] *** [/c] إذا وجـد المــهــج الذائـقــهوتنمــو الزهــور فـمــن ناشـــق [c1] *** [/c] على كل قفر ومن ناشـقـه وما النفط إلا حيــاة الشـعــوب [c1] *** [/c] وسـرّ مكانتـهـــا اللائــقــهوقد يختفي في زوايا الخلاء [c1] *** [/c] كحسناء في حجب خائفهوكم يبطن الربع من جوهر [c1] *** [/c] يسيل ولــؤلــؤة لاصقـهوالربع هنا هو ((الربع الخالي))ويستمر الشاعر في حديثه عن النهضة مشيراً إلى دور حاكم الشارقة الماجد:تراب الجـزيــرة مهــد النـــدى [c1] *** [/c] ومنهــل المستـرة الدافقـهوكنز التقــى وربــوع الجــلال [c1] *** [/c] ومرعى المطهمة الماشقهوكم يصنع الشعب من معجـز [c1] *** [/c] إذا كــان أرشـــده سائقـــههكذا نجد أن شاعرنا على لقمان التقط صورة مبكرة لعملية التنمية التي أحالت الخليج من مناطق بسيطة في عمرانها إلى مدن مزدهرة عمرانياً في الوقت الذي كانت تسير فيه الأمور في عدن بشكل في الاتجاه المعاكس ورأى هذا الشاعر والزعيم السياسي هذا التطوير فأشاد به وبحاكم الشارقة وهو الشاعر الذي لا نرى في دواوينه الكثيرة مديحا إلا لأصدقائه الخلص وأساتذته.ولم ينس الشاعر أن يجعل أهم أسباب التقدم رغبة الشعب في التقدم قائلاً:وقد ينبت الورد فوق السراب [c1] *** [/c] إذا وجـــد المهــــج الذائـقــــه