فيما كاتب الرواية يؤكد أن أعماله الأدبية أشبه باللوحة التشكيلية
الإسكندرية /متابعات:يشبه الكاتب التونسي د. صلاح الدين بوجاه أعماله الأدبية باللوحة الزيتية التشكيلية؛ التي لا يتم إدراك أي معالم واضحة منها، بسبب ما يعتليها من فوضى وعبث؛ إلا أنها تحتوى على مضمون ثري داخل مكنوناتها، وذلك ما يراه من خلال رواياته التي يسميها بالرواية الجديدة، مؤكداً أن الكاتب عليه أن يكتب رواية مختلفة في كل مرة يمسك فيها القلم، عند كتابة روايته. وأشار في كلمته بمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية إلى أنه يرى أن أغلب الروايات التقليدية، تشبه في كثير من النواحي اللوحة الزيتية التقليدية، التي تعتمد على فكرة واضحة أمام القارئ دون أي إعمال عقلي وفكري بعقل المتلقي؛ مؤكداً أن النص الروائي الجيد لا يمكن أن يقام على فراغ فكري، بل يجب إدخال الفلسفة في مضمون الرواية، وأن الرؤية التي تتحكم في الأعمال الأدبية ينبغي أن تكون مستندة إلى رؤية فلسفية.وأوضح بوجاه في الندوة التي أدارها الأديب منير عتيبة، أن عشقه للغة العربية هو نتاج تربية وبيئة متأثرة إلى حد كبير باللغة؛ فكان والده مولعًا بالثقافة العربية، وكان يرسل لشراء الروايات والكتب من خارج تونس، كما أنه تأثر بجامعة الزيتونة في صغره، فتعلم بها العديد من العلوم؛ مثل أصول الدين والتاريخ العربي الحديث والقديم وغيرها. وأضاف أن بيئته المجتمعية هي الأخرى أثرت في حبه للغة العربية؛ فهو ينتمي لأحد أولياء الله الصالحين التونسيين؛ وأدى ذلك إلى اندماجه في جو الابتهالات والأشعار وأدب وفن التصوف الذي ساعده على العيش في جو من الصمت والهدوء، ومكّنه ذلك من التركيز في كتاباته.وأشار الكاتب التونسي إلى أهمية مدينة القيروان في حياته الأدبية، حيث يرى أن كل منعطف من منعطفاتها يثير رواية أو قصة جديدة، وهو ما أدى إلى إلهامه في العديد من كتاباته، فهي بالنسبة إليه موطن الحلم والروح الذى يستشف منه كتاباته، فيعتقد أن ساحرية تلك المدينة تجعل من يولد فيها إما كاتبا أو مجنونا بسحرها.وعن عمله في المجال السياسي؛ حيث كان عضوا في برلمان النواب، أوضح أنه لا يندم على تلك الفترة، رغم أنه كان خائفًا من تأثير الحياة النيابية بالسلب على حياته الأدبية؛ إلا أنه وجد في الحياة السياسية مدخلاً آخر لزيارة مدن تونس المختلفة، والتعرض إلى بيئات وطبقات متباينة، وساعده ذلك على التطور في الجانب الأدبي بشكل أكبر.وخلال تقديم دراسة بعنوان (لون الروح لصلاح بوجاه وسرديات الموقف العبثي)، أشار الدكتور السعيد الورقي إلى أن صلاح بوجاه كما يظهر في أعماله ومن خلالها كاتب مثقف ثقافة شمولية، تجمع بين التراث والمعاصرة، وأن العوالم التي يقدمها بوجاه في أعماله القصصية والروائية عوالم تتحرك في مناخات كابوسية، تدخل القارئ من بوابة الواقع إلى عجائبية غريبة هي مزيج من السحر والشعر والطفولة والصوفية، وذلك بالسعي إلى إحداث تشويش في النظام القائم للواقع وللحياة في محاولة لخلق نظام جديد، يعني الولادة الجديدة.وقال إن أعمال بوجاه تنفتح على بعضها بصورة ملحوظة لتؤكد أن الأدب والفن معرض للخيارات الإنسانية، فقدم بوجاه الإنسان في عالم متأزم مكتظ بالآلام وعوامل القهر والإحباط في موضعه الاجتماعي، فالواقعي، فالإنساني، فالوجودي، وهو ما تأكد في روايته التي صدرت مؤخرا بعنوان (لون الروح)؛ حيث تقدم الرواية عالما غريبا تشير ملامحه إلى وقائع الرواية التي تدور في منطقة ما في شبه جزيرة سيناء، ما بين الفنادق السياحية وإحدى القلاع التي أعدت لتكون معتقلاً وسجنا.ولفت د. الورقي إلى أن عنوان الرواية غائم ومضلل لما يتضمنه من اقتران لا يخضع للتماثل أو التباين، فكل طرف من طرفيه كيان بذاته ولذاته، والجمع بينهما بالإضافة هو كون من العبث والفوضى، مبينا أنه لتقديم هذه الفوضى العبثية، استخدم الكاتب هنا وفي أعماله الأخرى ما يسمى (منطق التعاكس في السرد)، فالوحدات اللغوية لا تستدعى متممات أو متعلقات، وإنما تحيل كل وحدة إلى أخرى بعيدة عنها تماما، وقد تكتفي بذاتها لتكون نسيجا خاصا بها. ويرى الناقد، أنه بسبب هذه الحدة والاختلاف، ملكت أعمال صلاح بوجاه سر سحر الحكي، الذي يغدو في زمن الفوضى والانسحاب والغربة عالما من الفوضى العبثية.وفي دراسة أخرى، أعدها وألقاها الكاتب الصحفي مصطفى عبدالله، يقول إن صلاح بوجاه مبدع تونسي وصاحب مشروع روائي حقيقي متطور، فمع روايته الثالثة (النخاس)؛ أحدث بوجاه تحولاً صريحا في كتابه نصه الجديد، فبعد (المدونة) و(التاج والخنجر والجسد)، تفتح (النخاس) مسارا غنيا للسرد في تونس. وأوضح عبدالله أن رواية (النخاس) تعد محاوله لإعادة تشكيل التراث السردي القديم في ضوء معطيات جمالية وأسلوبية تعبر عن التراسل بين الماضي والحاضر، من خلال صهر فنيات السرد القديم بجماليات الإبداع الروائي المعاصر. ومن هذا المنطلق، نبتت أفكار بوجاه التي تصوغ وعياً جديداً لسرد مغاير، يستلهم قصص العرب ورواياتهم وأخبارهم وأيامهم وخيالاتهم وبطولاتهم.ويرى عبدالله أن رواية (سبع صبايا) تؤكد أن الأديب التونسي فضل الخروج على كل ما ثبت من قواعد واستقر من نواميس، وهي تأتي لتزكية هذا المعنى، فهي تختبر إمكانات العربية، وتوقظ الأساطير القديمة في الكلمات، وتبحث عن طقوس سردية محددة. يذكر أن بوجاه كاتب تونسى يسهم في الحركة الثقافية العربية منذ السبعينيات، وتولى رئاسة إتحاد الكتاب التونسيين من عام 2005 إلى عام 2008، ولديه خمسة مؤلفات نقدية، وكتب أكثر من ثمانية مؤلفات إبداعية.