علي أحمد باكثير
[c1] الأديب ثروة وطنية[/c]من المهم القول ، أن الأديب يصير ثروية وطنية يملكها المجتمع و الوطن ، منذ اللحظة التي أمسك فيها بـ القلم و زين الأوراق بإبداعاته في قضايا الإنسان و أشكال الحب و الجمال في المجتمع و الوطن.. و هذا ما لا يعيه كثير من رجالات الأدب والإبداع .. و هذا ما يجب أن يعيه الأديب و المبدع.و كما عين نفسه ذات يوم مسئولاً على الإنسان و المجتمع و الوطن ، يخوض في قضاياهم و يمتعهم بألوان إبداعاته، فمن المهم عليه أن يعرف ، أنه هو نفسه ، في المقابل، يكون مسئولاً أمامهم .. و أن “ المجتمع و الوطن “ ، بالمثل، قد جعلوا أنفسهم مسئولاً عليه .. و يجدونه ملكاً للوطن .. مادام يدخل ضمن “ الملكية أو الثروة الوطنية “ و محسوب على “ التراث الوطني “.و على ذلك ، فان أدباء لا يكترثون لأهميتهم عند مجتمعاتهم، و لا يدركون ، أن المجتمع ، يحق ، يكترث لهم و يهتم بعطائهم الإبداعي ، و أن اعتقدوا في مجتمعاتهم العكس .. و هذا أمر جد خطير و له أثر يخلفه ، يؤخذ على الأديب و يلقى بالأئمة عليه، كثيراً .. أن عدم اهتمام الأديب نفسه بالحديث عن نفسه وعن تجاربه و الكتابة في تاريخ حياته الذاتية و تاريخ حياته الأدبية، يعكس عدم إدراك و عدم تقدير الأديب لأهميته الوطنية عند مجتمعه.[c1] السيرة الذاتية[/c]ظاهرة منتشرة بين جل الأدباء العرب ، و صارت ، لاحقاً ، لدى الباحثو الدارس إشكالية و معاناة .. هذه الظاهرة تكمن في عدم اهتمام الأدباء العرب بكتابة “ السيرة الذاتية “.. و ماتوا و تركوا المعلومات حول حياتهم غير معروفة .. وعلى ذلك، فان أدب” السيرة الذاتية” في الأدب العربي فقير و ضعيف.. تلك حقيقة، ليس هناك من يستطيع أن يكتب في سيرة حياة أديب أكثر من الأديب نفسه .. ويكون من الخطأ أن يهمل الأديب الكتابة عن حياته و تجاربه الذاتية.فمن المنظور الوطني و التاريخي ، أن المجتمع لا يكترث لنتاج الأديب، كماً و كيفاً .. نوعاً و تنوعاً ، و حسب ، كذلك يكترث، و ربما على نحو أكثر اهتماماً ، بكتاباته و أحاديثه في سيرة حياته وتجاربه الذاتية و الحرفية ... و مادام الأديب يحسب على “ الثروة الوطنية “ عند المجتمع، فان كل المعلومات فيه أو عنه أو حوله ( صغيرة أو كبيرة .. مهمة أو غير مهمة .. عليه أو ضده..، وغيرها .. ) تظل مطلوبة وتصنف مهمة .. و يظل ما يكتبه الأديب نفسه عن “ نفسه “، كما في” سيرة حياته الذاتية“، من الأهمية و الصدق والجمال، لهو المطلوب بإلحاح وطني.. و عوضاً عن الاعتماد على كتابات الآخرين في حياته .. أو ترك آخرين يكتبون في حياته و يسجلون أحداثها ، فلا يطرقون الصدق كله و لا يبلغون ذلك الجمال.. و يمكن أن يعرّضون المعلومات إلى الخطأ وعدم الصواب، أما باعتماد مصادر غير أكيدة و أما باعتماد الافتراضات و القياسات و الحدس .. فالأمر ليس كما يفعل الأديب نفسه عن “ نفسه “.و من المنظور العلمي ، بالمثل ، يظل كتاب “ سيرة حياته الذاتية “ ، الذي كتبه الأديب نفسه ، هو الذي يحفل به الباحث و الدارس المهتم ، لأنه الأصلح و الأجدر اعتماداً .. و عليه ، فان الأديب الذي لا يضع كتاباً في سيرته الذاتية ، يكون قد أضر بتاريخه كما أضر بالتراث الوطني ، الذي يتجسده و يمثله في شخصه و في أدبه ، و بالتالي ، تلقى عليه لائمة و مسئولية هذا التقصير و ذلك الضرر ..إن تقصير الأديب في هذا الجانب وغياب مساهمته في توفير المعلومات الكافية المتعلقة بحياته الذاتية ، يمكن أن تعرض إبداعاته و أعماله للشكوك عند البعض ، و يمكن أن يدفع بالبعض لأن ينكر عليه قدراته على الإبداع و الخلق ، و بالتالي ترجح أن يكون غيره من كتب أعماله ، و أن تحمل اسمه .. على نحو ما حدث مع الشاعر و المسرحي الانجليزي “ ويليام شكسبير“.. فلقد تسببت قلة المعلومات عن حياته ، و عدم مساهمته في كتابة مذكراته و سيرة حياته ، ووجود مرحلة مهمة غير قصيرة من حياته غامضة ، لا يعرف عنها شيء، جميعها أسهمت في جعل النقّاد يتشكّكون في أن يكون هو من كتب تلك الأعمال العظيمة، التي تحمل اليوم اسمه ، ورجح بعضهم أن يكون الدكتور “ بن جونسون “ هو الكاتب الفعلي لتلك الأعمال.كما أن هجرة الأديب الطويلة ، و انقطاع أسباب تواصله مع مجتمعه ، و يموت دون أن يترك المعلومات في سيرة حياته الذاتية، جميعها يمكن أن تسهم أو تعرض المعلومات والحقائق المتعلّقة بتاريخ حياته “ الذاتية “ وحياته “ الحرفية الأديبة“ للعبث و للتطاول و الأخذ و الجذب و الإضافة والحذف.. وهذا ما يرهق و يحير الباحث المهتم ، الذي يريد توخي الصدق والصحة و الدقة .. إذ أن هكذا تقصير من الأديب ، قد تذهب بكاتب أو بباحث إلى الركون على منهج “ الافتراض.. والظن.. و الاعتقاد“، فيجانب بذلك الصحة والدقة والمصداقية، على نحو ما فعل الدكتور أحمد عبد الله السومحي في كتابه الموسوم ( علي أحمد باكثير، حياته، شعره الوطني والإسلامي).أن الأخطاء التي وقع فيها السومحي و أعتمدها و سجلها في كتابه ، يمكن أن تقود ، أن لم تكن قد فعلت ، باحثاً آخر إلى تكرارها ، إذا ما الأخير أعتمد كتاب السومحي في نقل المعلومات، و هكذا.. أن الأخطاء التي وقع فيها السومحي وأعتمدها و سجلها في كتابه، إنما كان سببها تقصير من الأديب باكثير ، الذي مات ولم يوفر للباحث الكتاب والمعلومات في حياته الذاتية.وبالمثل، فإن هكذا تقصير من الأديب ، يمكن أن يقود بعض الباحثين إلى مناشدة المقربين من الأديب ، ( الأهل .. الأصدقاء، الخ ) ، للكتابة في حياة الأديب ، للاعتقاد أنهم الأجدر والأقرب إلى الصحة و الصدق و السلامة .. و ذلك على نحو مافعل الأستاذ سالم زين باحميد في مداخلته في مهرجان باكثير الأول الذي عقد بسيئون عام 1985م حين طلب من أسرة الأديب باكثير الكتابة في حياته ، لأنها ( أي الأسرة ) ، كما يعتقد باحميد : “خير من يكتب قي ذلك الآن “، ص61.و لا يكون للأديب مبرر بعد ذلك ، في مثل هذه الحالة ، أو للمدافعين عنه أو للمهتمين به ، إذا جهلت الأجيال في مجتمعه ذكره و أدبه .. ذلك أ ن الأديب نفسه ، بطول اجتنابه و جفوته وهجرته وعدم كتابته سيرة حياته الذاتية ، هو من أضر بحضوره و ذكره في مجتمعه و في ذاكرة الأجيال الوطنية.[c1]قضايا التوثيق[/c]التوثيق هي العملية التسجيلية للأحداث بحسب تتاليها تاريخياً وجمعها و الاحتفاظ بها في وثائق و سجلات و كتب و(مؤلفات) وهي مفيدة تاريخياً.في علم الطب ، يكترث الطبيب المعالج لما يطلق عليه أهل الطب و التطبيب “ تاريخ الحالة .. case history or patient history “ ، قبل شروعه بأي إجراء طبي .. ذلك أن إدراكه و وعيه بـ “ تاريخ الحالة .. case history or patient history“ يقوده إلى التعامل الطبي السليم ( في التشخيص أو في التطبيب) و يشكّل غياب مثل هذه المعلومات ( “ تاريخ الحالة.. case history or patient history “ ) صعوبة و إشكالية عنده و عجزاً في تشخيصها و علاجها .. الأمر الذي قد يضطره إما إلى الامتناع من تعاطيها أو دراستها من البداية ؛ كأن يعمل على بدء عملية تتريخ جديدة ، أو إعادة تتريخها ، و هذا يكلّف جهداً و وقتاً.و في حقل الأدب ، كما في الطب و غيره من العلوم ، يهم كثيراً وجود تاريخ للأديب و أدبه .. و التاريخ يعتمد بشكل رئيس على التوثيق .. و في غياب التوثيق يذهب التاريخ مذاهب جمة جلها غير أكيدة ، و قد لا تقوده بعضها إلى بلوغ الصوابو سلامة النتيجة .. فالتوثيق يبعث بالثقة ، و الثقة من سلامة المعلومة ، و سلامة المعلومة بوجود التوثيق.[c1]عبدالله سالم باوزير و محمد المر[/c]هناك صعوبة يجدها الباحث الدارس في أدب و قصص الأديب اليمني المرحوم “ عبدالله سالم باوزير “_ رحمه الله _ صاحب رائعة “ سفينة نوح “ .. كما توجد نفس الإشكالية عند دراسة أدب و قصص الأديب الإماراتي “ محمد المر “ صاحب رائعة “ ياسمين “ _ المجموعة القصصية السابعة.يشكل كل من “ عبدالله سالم باوزير و محمد المر “ اسماً كبيراً و حاضراً في عالم الأدب في بلديهما .. و رائداً من رواد القصة القصيرة فيهما .. تاريخاً و إبداعاً و تنوعاً و استمراراً.. وريادتهما ، بالضرورة ، تدخلهما محل الريادة في أدب القصة القصيرة العربية ، خاصة ، و الأدب العربي ، عامة _ تاريخاً وأدباً .. أن الإشكالية التي يواجهها الباحث الدارس في قصصهما، غياب التوثيق.فعلى روعة و جودة القصص التي كتباها و غزارتها .. نشرت جلّها ، ثم جمعت و خرجت في مجموعات قصصية ، كل مجموعة منحت عنواناً.. كل مجموعة بها قصص فيها من الجودة و الإتقان و التنوع ، ما تشير إلى روعة كاتبها .... غير أنها تظل أموراً لا توفر للباحث حاجته و لاتشبع قناعته أو ترضيه.لا يستطيع الباحث الدارس في مراحل تطور فن كتابة القصة عند “ باوزير و المر” ، أن يصل إلى معرفة صحيحة و تقييم علمي و تاريخي سليم و نتيجة أكيدة في ذلك .. ذلك أن كلاً منهما _ “ باوزير و المر” _ لم يؤرخ لأعماله .. عملا على الكتابة ، ثم عملا على نشر كتاباتهما _ في الصحف و المجلات أولاً ، ثم في مجموعات قصصية ... و عملية النشر هي ضرب من التوثيق .. إذ تكون المرجعية إلى تاريخ نشرها، الذي هو تاريخ نشر الصحيفة أو المجلة و رقم العدد .. و لكن تاريخ النشر ليس هو تاريخ كتابتها ، الذي نهتم له ها هنا .. فهناك قصص سابقة كتباها و لكن لم يعملا على نشرها .. أبقوها مخطوطة لديهما.. وهناك قصص لاحقة _ بينها و بين سابقاتها مدة زمنية و تجارب قصصية _ قاما بنشرها .. ثم قاما بجمع ما نشراه من اللاحقة ، و كل أو بعض من السابقة، من التي لم تنشر ، في مجموعات قصصية .. وبالنظر ، إلى مجموعاتهما القصصية كلها ، تقريباً ، لا تجد تاريخاً عند نهاية كل قصة ، بما يدل على تاريخ نشرها أو كتابتها. غياب عملية التوثيق ، بالضرورة ، يعيق عملية التتريخ .. وتثيرعجزاً لدى الباحث الذي يؤرخ ، في تعقّب مراحل تطور فن القصة و الكتابة القصصية عند كل منهما أو مراحل تراجعهما و الأسباب ... و غير ذلك.[c1]* جامعة عدن[/c]