أفكار
التقاء المصالح وروابط التاريخ والجغرافيا والثقافة وراء زيارة الرئيس الصومالي الشيخ شريف شيخ أحمد لمصر ولقاءاته مع كبار المسئولين فيها.فقد كانت مصر الدولة العربية والإسلامية الوحيدة العضو في المجلس الاستشاري الذي شكلته الأمم المتحدة قبل أكثر من نصف قرن لتأهيل الصومال للاستقلال، عبر إقامة المؤسسات اللازمة للدولة الوليدة. ويشبه ذلك الوضع ماعليه الصومال حاليا بأعتبار ان مؤسسات الدولة قد إنهارت عام1991 وتحتاج إلي إعادة التأهيل عبر بناء قوات للأمن ومايتطلبه ذلك من أموال وتسليح وتدريب، إلي جانب تأهيل بقية القطاعات بالدولة المنهارة.فقد ساهمت البعثة الأزهرية المصرية في تعليم الصوماليين العلوم الدينية، حيث كانت ثاني أكبر بعثة مصرية في الخارج بعد بعثة السودان. وبلغت أهميتها درجة أن ميزانيتها كانت تعادل ميزانية وزارة التعليم الصومالية في الستينيات. وتراكم النفوذ المصري ثقافيا في الصومال عبر تلقي آلاف الصوماليين تعليمهم في مصر، وهو رصيد مازال متواصلا عبر الصوماليين الذين يتعلمون في مصر حاليا.وخلق هذا الإرتباط الثقافي والديني تطلعات لدي الصوماليين نحو دور ريادي مصري وعربي في حل مشكلتهم. لذلك ليس غريبا أن تكون مصر علي رأس الدول التي زارها الرئيس الصومالي خلال المائة يوم الأولي من توليه الحكم.فهذه الزيارة تأتي أيضا للبناء علي رصيد دبلوماسي وعسكري وإنساني بين البلدين. فقد انفردت مصر، بعد إنهيار الدولة الصومالية، بأنها الدولة الوحيدة التي أبقت علي بعثتها الدبلوماسية في مقديشو، بعد أن فر منها الآخرون. وأجرت اتصالات مبكرة للمصالحة بمفردها أو عبر جامعة الدول العربية، حيث كانت مصر تبادر إلي الدعوة إلي عقد الاجتماعات لصالح الصومال وشعبه.والآن يمكن القول باحتمال أن مصر لها علاقات جيدة، سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة، مع أطراف صومالية معارضة لحكومة الشيخ شريف، ما أوجد تلاقيا للمصالح بأعتبار أن الرئيس الصومالي يسعى إلي توسيع قاعدة المشاركة في الحكم بضم أطراف أخري لم تشارك في حكومته.ويساعد علي ذلك أن موافقة البرلمان الصومالي علي تطبيق الشريعة الإسلامية أدت إلي طرح خلافات داخل الصومال حول طريقة تطبيق الشريعة، وهل تكون بالتدرج أم مرة واحدة، وكذلك تفسير النصوص الدينية، حيث يطرح جانب من المعارضة الصومالية رؤية تمثل إنتقالا فجائيا لشعب، يوصف بالتدين، من مرحلة يري فيها أن الطرق الصوفية جيدة إلي مرحلة تمنع فيها فجأة زيارة الأضرحة وأكل القات، وهو نبات منبه إلي درجة المرض. وهنا يمكن أن تفيد البحوث في الأزهر, التي تعكس تجارب شتي في العالم الإسلامي، في تقديم رؤية لكيفية تطبيق الشريعة بما يمنع إزدياد العنف والتناحر.وعلي المستوي الأمني، فإن مصر ساهمت تاريخيا في دعم الجيش والشرطة في الصومال, ولديها من الخبرات مايمكنها من مساعدة حكومة الشيخ شريف في تأهيل القوات الصومالية الجديدة بحيث تستطيع القيام بمهامها البرية والبحرية والجوية بالقدر الذي يحقق مصالح مصر في كبح مخاطر القرصنة. ومن هنا تظهر أهمية مشاركة مصر في مؤتمر الدول المانحة للصومال قريبا.فالقرصنة لاتهدد السفن المصرية، التي وقع بعضها ضحية للقراصنة فقط. فهي تهدد موارد مصر من قناة السويس التي تسهم مع خليج عدن المواجه للصومال في توفير طريق قصير للسفن التي تنقل السلع المختلفة. ويترتب علي ذلك توفير دخل هام لمصر من عائدات قناة السويس. فالواضح أن دور الأساطيل الأجنبية لوقف القرصنة أقل فاعلية من دور الحكومة الصومالية القوية المسيطرة علي برها ومياهها الإقليمية. ويمكن أن تساهم مصر بمصداقيتها وباتصالاتها مع دول العالم في توفير الاستقرار داخل الصومال عبر إيجاد بدائل لسبل العيش الكريم في المناطق التي تنطلق منها عمليات القرصنة, كذلك الامتناع عن الصيد في المياه الإقليمية الصومالية وهو أحد دوافع القرصنة.ويحضرني في هذا الصدد ماهو مطروح حاليا من أفكار بشأن إيجاد عملية لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في الصومال. وهذه العملية قد تستند إلي عملية الاتحاد الإفريقي القائمة حاليا. وتصادف أن قوات الاتحاد الإفريقي تحرس حاليا المنشآت الحيوية نفسها التي كانت تحرسها القوات المصرية في عملية الأمم المتحدة بالصومال في أوائل التسعينيات. وحظيت القوات المصرية ـ حينذاك ـ بتقدير كبير من الشعب الصومالي لدورها في تقديم المعونات الغذائية والطبية وحفاظها علي تقاليد الشعب العربي المسلم, وهو أمر لاتحظي به قوات الاتحاد الأفريقي حاليا. وهنا أريد القول أن ذلك يعني أن أية مشاركة مصرية في تدريب الصوماليين ستكون محل ترحيب.أما علي المستوي الإنساني، فإن مصر مازالت تستقبل أبناء الجالية الصومالية، ولو كانت هناك بعض المشاكل فإن الجانب الصومالي يكون مساهما فيها. وبناء علي ذلك، فإن زيارة رئيس الصومال تؤكد مواصلة مصر لدورها في إعادة بناء الدولة الصومالية. [c1]*عن/ صحيفة (الأهرام ) المصرية[/c]