سطور
سحر صالح صقرانأقرب إلى الموسيقى منه إلى الوجه اللطيف، حركتني رياح الشمال القادمة من بعيد ومشاعره الدفينة خلف سور من المظاهر والأشخاص، رغم ذلك لم تمنعني الأسوار من قراءة الابتسامة التي شقت طريقها بكل وقار وظهرت كالهلال متخطية أشياء كثيرة ذلك أنها كانت تحمل مشاعر صادقة وأحاسيس رقيقة، حتى الآن تعيش عيناي وجوارحي لحظة الانبهار بضوئها أما مشاعري فمن الصعب علي في سني الصغيرة هذه أن أترجمها وربما لا تكون العقبة في سني فعمري ثلاثة وعشرون عاماً، بل قد تكون المشاعر ذاتها كبيرة، كنت أقول في سري: أيها الكبير الماثل أمام مشاعري دون الإحساس بها، أمثل في حضوركم صغيرة غائبة وتكونون في غيابي الحياة وكل حقيقة “صائبة..لا تغيبون عني ولو غيبتني عنكم منحنيات المكان والزمن، وأخجل من صوت أفكاري التي قد يسمعها مرهفو الإحساس، ولا أبالي عتاب نفسي أو ثرثرة الناس إن بادلتموني ولو شيئاً من هذا الإحساس، إنما خشيتي أن تعرضوا عني إذا ما ظهر مني سري ففصحته عيناي أو باحت به تعابير وجهي والابتسامات أو حيرة أصابعي والخطوات.خطوت نحوه مسافات “ومسافات، بضع خطوات” تضمر في طياتها أسفاراً وحكايات. حين رآني أول وهلة كانت تغطي وجهي بعض من المخاوف والسحابات السوداء، وأظنه لم يرني، ذهب إلى الناحية الأخرى فجأة، فتحطمت بين يدي كؤوس زجاجية فبللهما الخجل الذي خفت أن ينكسب، لقد كانت الفرصة الأولى والوحيدة كما ظننت لأصل إليه فاستعرت من يأسي قدراً من الجرأة والشجاعة لا أدري كيف حصلت عليها وكأن جسدي استنشقها من الهواء فاندفعت إليه مرة أخرى لكنه أستدار حين رآني قادمة، وقفت وقد خيبتني آمالي وأكمل هو حديثه مع سحابات سوداء أخرى وسط حشود متفرقة من الأسماء والناس، نسيت لحظتها كل من أعرف في القاعة وتراءى لي أن الناس جميعهم يضحكون مني وبداخلهم يشفقون علي. لقد رآني لحظتها حين كنت في عالم فارغ .. رآني، حين كنت حتى لا أراه..رآني. نعم سار والقدر نحوي .. دنا مني وحدثني، لم أنتظر حتى يتلاشى الموقف سراباً، وقفت أمامه أشرح له أمور مسألتي ولم أنتبه أني كدت ألتصق ببذلته، لم أكن أرى سوى عينيه اللتين أشار إليهما بإصبعه وكأنما أشار إلى جنتين، أخرج من جيبه قلماً وكتب على دفتري رقم هاتفه رقماً رقماً ورسم تحته خطين طويلين، طويلين يمتدان من كل نقطة إلى كل أتجاه، أخذته من يده واحتضنته وضممته، إلى صدري ليقرأه قلبي فيحفظه، فتح هنا باب صغير من أبواب الجنة في جحيم الدنيا الهائل فكان غيثاً وأمطاراً، رياحاً وأشجاناً، كان قدراً وإحساناً أهدته السماء لصغيرة مثلي رمته قطرة على رأسي سراجاً في قلبي سروراً في دمي ودروباً في شراييني، كان خلوداً باقياً في روحي .. مزيجاً من الحقيقة والخيال.رأيت في حلمي أنه يقول لي أنه ليس غاضباً مني ورأيت أنني ألتقط من شفتيه حلو منطقه وعذوبة صوته، تحققت كل أحلامي حتى التي لم أرها في منامي ولم ترد إلى خيالي وليس أجمل من أيامي المتبقية ما دمت بالقرب منه وإن لم يكن بالقرب مني فأنا من أحمل الحب وليس هو من يحملني وليته كان يحمل. حملته طائرة وغادر المدينة، رحل ولكنه لم يرحل من مدينة قلبي، يتجول في شوارعها ليلاً ونهاراً .. صيفاً وشتاءً سواء أكنت نائمة أم مستيقظة ومادام في قلبي فما أجمل النوم وما أجمل اليقظ