جدتي من أبث بعدك شكواي؟طواني الأسى وقل معينيأنت يا من فتحت قلبك بالأمس لحبيأوصدت قبرك دونيفقليل على أن اذرف الدمعويقضى على طول أنينيفي هذه الايام تمر علينا ذكرى وفاة الشاعر الكبير بدر شاكر السياب (1926- 1964م) والتي صادفت يوم 24 ديسمبر بعد رحلة حياة مريرة اتسمت بالكفاح والعطاء الادبي ووضعته في طليعة رواد حركة الشعر العربي الحر، حيث يعد السياب من أوائل الشعراء العرب الذين جددوا في الشعر العربي وأغنوا القصيدة العربية الحديثة، مع نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدر وآخرين، وقد مثلت حياته الغنية بالالم والعوز والغربة والفراق قمة المعانات أو المأساة الدرامية، وقد كانت قصائده كلها تؤخذ كمأساة درامية متكاملة تنمو وتتصاعد نحو ذروة من ذرى التجربة الانسانية الرامزة الى الحياة البشرية في ربع قرن من الزمان مفعم بالاحداث والآلام.ولد الشاعر بدر شاكر السياب عام 1926 في قرية جيكور على الفرات، قرب مدينة البصرة جنوب العراق. تنقّل بين جيكور وأبي الخصيب والبصرة ثم بغداد لاستكمال تعليمه وتحصيله الدراسي ليتخرج من دار المعلمين في بغداد في منتصف الأربعينات، حيث كانت بغداد تعيش كباقي العواصم العربية انعكاسات الصراعات العالمية أثناء الحرب الثانية. دخل السياب معترك الحياة السياسية وعانى منها الكثير فقد دخل السجن مرات وطرد من الوظيفة ونفي خارج البلاد.صدرت مجموعته الأولى ¢أزهار ذابلة¢ عام 1947 في القاهرة وكان كتب في منفاه أجمل قصائده ومناجاته الشعرية غريب على الخليج وصهرت هذه المرحلة شعره ليتبلور فيها صوته وتكتمل أداته ويكتب ذروة نصه الشعري الذي صار يتميز به بعد رحيله. زار بيروت عام 1960 لطبع ديوان له، وقد ساهم في هذه الفترة في الحركة الشعرية والثقافية المتمثلة بصدور مجلة شعر وحوار والآداب.وفي هذه الفترة بالذات تدهورت صحته وصار يتنقل بين بيروت وباريس ولندن وراء العلاج وكان جمسه يهزل أكثر وأكثر حتى انكسر عظم ساقه لهشاشتها. شكلت هذه السنوات الأخيرة بين 1960 - 1964 مأساة السياب الصحية والاجتماعية حيث عانى من الموت يحمله بين ضلوعه في المنافي وليس لديه الاّ صوته ومناجاته الشعرية ممزوجة بدم الرئة المصابة، حتى مات مسلولا في يوم 24/12/1964 في المستشفى الأميري في الكويت.وجدير بالذكر أن ترتيبات خاصة قد اتخذت قبل ذلك لمعالجة السياب في الكويت وذلك أن شاعرنا الكبير علي السبتي أدام الله شريف بقائه كان قد نشر نداء موجها لوزير الصحة الكويتي آنذاك عبداللطيف محمد الثنيان يناشده فيه معالجة بدر في الكويت على حساب الحكومة الكويتية فرحب وزير الصحة بذلك وكان معجبا بشعر بدر فاتخذت الترتيبات لأن يجئ بدر الى الكويت بالطائرة ليعالج في المستشفى الأميري. وفي 6 يوليو طار بدر شاكر السياب الى الكويت على احدى طائرات الخطوط الجوية العراقية وكان وحده. فاستقبله في المطار الكويتي صديقه علي السبتي مع أصدقاء آخرين. وادخل المستشفى الأميري في الحال ووضع في غرفة خاصة و أحيط بكل عناية واهتمام. غير أنه لا عناية ولا اهتمام مهما حسنا كان بامكانهما أن يعيدا الصحة لبدر، فقد كانت صحته في تأخر وانحدار متزايدين، وكان التصلّب يسوء صعدا في نخاعه الشوكي ويزيد في افساد وظائف جهازه العصبي، وساءت حالة قرحته السريرية بفقدان الاحساس في جذعه الأسفل وعدم قدرته على السيطرة على البراز والبول وكانت رجلاه الضامرتان بلا قوة، وقد أدى عدم استعمالهما الى بداية فساد في العظام نفسها ولكنه كان متمالكا لجميع قواه العقلية، ولم يكن في حاجة لأن يقول له أحد أن أيامه كانت معدودة. لماذا اذن اذلال الجسد، ولماذا آلام الروح؟ ليأت الموت سريعاً، وليأت فجأة.وعلى الرغم من ان حياته لم تمتد طويلاً الا انه ترك وراءه ثروة شعرية أحدثت انعطافاً كبيراً في مسار القصيدة العربية وتمثلت في الدواوين والاثار الادبية الآتية:.أزهار ذابلة، أساطير، أنشودة المطر، المعبد الغريق، شناشيل بنت الجلبي، منزل الأقنان، اقبال، قيثرة الروح، أعاصير البواكير.لقد لقي أدب السياب اهتماماً كبيراً من لدن النقاد في الوطن العربي والعالم وترجمت قصائده الى مختلف اللغات الاجنبية، وقدمت على الدراسات النقدية الكثيرة وادرجت قصائده في المناهج التعليمية ونال عدد من الباحثين شهادات عليا لرسائل كتبت عن حياته وقصائده.يمثل بدر شاكر السياب، على أية حال، مشروعاً يظل منفتحاً على امكانات ضخمة للشعر العربي الحديث، فقد كان هذا الشاعر اشارة عريضة وأخّاذة الى أفق كان لا يزال بعيداً. لقد استطاع، في أحيان كثيرة، أن يلمس حدوداً جديدة، وأن يشير الى حدود أخرى لم يمهله عمره القصير للوصول اليها.
|
ثقافة
ذكرى بدر شاكر السياب شاعر «أنشودة المطر»
أخبار متعلقة