محاضرة ألقيت في تدشين البرنامج الثقافي لجامعة عدن يناير ـ يونيو 2007م
عرض/ محبوب عبدالعزيز / تصوير: محمد علي عوض:دشنت جامعة عدن في منتصف شهر يناير الجاري برنامجها الثقافي للفترة يناير - يونيو 2007م بحضور الأخ أحمد محمد الكحلاني محافظ عدن وعدد من الدبلوماسيين والمفكرين وأساتذة الجامعة والأدباء والكتاب اليمنيين.ويتضمن البرنامج الثقافي لجامعة عدن إلقاء نحو خمسة وأربعين محاضرة وإقامة ست ندوات بمشاركة مختصين من داخل المؤسسة الأكاديمية وتتوزع فعالياته على كليات الجامعة في محافظات عدن/ لحج/ أبين/ الضالع/ شبوة في هذه التناولة نستعرض شذرات من محاضرة الدكتور عبدالوهاب راوح التي حملت عنوان (علاقة المعرفة بالمنتج ـ مراجعات في المنهج) وذلك لأهمية ما ورد فيها..استعرضت المحاضرة مشهد المعرفة كما يتمثل في السياق المعرفي بارتباطاته وولاءاته الايديولوجية وهدفت إلى الإسهام في تلمس الاسباب المساعدة على تحقيق استقلال رسالة المعرفة والتعليم وتحريرها من الارتباطات غير المعرفية حيث تم التعامل مع السياق المعرفي عند اتباع الإجراءات المنهجية على انه سياقان احدهما معرفي ملتزم والآخر معرفي مستقل، كما تم اعتبار السياق الثقافي وتم اعتبار كل سياق مقابلاً موضوعياً للآخر في حين ان المعرفة التي يولدها كل سياق منهما تختلف عن الأخرى في طبيعتها وخصائصها "الماهوية" وحسب معظم الدارسين فان الورقة المقدمة للبرنامج الثقافي قد ميزت بين الدورة والنظام السياسي وتعاملت مع التجربة المعرفية العربية والإسلامية على انها تمثل سياقاً معرفياً واحداً حيث لم تنل التقسيمات القطرية من المشترك المعرفي والحال نفسه مع المشترك السياسي وكذا الثقافي العام.[c1]* الأطراف والفئات[/c]ونوه د. راوح في سياق محاضرته إلى أنه بالنظر إلى هذا الحوض المعرفي في بلادنا العربية نلاحظ أن أطرافاً مختلفة "مؤسسات وأفراد" ساهمت في إنتاجه وصنف هذه الأطراف من حيث معيار الهدف والغاية المنشودة من إنتاج المعرفة الى فئتين أرادات الأولى تأمين الغطاء المعرفي الحامل والحامي والمديم لمشروعها وشرعيتها ومصالحها وتلتقي مع هذه المعرفة تلك المعرفة التي اراد بها منتجها تنمية المعرفة بعيداً عن الفئوية غير أنها صادفت في طريقها ظهور نظام سياسي وجد فيها مشروعاً قابلاً لان يستمد منه مشروعيته في الحكم والبرنامج والبقاء فتبنى تلك المعرفة بنقلها من تربتها الطبيعية ليستنبتها في العقل وتنزل إلى الناس برداء رسمي وبذلك تتحول من اطروحة إلى طقس واجب القبول والتسليم به "أو تحولت لدى الاتباع إلى معرفة موظفة في خدمة الجماعات الواعية بذاتها التي نصبت خيامها حولها واعادت هيكلتها بما يجعلها مستجيبة لمصالحها المشتركة .. أما الفئة الثانية فأرادت بمساهمتها خدمة المعرفة ذاتها حيث الغاية تتجاوز الذات إلى المصلحة العامة ولا تصدر عن رغبة جماعة واعية بمصلحتها.وقال راوح ان بلادنا العربية تضم في حوضها المعرفي سياقين احدهما ملتزم وآخر مستقل إلى جانب السياق الثقافي وعرف السياق السياسي بأنه تلك الأرضية أو البنية العميقة التي تستوطن قاع الخطاب محوراً له لينتهي إلى بناء ظاهره معرفة وباطنه سياسة، وأكد ما ذهب إليه تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003م من أن الصراع المعرفي في الوطن العربي صيغة للصراع حول السلطة بينما الطبيعة المعرفية هي أساس الصراع السياسي، وضرب نماذج للأطراف المنتجة لتلك الخطابات الملتزمة ومن أبرزها:[c1]أ) النظام السياسي[/c]بشقيه الديمقراطي وغير الديمقراطي المتغايرين كون النظام الشمولي منتجاً للمعرفة والديمقراطي راعياً لها لتتولى انتاجها المؤسسات المستمدة مشروعيتها من استقلالها عن النظام ومن أمثلة ذلك خطابي الثورتين البلشفية والفرنسية، ففي الأولى كان الحكم منتجه والشعب مستقبله، وفي الثانية العكس لهذا كانت ثورة القصر على الشعب نتاجاً للخطاب الأول بينما أدى الخطاب الثاني إلى ثورة الشعب على القصر.وكانت كل الخطابات التي سادت بعد الاستقلال في الوطن العربي قد حظيت بالاعتماد المرجعي لهذا النظام أو ذاك في إدارة الشأن العام عدا الخطاب الديمقراطي الذي شكل نقطة تقاطع لامع مصالح تلك الخطابات، كما أن مساعي التميز والإبداع يعوقها السياج الثقافي الحارس للخطاب بما يعني ان أي نظام سياسي لا يمكنه أن يدعم المعرفة المتجهة نحو الأمة إلا إذا كان ينتمي معرفياً ومؤسسياً إلى الأمة وهو لا يتحقق في غير التجربة الديمقراطية التي تنفرد بامتياز في احتكار بناء دولة المؤسسات ومن ثم تأمين المناخ الآمن للتميز والإبداع.[c1]ب) الرباط الصوفي[/c] ويغترف من نفس المعين المنتج للمعرفة الموظفة في خدمة الذات المنتجة وهو معين بناء الرمزية في شخص منتجه وناقله (القطب) الإمام أمير الجماعة ويقوم مركزه على من مَن تؤخذ المعرفة وبهذا أسس مدخلاته في اكتساب الرمزية الدينية واحتكارها وعلاقة رموزه بالمعرفة في علاقة تحصيل لا علاقة إنتاج، وتمكن هذا الرباط من بناء خطاب معرفي بجهاز مفاهيمي هائل يجمعه مشترك الإحالة إلى ذاته لا إلى الاشياء وبذلك يكون رأسماله قائماً على اقصاء العقل والتفكير فيما يتعارض سلفاً وبيئته مع التميز ـ الإبداع.[c1]ج) الرباط الإسلامي[/c] وفيه قال د. عبدالوهاب راوح إن الإسلام دين مصدره نص إلهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وسنه لا ينطق صاحبها عليه الصلاة والسلام عن الهوى وقارئ هذا الدين واحد من اثنين الأول يبتغي تحصيل المعرفة وإنتاجها أما الثاني فهو الصادر عن خلفية زائفة هي الإطار المرجعي المسبق لتخليق قراءته حيث ينتقل صاحبها بين الآيات الكريمة ينتقي منها ما يلقي عليه حمولته الجاهزة وتنتمي إليها القراءة الفسطاطية حيث الفتنة والتأويل هو المحرك الخلفي للقراءة مع وجود قراءات جادة أيضاً بريئة من هاجس الفتنة والتأويل.[c1]د) الرباط السلفي[/c] ويقوم مركز الخطاب فيه على سؤال الشريعة الحاكمية وهوية الأمة وقد حول هذا الخطاب الفقه من حقل معرفي اجتهادي مفتوح إلى حقل مغلق على العقل مفتوح على النقل وتأسيسه على نمط حياة فئة معينة بذاتها.والخطاب السلفي السائد اليوم هو خطاب الولاء والبراء.السمات الجوهرية للمعرفةوأوضح د. عبدالوهاب راوح رئيس جامعة عدن أن للمعرفة جذراً مؤسساً لتداعيات واعراض عديدة يتمثل في اسبقية المصلحة رحماً لتخليق المعرفة وان من هذا التخليق جاءت تلك المعرفة لتحمل سمات أساسية غير سماتها التي تتسم بها في حال إنتاجها في الرحم الطبيعي.أما السياق الثقافي المعرفي فقد تطرق إليه بقوله÷:إن للثقافة سلطتها في التأثير على رسالة المعرفة لان الثقافة لا تنتج المعرفة وإنما تؤثر فيها والتأثير قد يكون في مرحلة الإنتاج أو النقل وتلتقي الثقافة مع المصالح المضمرة وراء انتاج المعرفة حين تنصب شبكتها حائلاً ووسيطاً بين الذات والموضوع فتصبح الذات ترى الموضوع من خلالها وبتحكم هذه الشبكة في مدخلات التفكير كوسيط منهجي خادع تنتهي مخرجات التفكير والقراءة نحو تعزيز وترسيخ سلطة الثقافة بما يجعل كلاً من الثقافة والايديولوجيا تصدران في انتاج المعرفة ونقلها من مشكاة واحدة هي خدمة الذات المنتجة للخطاب، حيث تقوم الثقافة بدور المرجعية الجاهزة في التعامل مع ما تستقبل من خارجها والدور نفسه تقوم به الايديولوجيا التي تحتل موقع العقل في الإنسان باعتباره المكان الذي تجري فيه عمليات التفكير.وهناك السياق المعرفي المستقل الذي اختتم به الدكتور عبدالوهاب راوح محاضرته القيمة وعرفه بأنه ذلك المنتج المعرفي المجرد من الولاءات المباشرة غير المعرفية لدى منتجه وذلك بأن تم فيه انتاج معارف لا تحكمها سوى عواملها الداخلية ممثلة بشروط إنتاجها وشروط قراءتها ولهذا السياق مشكلاته ذات الطبيعة المعرفية حيث ان تأثيرات سلطة الثقافة والايديولوجية فيه تعد مشكلة معرفية على عكس تأثير المصلحة التي تعد مشكلة غير معرفية.