الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة في الوطن العربي .. الواقع والتحديات
أعدها للنشر / بشير الحز مي:لقد مثل الإجماع على تعريف الصحة الإنجابية في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد في القاهرة عام 1994 م خطوة هامة للبدء بترجمة توجهاته نحو خدمات تقدّم في هذا المجال. وقد عرفت الصحة الإنجابية : “ بأنها حالة متكاملة من الصحة الجسدية والعقلية والاجتماعية ، وليست تعبيراً عن غياب المرض فقط بكل الأحوال والأمور المتعلقة بالجهاز الإنجابي ووظائفه “ وقد أسس تعريف الصحة الإنجابية هذا نقلة منهجيّة وبدائل لبرامج تنظيم الأسرة السابقة، والتي كانت تتركز أساساً على تحقيق الأهداف الديموغرافيه بشكل أفقي، بينما أكد هذا المؤتمر ضمن خطته التنفيذيّة على أهمية ومحورية تنظيم الأسرة ضمن رعاية صحيّة جنسيّة وإنجابيّة متكاملة. ولا بدّ أن يصاحبه تطوّر في تفكير مقدّمي الخدمة. ويتطلّب هذا الفهم الجديد المنهج المتكامل ويركّز على نوعية الخدمات، واحتياجات الفرد على أن تكون صديقة للشباب والشابات وخصوصا قضايا المرأة ومتضمنة لاحتياجات الرجال والنساء في مراحل العمر المختلفة، والتأكيد على رؤيا معرفية بقضايا حقوق الإنسان، حقوق المرأة، وحق الإنجاب .[c1]عناصر أساسية[/c] وهكذا تصبح العناصر الأساسية لهذه الرؤيا وهذا الفهم الجديد أساساً للنوع الاجتماعي / السكان / برامج التنمية وبرامج الصحة الإنجابية ، وتتضمن الأمور التالية: 1ـ الحفاظ على حقّ المرأة بتقرير خصوبتها وذلك من خلال حقوق المرأة وحقوق الإنسـان وبرامج تنظيم الأسرة وصحتها الإنجابيّة وحقوق المرأة الجنسية، والتي تعني حقها في ضبط وتسيير هذه القضايا من أجل الحفاظ على صحتها وخاصة معدل خصوبتها (أساس تمكين المرأة ) . 2ـ تمكين المرأة : في الوقت الذي تمّ التوجه الدولي فيه نحو دعم المرأة في المناصب العليا ومراكز صنع القرار، كذلك يجب النهوض بالنساء اللاتي يشغلن مناصب أدنى. ( إن عناصر العدالة والقضاء والديمقراطية والديمومة هي من أهم العناصر لدعم المرأة وتمكينها وتطورها). 3ـ تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين : إن توفير الفرص المتكافئة بين الجنسين يتطلب أن يكوناً بنفس الدرجة من التساوي منذ الطفولة. وعندما تكون الأوضاع غير متكافئة بينهما، فإن تعرضهما للمعرفة والإطلاع في المجتمع لن يكون مماثلاً. وتحقيق معاملة خاصة، واتخاذ خطوات إيجابية بما يتوافق واحتياجات المرأة وظروفها يتطلّب تمييزاً إيجابياً لصالح المرأة، ويجب أن نسعى للتمييز لصالح المرأة. وهذا يعني تعديل القوانين والتشريعات بما ينصف المرأة في الأمور المتعلقة بها وبحياتها. فمثلاً الأمور المتعلقة بالصحة الإنجابية حيث تشارك المرأة وتقوم بالجزء الأكبر بما في ذلك من مخاطر وأعباء جسدية وعقلية واجتماعية واقتصادية، وغيرها؛ فلا بد أن تعطى مساحة أكبر من حق أخذ القرار وضبطه. إن الإصرار على المساواة المطلقة بين الجنسين ليست دائماً هي العدل والإنصاف .4ـ إزالة كافة أشكال العنـف ضد المرأة : والمتمثلة في العنف القائـم على النوع الاجتماعي والعنف ضد المرأة والعنف الجنسي الذي يعتبر مشكلة عامة ومنتشرة ( منظمة الصحة العالمية / مكتب الشرق الأوسط الإقليمي ) وعنصر أساسي تكميلي للصحة الإنجابيـة ( صندوق الأمم المتحدة للسكان 1999 ) .[c1]الصحة الإنجابية .. وضعها وتحدياتها.[/c]لقد طرأت تغيرات إيجابية ونتائج متطورة على صحة المواليد والأطفال وتوقعات الحياة في كل الدول العربية، وقد أدت الاضطرابات والحروب في بعض الدول المقاطعة بسبب دواعي الحروب إلى مستويات مختلفة ومتباينة بين الدول نفسها. وقد أدى الانخفاض في معدل الوفيات إلى ترك انطباع جيد؛ حيث انخفض من ( 16.6 ) وفاة لكل ألف شخص في السبعينات إلى ( 8.9 ) وفاة لكل ألف شخص في 1998. كما طرأت تحسينات خلال العقود الثلاثة الأخيرة على الخدمات الصحية أدت بالتالي إلى ارتفاع توقـع الحياة إلى ( 60 ) عـام ( مع بعض الاختلافات بين الدول ). وبلغ تسجيل الطلاب في المدارس الابتدائية( 100 %) في معظم الدول العربية، وسجل محو الأمية عند الكبار إنجازات هامة. وعلى الرغم من هذه الإنجازات؛ لا يزال نحو ( 70 ) مليون عربي أكثرهم من النساء الريفيات أميوّن لا يعرفون القراءة ولا الكتابة. وهذا بدوره يشكل علاقة عكسيّة بين مستويات الخصوبة، ووضع المرأة والصحة العامة. فمعدل الخصوبة يتدنّى، ولكن لبس بنفس السرعة التي في أمريكا اللاتينية وآسيا. وفيات الأمهات .أن أكثر من نصف الدول العربية تعاني من مستويات عالية لوفيات الأمهات (أكثر من 75 وفاة لكل 100.00 ولادة حيّة ). وأكثر من ثلث الدول العربية تعاني من معدلات أعلى من (200 ) حالة لكل (100.000 ) ولادة حيّة. دولتان عربيتان فقط نجحتا في تقليل هذه النسبة وهما الكويت والإمارات العربية المتحدة لتصل إلى ما هو مقارب للمعدلات الدولية ( ليس أكثر من 5 حالات بين 100.000 ولادة حيّة ) بالإضافة إلى نسبة عالية من الكفاءة والمهارة والخدمات الطبية للحوامـل بلغت (95 %) أو أكثر . بينما استطاعـت دول خليجية أخـرى من تحقيـق مستويات أقل تطـّور (10 ـ20 وفاة لكل 100.000 ولادة حيّة).واستناداً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية حول معدل الوفيات للأمهات، تتضح المفارقة الكبرى بين الدول الصناعيّة والدول النامية، فالمرأة في الدول النامية احتمال تعرضها للوفاة ثلاث مرات أكثر بسبب الحمل عن المرأة في الدول الصناعيّة، ومن هنا وضعت الدول العربية على قائمة الدول النامية فيما يتعلّق بوفيات الأمهات.[c1]أسباب وفيات الأمهات[/c]إنّ (99 %) ، وبما يقـارب (585.000 ) حالة وفـاة سنوية للأمهات هي في الـدول النامية، بما فيها الدول العربية، حيث مشاكل الحمل والولادة تأخذ حياة أم من بين كل (48) أماً، ومعظم هذه الوفيات يمكن تجنبها. فهناك أربع مشاكل شائعة وبالغة الأهمية؛ إذا تمّ التأخير في اتخاذ قرار بشأنها شكّلت خطورة بالغة على حياة الأم الحامل وهي :•التأخير في التعرف على وجود مشكلة تتعلق بالحمل والولادة، •التأخير في اتخاذ القرار بالتدخّل الطبّي.•التأخير في قرار نقل المرأة لموقع الخدمات الصحية. •التأخير في الوصول إلى هذه الخدمات.وعليه، فإن وجود ترتيب على مستوى المجتمع المحلّي بهدف تأمين سهولة المواصلات إلى مراكز الأمومة والطفولة والخدمات الصحية؛ أمر بالغ الأهمية في الحفاظ على حياة الأم وسلامتها. وتعود أسباب الوفاة للأمهات في الدول النامية إلى : تعفن الدم ـ تشنّج الولادة ـ النزف ـ عسر الولادةـ مشاكل الإجهاض. إلاّ أن معظم الوفيات تندرج بسبب النزيف الناجم عن الحمل الخارجي ـ انسداد الأوعية الدموية ـ ضغط الدم الناتج عن الحمل ـ ومشاكل التخدير .تكمن كيفية الحدّ من هذه الوفيات في توفير خدمات جراحة الولادة الطارئة المزودة بعلاج حالات النزيف، الالتهابات، ضغط الدم، والولادة المتعسّرة. كما أن وسائل إنقاذ الحياة مثل نظام التحويل للمستشفيات والمضادات الحيوية والجراحة ليست متوفرة لنساء كثيرات في الدول العربية، خاصة اللواتي يعشن في الريف. واستناداً لمعدلات تغطية الخدمات الطبية؛ فإن النسـبة تتراوح بيـن (100 %) في دول الخليج وبين (20 %) في الصومال. فكلّما قلّت نسبة التغطية الطبيّة للسكان كلما اتسعت الفجوة بين سكان الحضر والريف بالنسبة للحفاظ على حياة المرأة فيما حول الولادة.[c1](يتبع الأسبوع القادم)[/c]