تنامي ظاهرة الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر في اليمن.. الأسباب والمعالجات
استطلاع/ بشير الحزميتعتبر الهجرة الداخلية غير المنظمة أحد أبرز المشاكل السكانية التي تعاني منها بلادنا، خصوصاً وأنها تأخذ في معظمها خاصية الاتجاه الواحد من الريف إلى المدينة مما ضاعف من تفاقم آثارها السلبية على الريف والمدينة على حد سواء، حيث انعكس ذلك على واقع حياة الفرد والمجتمع بصورة مختلفة مثل انخفاض نسبة الخدمات وتدهور مستوى أدائها بصورة مضطردة، وانخفاض مستوى دخل الفرد وانتشار البطالة، وتدهور الأراضي الزراعية والصناعات التقليدية والحرفية، بالإضافة إلى أنها قد أوجدت خللاً واضحاً في الخطط والبرامج التنموية في البلاد..صحيفة (14 أكتوبر) تستخلص من خلال هذا الاستطلاع الذي شمل آراء عدد من المسؤولين في الجهات ذات العلاقة والمهتمين أسباب تنامي ظاهرة الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة والآثار المترتبة عنها والمعالجات الممكنة للحد من تناميها.. وإلى التفاصيل :في البداية تحدث الأستاذ/ محمد علي الوحيشي وكيل أمانة العاصمة المساعد عن هذه الظاهرة وقال إن ظاهرة الهجرة الداخلية ستظل تتنامي باضطراد ما بقي الإنسان في هذه الحياة ولأن الحاجة وتبادل المنافع سمة من سمات العنصر الإنساني وجزء من تفاعله الاجتماعي والتكاملي في شتى مناشط الحياة، ولكن الازدياد المضطرد للهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر جعل ذلك أمراً خطيراً ويجب البحث عن حلول ناجمة للموازنة بين توزيع احتياجات أفراد الأسرة وتلبية طموحات وآمال أبناء الريف وهذا ما تضمنه برنامج فخامة الرئيس الانتخابي ووجه الحكومة به.وأضاف أن أسباب تنامي هذه الظاهرة كثيرة ومتشابكة وكل سبب يجده يقود إلى الهجرة بقصد المنفعة كهجرة مؤقتة أو اضطرارية، وان من أهم تلك الأسباب هو البحث عن فرص عمل لإعانة الأسرة، عزوف الشباب عن الاشتغال بالزراعة والرعي والصناعة التقليدية، شحة الأمطار وتذبذبها من موسم لآخر مما يقضي على أمل المزارع في محصول وفير يسد حاجة أفراد أسرته، مواصلة التعليم في الجامعات والمعاهد المتخصصة في المدينة، غلاء المعيشة والعدد الكبير لأفراد الأسرة الواحدة، غلاء المهور سبب آخر للهجرة من الريف إلى المدينة للإيفاء بمطالب العرس، قلة الوعي لدى معظم الأسر في الريف بأهمية الأرض الزراعية والثروة الحيوانية.وعن آثار هذه الظاهرة على الريف والحضر يقول وكيل أمانة العاصمة المساعد إن أثرها على الريف يتمثل في ترك الأرض الزراعية بدون رعاية واهتمام، اتساع رقعة الأرض البور بدون استفادة، تعثر المشاريع بسبب عدم وجود الشباب الطامح والفاعل في الريف، عدم وجود وظائف وفرص عمل حقيقية للمختصين من أبناء الريف في أريافهم، نسيان المشغولات اليدوية الريفية كصناعة الفخار وأعمال العزف اليدوية التي تتميز بها الأرياف، زيادة نسبة الأمية والجهل لأن الأطفال في سن المدرسة يتركون مدارسهم للبحث عن عمل مساعدة أسرهم وإعانتها.أما أثرها على الحضر فيتمثل في زيادة عدد الشباب في المدينة بشكل مضطرد مما يسبب خللاً في عملية البناء والتنمية والاهتمام بالمشاريع النوعية، زيادة الزحام الخانق في الشوارع، غلاء السكن، البناء العشوائي في الأماكن غير المخططة، صعوبة توفير الخدمات إلى المساكن العشوائية لأنها ليست في مكان واحد، انتشار المشاكل الصحية، انتشار ظاهرة التسول في الشوارع وزيادة الباعة المتجولين واستغلال أرصفة الشوارع لبيع المعروضات، تضخم في عدد الطلاب في مدارس المدينة وغيرها من الإشكاليات التي تعمل قيادة أمانة العاصمة على تلافيها.وعن المعالجات الممكنة للحد من تنامي هذه الظاهرة يقول وكيل أمانة العاصمة المساعد إن برنامج فخامة الرئيس/ علي عبدالله صالح حفظه الله قد تضمن علاجاً للاستقرار والمواءمة بين توزيع الخدمات والموارد الضرورية بعدالة متناهية من خلال اهتمامه بالتنمية المستدامة للريف والاهتمام بالزراعة وتربية الحيوانات ودعم الزراعة بالآلات الزراعية الحديثة والقروض الميسرة والاهتمام بالأحواض والسدود المائية للاستفادة منها بالزراعة، الاهتمام بالمشاريع الخدمية من طرق وكهرباء ومدارس ومستوصفات وفتح فرص عمل جديدة ووظائف كافية لكل مديرية عن طريق الحكم المحلي واسع الصلاحيات.وأضاف : نحن في أمانة العاصمة ممثلة بالأخ/ عبدالرحمن الأكوع وزير الدولة أمين العاصمة ومعه كل القيادات فيها عملنا على استيعاب الكثافة السكانية بالرغم مما يتكلف الأمانة من أعباء إضافية كونها تضم أعداداً هائلة من مختلف المحافظات، فعملنا على الاهتمام بتوفير الرعاية الصحية للشباب بتطوير الخدمات النوعية في المستشفيات الحكومية والتي تقدم خدمات بسعر رمزي وربما معظم خدماتها مجانية، وكذا الحرص على عدم انتشار البناء العشوائي للمنازل والأسواق، استيعاب أيدٍ عاملة كبيرة في قطاع النظافة للحد من البطالة، التوسع في بناء المدارس لاستيعاب الطلاب، فتح مراكز لإعادة تأهيل المتسولين ليكونوا نافعين ومنتجين، وتشجيع المشاريع الصغيرة ورعايتها، توسيع شبكة الضمان الاجتماعي، توفير الخدمات الأساسية للمناطق العشوائية من صرف صحي ومياه وخلافه.وأوضح أن كل ذلك ليس حلاً طالما وأن قلة فرص العمل في الريف قائمة، فيجب أن تعمل كل محافظة على استيعاب الوافدين من مديرياتها والتشجيع على ذلك، فبناء الوطن في الريف والحضر مسؤولية الجميع وإذا توفر للريف الخدمة والعمل فإن ذلك أجدى وأنفع ويوفر على المدن أعباء إضافية ويساهم في بناء الريف حسب ما هو مخطط له في برنامج حكومتنا الرشيدة.[c1]تأثيرات إيجابية وأخرى سلبية[/c]أما الأخ/ عبد الملك التهامي مستشار الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان فقد تحدث من جانبه حول هذه الظاهرة وقال إن الهجرة الداخلية في بلادنا وخصوصاً من الريف إلى المدينة دوافع عديدة منها ما هو اقتصادي بحثاً عن مصدر رزق أفضل، ومنها ما هو اجتماعي كمرافقة الأهل أو الزوج أو الأقارب، ومنها أيضاً ما هو حياتي لتحسين الوضع المعيشي حيث تتوفر الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والكهرباء والمياه وغيرها من وسائل العيش، بالإضافة إلى دوافع أخرى قد تكون سياسية وأمنية كالهروب من قضايا الثأر أو من مناطق الصراعات أو الكوارث إلى مناطق أخرى آمنة، وكذا دوافع علمية بهدف التحصيل العلمي واستكمال التعليم العالي وخلافه.وأوضح أن الهجرة الداخلية في اليمن قد زادت بصورة كبيرة وملحوظة منذ بداية هذا القرن وأنها قد تركزت في المدن الرئيسية، وأن لها مزاياها الكبيرة على الفرد والأسرة والمجتمع في المنطقة المهاجر منها والمهاجر إليها، كما أن لها آثاراً سلبية أيضاً على المستوى الجغرافي والفردي والاجتماعي.وأشار إلى أن لهذه الظاهرة العديد من المزايا الإيجابية والآثار السلبية، وأن من تأثيراتها الإيجابية على المناطق المهاجر إليها هو أنه غالباً ما تكون هذه المناطق جاذبة للسكان وفيها فرص متاحة لمزيد من الأيادي العاملة وبالتالي فإنها تجتذب العديد من الأيادي العاملة الماهرة التي تساهم في إحداث التطور والنمو وزيادة الاستثمارات فيها في المجالات المختلفة، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى إنعاش الحياة الاقتصادية والتجارية وحركة البيع وزيادة الطلب على المساكن والخدمات المصاحبة من تعليم وصحة ومياه وكهرباء وطرق وخدمات بيئية، بما في ذلك مساهمتها في انتشار المجتمعات الحضرية وتبادل الخبرات والثقافات بين أفراد المجتمع.أما تأثيراتها الإيجابية على المناطق المهاجر منها فتتمثل في أنه غالباً ما تكون هذه المناطق طاردة للسكان وبها عمالة فائضة تبحث عن فرص عمل خارج الإطار الإداري، بالإضافة إلى أنه قد تحدث تنمية في المناطق المهاجر منها من المدخرات والعوائد التي يرسلها المهاجرون وبما يحدث تحسناً في مستويات المعيشة وظروف السكن والإقبال على التعليم، كما أن التجارب الناجحة للمهاجرين تشجع الآخرين على التأهيل والهجرة أسوة بأقاربهم وأبناء مناطقهم، وأيضاً يزيد التواصل الحضاري والثقافي بين الوحدات، الإدارية المختلفة في المناطق المهاجر منها والمهاجر إليها ويدعم هذا التواصل الوحدة الوطنية بين مختلف أفراد المجتمع.وعن تأثيراتها السلبية يقول مستشار الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان أنه وبرغم الإيجابيات التي تصاحب الهجرة والفوائد التي قد تحصل في المنطقة المهاجر والمناطق المهاجر منها، إلا أن هناك سلبيات عديدة منها ما هو على المناطق المهاجر إليها ومنها ما هو على المناطق المهاجر منها، فأما ما هو على المناطق المهاجر إليها فيتمثل في عدم القدرة على السيطرة على حجم الهجرة الداخلية الذي يؤدي إلى الضغط على الخدمات المتاحة وعجز في إمكانية توفير الخدمات المختلفة، زيادة حجم البطالة، غلاء المعيشة، زيادة الازدحام في الشوارع والطرق والسكن، زيادة الطلب على الغذاء والحبوب والمنتجات الزراعية والثروة الحيوانية في ظل محدودية إنتاجها، بالإضافة إلى تزيين المدن نتيجة محاولة نقل العادات والتقاليد من الريف إلى المدينة، قلة المناطق الخضراء نتيجة الزحف الحضري وبناء المساكن الجديدة على حساب الأراضي الصالحة للزراعة، زيادة المشاكل الاجتماعية، تردي البيئة، وغيرها.أما على مستوى المناطق المهاجر منها فإن أبرز التأثيرات السلبية عليها يتمثل في نقص الأيدي العاملة الزراعية والمهنية، نقص في الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعات اليدوية، تحول الأراضي الزراعية إلى أراضي بور وانتشار التصحر، دخول عادات استهلاكية جديدة بالاعتماد على ما تنتجه المدن واضمحلال دور الأسر المنتجة لغذائها والاعتماد على الذات، التفكك الأسري، تفريغ الأرياف من الشباب الذي يهاجرون إلى المدن بحثاً عن فرص عمل أو لمواصلة التعليم العالي، وغيرها.وشدد مستشار الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان في ختام حديثه على ضرورة وجود أنظمة وآلية لضبط الهجرة الداخلية يما يحقق السعادة للأفراد والأسر وتحقيق النمو المنشود والمحافظة على البيئة السليمة. [c1]ضغط سكاني في الحضر يقابله تخلخل سكاني في الريف[/c]من جهته يرى الأخ/ محمد احمد غثيم مدير عام الإحصاءات السكانية والحيوية بالجهاز المركزي للإحصاء أن هذه الظاهرة أحد العوامل المؤثرة على النمو السكاني وتعكس بصورة أو بأخرى حجم النشاط الاقتصادي والاجتماعي وتتأثر بالتوسع الحضري وزيادة نمو المدن، وقال إن الهجرة الداخلية في اليمن تعتبر من المشكلات السكانية التي تنعكس آثارها على مختلف نواحي حياة الفرد والمجتمع، وأن لهذه الهجرة غير المنظمة بين محافظات الجمهورية آثاراً سلبية على حجم وتوزيع الخدمات في المناطق الحضرية وعلى استغلال الموارد الطبيعية على مستوى الجمهورية، وأن من أخطر الآثار السلبية المترتبة على الهجرة الداخلية في اليمن هي التناقص المستمر لمساحات الأراضي الزراعية وانخفاض مستويات الإنتاج بالنسبة للمحاصيل الزراعية.وأشار إلى أن الهجرة الداخلية في اليمن تلعب دوراً بارزاً في إعادة توزيع السكان إلا أن هذا التوزيع لا يتناسب مع متطلبات التنمية حيث ينتج عنه زيادة الضغط السكاني في الأماكن المستقبلية وهي في الغالب التجمعات السكانية الحضرية الرئيسية، وفي المقابل فإن مناطق الإرسال تشهد تخلخلاً سكانياً ينشأ عنه تخلخل في قوة العمل في هذه المناطق الأمر الذي ينعكس سلباً على الإنتاج في هذه المناطق.وأكد أن مسألة التوزيع الجغرافي للسكان في اليمن تعتبر مشكلة كبيرة تتطلب وضع سياسة وتبني إستراتيجية محددة تهدف إلى تحقيق التوزيع الأمثل للسكان بحيث تتوافر لهم الخدمات الأساسية بيسر وبتوعية جيدة دون هجر الأراضي الزراعية أو تغيير نوع استغلالها.[c1]آثار بيئية واجتماعية خطيرة [/c]بدوره ينظر الأخ/ علي الهيثمي عبدالله أمين عام الاتحاد التعاوني الزراعي إلى تنامي ظاهرة الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة كمشكلة عويصة ومرتبطة بحياة الناس، حيث أن معظم أبناء الريف يفضلون الانتقال إلى المدينة نتيجة لعدة أسباب منها عدم وجود البنى التحتية المتكاملة في الأرياف من حيث المياه والكهرباء والطرقات والصحة والتعليم.. الخ، بالإضافة إلى نقطة مهمة وهي عدم تطوير الجانب الزراعي وهو الأساس فيها من حيث إقامة مشاريع صغيرة مدرة لدخل الأسرة كمزارع الأغنام والأبقار والمشاريع الزراعية التي تربط المواطنين ببيئتهم.وقال : نحن مثلاً في الاتحاد التعاوني الزراعي ووزارة الزراعة والري وعدد من الجهات الأخرى منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م وحتى الآن قطعنا شوطاً لا بأس به في إقحام المجتمع الريفي في مشاريع مدرة للدخل في مناطقهم من حيث إقامة المشاريع الزراعية والتصديرية والتسويقية في مختلف المناطق الريفية،غير أن هذا الدور لن يتأتى إلا من خلال تكاتف الجميع في كل الجهات وبالذات وزارة التخطيط والتعاون الدولي والسلطات المحلية وأيضاً الجهات المانحة وذلك لترويض المزارعين في الأرياف ليتمكنوا من السكن الجيد ومن العيش الجيد.محذراً من مخاطر استمرار نمو هذه الظاهرة دون حلول ومعالجات سريعة، والتي سيكون لها آثاراً بيئية واجتماعية واقتصادية خطيرة جداً سواءً على مستوى المدينة أو الريف، وأن هذا سيخلق عدم توازن سكاني بين الريف والمدينة مشيراً إلى انه عندما تكون الأرياف حية بالسكان وفيها الزراعة والثروة الحيوانية والمشاريع الصغيرة وفيها الحركة الإنسانية سيحدث أيضاً تنفس للمدينة وسيتوفر الغذاء واللحوم والألبان والبيض لسكان الريف والمدينة على حدٍ سواء.