لم تترك الجولة الاولى من منافسات المجموعات الثمان لنهائيات كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها المانيا حتى 9 يوليو المقبل، الا انطباعا مشتركا لدى المراقبين في ظل تقهقر مستويات بعض المنتخبات الكبرى او على الاقل تقديمها اداء غير مقبول، مما ترك علامات استفهام حول امكانية استمرارها على قائمة المرشحين الاوائل للظفر باللقب العالمي. وانطلاقا من النتائج المتواضعة والاداء المخيب لبعض المنتخبات الثقيلة، لا يمكن استبعاد فرضية استمرار مسلسل مفاجآت مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، الذي انحنى خلاله الكبار امام طموحات الصغار في ظاهرة لافتة لم تعهدها اهم تظاهرة كروية في العصر الحديث للعبة. واللافت ان بعض المنتخبات التي عانت صدمة السقوط المفاجىء في المونديال الآسيوي بعدما دخلته مرشحة حقيقية لاحراز اللقب، قد تعاني للمرة الثانية على التوالي الخروج بخفي حنين، امثال فرنسا بطلة العالم 1998. اضف الى هذا الامر امكانية بعض منتخبات "الصف الثاني" قلب الطاولة على المرشحين، وخصوصا بعد تقديم غالبيتها مستوى طيبا على الرغم من الهزائم التي منيت بها، امثال ساحل العاج التي اثبتت احقيتها في التواجد بالعرس العالمي بعدما جارت الارجنتين القوية (1-2)، الى تأكيد المكسيك وكوريا الجنوبية اصرارهما على متابعة حضورهما المميز في الاحداث العالمية. وجاء اداء المنتخب الالماني في مباراته الاولى امام كوستاريكا ضمن التوقعات التي سبقت انطلاق المونديال، اذ رجح كثيرون وقوع "المانشافت" في مطب الاخطاء الدفاعية القاتلة التي قد تطيح بآمال بلاد بأكملها في المراحل المقبلة، لكنه استدرك نفسه وقدم اداء شيقا امس ضد بولندا وبات على مشارف الدور الثاني. وبالعودة الى المونديال الاسيوي، بدا واضحا ان نقطة القوة التي اوصلت المانيا الى المباراة النهائية انحصرت في صلابة خط الظهر (افضل دفاع بثلاثة اهداف في مرماه)، في موازاة معاناتها افتقاد الهداف المكمل للمهاجم ميروسلاف كلوزه. ويبدو الامر معكوسا هذه المرة، اذ برزت الترسانة الهجومية لالمانيا مع كلوزه وزميله في الخط الالماني لوكاس بودولسكي، الى مساندة فيليب لام وباستيان شفاينشتايغر وميكايل بالاك وتورستن فرينغز، فيما بقي خط الدفاع مصدر قلق للمدرب يورغن كلينسمان. وعلى الرغم من التصريحات المشجعة للدولي السابق كارل هاينز رومينيغيه الذي اكد ان المدافعين الالمان لم يظهروا افضل ما لديهم حتى الآن، يفترض على كلينسمان تغذية مدافعيه بالثقة، الى ايجاد حلول هجومية اضافية تزيد من اسهم المنتخب الالماني امام الفرق القوية، اذ لا يمكن الاعتماد دائما على الهجمات عبر الاطراف التي يشغلها بامتياز شفاينشتايغر وبرند شنايدر. ويمكن القول ان كلينسمان وجد بسرعة فائقة الترياق المناسب للثغر التي ارعبت الجمهور الالماني، وهذا الاخير خرج راضيا تماما بعد الفوز على بولندا (1-صفر) بأقل قدر ممكن لكن بكثير من الجودة والابداع في آن معا. والى المجموعة الثانية، ترك فوز انكلترا الهزيل على البارغواي (1-صفر) بهدف سجله مدافع الاخيرة كارلوس غامارا خطأ في مرمى فريقه، آمال منتخب "الاسود الثلاثة" في مهب الريح على الرغم من تحقيقه المطلوب بحصده النقاط الثلاث للمباراة. وتبرز اكبر مشاكل مجموعة المدرب السويدي زفن غوران اريكسون عبر غياب الفعالية الهجومية التي لم يجسدها المهاجم مايكل اوين وبيتر كراوتش في ظل غياب واين روني المصاب. الا انه من المبكر استبعاد الانكليز من المعادلة، وخصوصا مع امتلاكهم افضل لاعبي الوسط في القارة العجوز، امثال فرانك لامبارد وستيفن جيرارد اللذين يتمتعان بالروح القيادية التي يحتاج اليها الفريق في الاوقات الحرجة. ومع تحقيق هولندا والارجنتين فوزين مقبولين لكن بصعوبات جمة، ظهر المنتخب الايطالي افضل حالا من نظيره الانكليزي بفوزه على غانا (2-صفر). الا ان هذا الانتصار بقي منطقيا بنظر الكثيرين الذين تطلعوا الى تقديم "الازوري" عرضا بنكهة كروية مميزة بعدما ادخل المدرب مارتشيللو ليبي الصفة الهجومية الى فريقه. وكانت المفاجأة مجاراة الغانيين لمنافسيهم، وربما لاقتنص الافارقة نقطة ثمينة لو احتسب لهم الحكم ركلة جزاء صحيحة قبل تسجيل الطليان هدفهم الثاني الذي كان بمثابة الضربة القاضية "للنجوم السود". وتبقى نتيجة منتخب ليبي ايجابية في جولته الافتتاحية، وخصوصا ان "الازوري" لطالما عانى في الدور الاول فتعادل في بداية مشواره في اليابان وكوريا الجنوبية مع المكسيك 1-1 قبل ان يخسر مع كرواتيا 1-2، والامر نفسه بالنسبة لمونديال الولايات المتحدة عام 1994 اذ تعادل مع المكسيك ايضا بالنتيجة عينها قبل ان يسقط في الجولة الثالثة امام جمهورية ايرلندا صفر-1. وحتى عندما فاز الايطاليون بلقبهم الثالث عام 1982 في اسبانيا كانت نتائجهم عقيمة خلال الدور الاول لتلك النهائيات بتحقيقهم 3 تعادلات، الا انها لم تمنعهم من الوصول الى المباراة النهائية والفوز على مضيف النسخة الحالية 3-1. ومن جهته، لم يتمكن منتخب "السامبا" البرازيلي حامل اللقب من اقناع جماهيره العريضة حول العالم رغم فوزه على كرواتيا بهدف يتيم، اذ افتقر فريق المدرب كارلوس البرتو باريرا الى الاداء الذي يليق بسمعته، وشهرة "منظومة الرباعي الذهبي" المؤلفة من ادريانو ورونالدينيو ورونالدو وكاكا. وكان للاخير الفضل في منح بلاده نقاط المباراة الثلاث من تسديدة قوية، فيما كان رونالدو الحاضر الغائب في تلك المباراة، اذ فشل في فرض هيبته "المونديالية" على المدافعين الكروات، فيما انحصر "سحر" رونالدينيو في وسط الملعب وبعيدا من منطقة الجزاء، فغاب الاستعراض واللمحات الفنية التي اصر على ابرازها في بعض فترات اللقاء. واستمر صيام منتخب "ديوك" فرنسا عن التهديف في النهائيات لفترة 360 دقيقة بسقوطه في فخ التعادل السلبي امام نظيره السويسري الذي اصبح يشكل عقدة كبيرة لجاره، اذ التقى المنتخبان في التصفيات الاوروبية المؤهلة للعرس الكروي وكانت النتيجة التعادل في مواجهتي الذهاب والاياب. لم تسجل فرنسا اي هدف منذ مونديال 1998 على ارضها وتحديدا منذ الهدف الثالث لايمانويل بوتي في مرمى البرازيل (3-صفر) في المباراة النهائية على "ستاد دو فرانس" في ضاحية سان دوني الباريسية، على رغم امتلاكها مهاجمين من الطراز النادر على رأسهم هداف ارسنال والدوري الانكليزي تييري هنري والى جانبه هداف يوفنتوس الايطالي دافيد تريزيغيه الذي جلس على مقاعد الاحتياط امام سويسرا، ومن ورائهما صانع الالعاب المميز زين الدين زيدان. وكانت فرنسا خرجت خالية الوفاض من مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002 من الدور الاول من غير ان تسجل اي هدف بعد خسارتها امام السنغال صفر-1 في المباراة الافتتاحية والدنمارك (صفر-2) في الجولة الثالثة وتعادلها مع الاوروغواي صفر-صفر في الثانية. واصبح وضع المنتخب المثلث الالوان حرجا لدرجة ان الصحافة الكورية التي يلعب منتخبها ضمن المجموعة نفسها، توعدت بسحق "الديوك" عبر القول "كوريا الخارقة عادت ولن تكون فرنسا الا لقمة سائغة". ورغم ان الوقت ما زال باكرا للتحدث عن "الحصان الاسود" للنسخة الثامنة عشرة، فان منتخبي تشيكيا واسبانيا اظهرا مستوى رائعا خلال الجولة الاولى بسحقهما الولايات المتحدة واوكرانيا الوافدة الجديدة الى العرس الكروي 3-صفر و4-صفر على التوالي. ويبدو ان منتخبي كاريل بروكنر ولويس اراغونيس في طريقهما لفرض نفسهما مرشحين بارزين لمنافسة الكبار، مخالفين التوقعات التي تجاهلتهما قبل انطلاق التجمع الكروي الابرز. وستتمكن تشيكيا من تأكيد الهيبة التي فرضتها خلال مواجهة "بلاد العم سام" في حال فوزها على ايطاليا في الجولة الاخيرة من المجموعة الخامسة، والا سيكون مصيرها خوض اختبار صعب جدا في الدور الثاني، قد لا تحمد عقباه امام البرازيل في حال تصدرت هذه الاخيرة ترتيب المجموعة السادسة.
أخبار متعلقة