حمزة عباس القرشي[email protected]لاأدري كيف أبتدي حديثي في الذكرى السادسة والعشرين من وفاة الشاعر المرحوم عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) الراحل الباقي الذي ألهبت كلماته مشاعر كل الشعب والساسة اليمنيين وخصوصا ذلك النشيد الوطني الذي نقف لكلماته أدباً وإجلالاً والذي اختير نشيداً وطنياً لجنوب الوطن قبل الوحدة، والذي أعيد اختياره ليكون النشيد الوطني لليمن الموحد، بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وإعلان الجمهورية اليمنية:[c1]رددي أيتها الدنيا نشيدي ردديه وأعيدي وأعيديواذكري في فرحتي كل شهيدِ وامنحيه حللاً من ضوء عيدي[/c]لقد شائت الأقدار أن تجمعني بأحد أبناء هذه الأسرة الكريمة الحرة (بيت النعمان) التي طالما فدت اليمن بأغلى رجالها من أجل اليمن السعيد ، إنه أخي وصديقي ضياء محمد عبدالله نعمان ومن خلاله تعرفت على بيت النعمان عن قرب ، وعن طريق الصدفة عندما كنا نتحدث عن (الفضول) إنتبهت أن ذكرى رحيله تصادف الــ5 /7/ 2008 فأردت أن أنتهز هذه المناسبة وأكتب ولو الشئ اليسير عن هذا المناضل الحرالجسور والشاعرالعاطفي والسياسي والساخرعُـرفانا منا له ، وتأسفا عليه في زمن قل الرجال فيه.وتساءلت: أين هم أبناء وأحفاد هذه الأسرة الحرة (بيت النعمان) التي ضحت برجالها ، فإننا لانسمع لهم كلمة ولا حوارا!؟وقد أجابني ذلك الحفيد بكل بساطة: أسرة النعمان التي ضحت برجالها فمنهم من أ ُعدم ومنهم من اغتيل ومنهم من شـُـرد من بلاده وجُـرد من جنسيته ، ومنهم من حارب بكلماته وأشعاره ، وكان كل ذلك طمعا من أجل حرية اليمن وشعبه لاغير،، ويقول أصبحت أسرة النعمان مقهورة مكسورة في ماضيها وحاضرها وكأنها أ ُعدمت مع من أعدموا واغتيلت مع من اغتيلوا وشـُردت مع من شردوا ، والتزمت الصمت بعد أن ماتت الكلمة واغتيل الحوار..ماذا عسانا أن نقول لــ “بيت النعمان” التى أعطت ولم تاخذ!؟ماذا عسانا أن نقول للفضول ، وكيف سنفيه حقه في مقال أوكتاب وهو الذى أفنى عمره عطاء لهذا الوطن.من أين سأبدأ إذا كان مثقفو اليمن وأدبائه قد كتبوا عنه ولم يوفوه حقه ، ولكن نقول إن مفردات الكلمات تضيع وتختلط العامية بالفصحى وتـتـشتت كل الأبجدية فقط عندما يذكر عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول).لقد كان الفضول في بداية حياته شابا يحمل بين جنبيه هماً وحباً كبيرين لليمن ، فكان علما متميزا بين الأعلام وصوتا مزلزلا بالحق رافظا لكل مظاهر الظلم فقد جعل من كلماته الشعرية ولهجته الساخرة بنادق تدك قوى الإمامة والجبروت ، وكان له الفضل الكبير بعد الله سبحانه وتعالى في إبقاء الأمل بالتغيير بعد فشل الثورة الدستورية في 17 فبراير 1948 من خلال صحيفة “الفضول” وذلك ببث روح الحرية والإبقاء على روح الأمل متقدا ، وعمل على تنوير الشعب اليمني من خلال أشعاره الساخرة واللاذعة والرافضة للانحناء للظلم والظالمين. الفضول أحد أولئك القلة الذين ناضلوا في كثير من ميادين الحياة ، فلقد ناضل من أجل الحرية وكان من أولئك الفلتات الذين يمتطون صهوات الليل ليدكون عتمة الإمامة الجاثمة فوق الصدور في تلك الحقبة البائسة من الزمن.إنه عبدالله عبدالوهاب نعمان ( الفضول) شاعر الحب والوطن والمسافر والمزارع والذي تمتزج كلماته بأذهان كل أبناء اليمن ، بدء من سن السادسة أوالسابعة في طابورالصباح المدرسي إلى أن نكبر ويكبر معنا بكلماته التي تلامس كل القلوب.لقد توأمنا الفضول بكلماته التي نرددها دائما في سفرنا ومقايلنا ، مدننا وقرانا، يمنننا وغربتنا وخلد في أنفسنا ذكراه من خلال أشعاره التي نرددها سواء كنا داخل البلاد أوخارجها.فهو الذي تغنى من أجل عيون الحبيب وقال:[c1]من أجل عينك واحبيب القلب شاكرم ألف عينواصبر واداري قلوب قد حبين لكن نسينمن يوم زرعنا أمانينا ومن حينما الاشواق في قلبي وقلبك ربين[/c]وقد تغنى في الشوق والحنين للحبيب وقال:[c1]مهما يُلَوِّعني الحنينشا صبر واراعي لك سنينواعطيك كل العمرما دامك على عهدك أمينوألملم أشواقي وأحراقيوأعطيها قلوب اللائمين[/c]وكما تغنى أيضا وقال:[c1]لك أيامي وشوقي وحنينيلك آهات فؤادي وشجونيأنت روحي أنت ما لملمتهمن مُنى العمر وأحلام السنينِعشت دنيا أنت فيها حلميفي أحاسيسي وفي نبض دميلا أرى بعدك إلا عدمي[/c]وهو الذي تغنى في ليالي الغربة للحبيب:[c1]أذكرك والليالي غامضات النجوموالسماء مستضيفة ساريات الغيوم والقمر قد توارى في السحايب يعوموالهواجس بقلبي ساهره لاتنوم[/c] وكما قال:[c1]أذكرك والحمايم يسجعنّك لنا والندا والبراعم يسمعنّك غُناوالعيون الحوالم يحملنّك رناوأذكرك وانت نايم ملء عينك هناحين يكون كل هائم نام إلا أنا[/c]وهو الذي تغنى للمسافر وقال:[c1]جَنَّحت واجناحي حديد لا ريشفارقت أرضي حيث أحب واعيشلا أين لا أي البلاد ما ادريشكوخي حديد غنيت ما سمعنيشحديد من أين للحديد يطربحديد لا ذاق الهوى ولا حب[/c]لقد تغنى الفضول بتفاصيل حياة الإنسان اليمني حينما كتب أجمل كلمات الحب والحنين والتي اختلطت بالعامية و الفصحى وتحولت كلماته إلى ينابيع من الذكريات وشلالات من الدموع تجري في ليالي الحب والسفر والغربة وبكلماته تلك تحطمت كل الأسوار المنيعة التي حاولنا أن نبنيها حول عواطفنا ، وتلك السدود التي حاولنا أن نرفعها أمام تيار مشاعرنا وأصبحت عواطفنا ومشاعرنا جارفة من أجل أحبابنا ووطننا بسبب تلك الكلمات التي تغلغلت في الوجدان وجرت في العروق كما يجري الدم .الفضول كان دائما متيقنا ومؤمنا بأن الوحدة سوف تتحقق وقال فيها:[c1]ياشمالاً يحمل الهم بنا مطرقا يصغي إلى هم الجنوبوحدة الشطرين في أعماقنانغم تعزفه نبض القلوب فهي الذرورة في أشواقناإنها لقيا حبيب بحبيبوهي إيماء إلى أشواقنا لن نلاقي بعدها وجه غروب[/c]وكما حذرنا من الإنقسام والإنفصال وقال :[c1]املأوا الدنيا ابتساما وارفعوا في الشمس هاماواجعلوا القوة والقدرة في الأذرع الصلبة خيراً وسلاماواحفظوا للعز فيكم ضوءهواجعلوا وحدتكم عرشاً لهواحذروا أن تشهد الأيام في صفكم تحت السماوات انقساماوارفعوا أنفسكم فوق الضحى أبداً عن كل سوء تتسامى[/c]رحل الفضول بجسده وترك لليمن وشعبها كل إرثه ، فما أحوجنا لأمثال الفضول في مثل هذه الأيام .وذلك الرابط لكل محبى الفضول http://www.alfudhool.com/ولاننسى بمثل هذه المناسبة أن نذكر الفنان الكبير أيوب طارش عبسي ضالة الفضول التي كان يبحث عنها والذى أصبح توأمه من خلال تلك الكلمات والألحان بعد ان ألتقى به في سنة 1967م في محافظة تعز والذى لم يغن أحد للفضول مثلما غنى أيوب ونتمنا له الشفاء العاجل .[c1]سيرة مختصرة لــ عبدالله عبدالوهاب نعمان[/c]ولد في ذبحان في الحجرية محافظة تعز في 1917م ، تلقى جزءا من تعليمه على يد والده الشيخ عبد الوهاب نعمان في صنعاء حيث كان معتقلاً بها، ثم درس على يد ابن عمه الأستاذ أحمد محمد نعمان في ذبحان بالحجرية، ودرس بعد ذلك في مدينة زبيد، على يد عبد الله المعزبي، من أشهر علماء زبيد.وفي أوائل الأربعينات كان ضمن الشباب المستنير الذين تجمعوا في تعز حيث عمل بالتدريس بالمدرسة الأحمدية في الفترة من العام 1941 الى 1944م . في عام 1944م أمر ولي العهد أحمد حميد الدين باعتقال أعداد كبيرة من الأحرار فكتب الفضول قصيدة توديع وإشادة بالأحرار منها هذه البيت: [c1] سيروا فما الأغلال في أعناقك إلا لمجـــدكـــم العظيم شعــار[/c] ووزعت القصيدة في تعز وعندما وصلت منها نسخة منها إلى يد ولي العهد أحمد أمر باعتقال الشاعرعبدالله عبدالوهاب نعمان إلاّ أنه فر إلى عدن، وفي عدن أشترك في تأسيس حزب الأحرار اليمنيين مع زعماء الأحرار الزبيري والنعمان وزيد الموشكي، وعمل مدرساً في مدرسة بازرعة الخيرية.عاد إلى صنعاء أثناء ثورة 1948م وزار والده فيها ثم عاد إلى عدن لمواصلة إصدار صحيفة (صوت اليمن) باسم ((الثورة الدستورية)) ولم تلبث الصحيفة إن توقفت بعد فشل الثورة.أصدر في 15ديسمبر 1948م جريدته المسماه (الفضول) وهو الاسم الذي لصق به حتى بعد توقف الصحيفة التي تواصل إصدارها إلى إن أغلقت من قبل السلطات البريطانية عام 1953م.بعد إيقاف صحيفة (الفضول) اشرف على جريدة الكفاح بجرأة مما جر عليه حنق الإمام فكان سبب الإعتداء عليه مرتين من قبل مجهولين ، وقد سجل لنا أيضاً في شعره بعض المواقف الساخرة من نظام الإمام يحيى الذي أعلن ذات مرة الحرب على الانجليز رداً على قصف الطائرات لبعض المدن اليمنية وهو لايملك لعتاد الحرب إلا المساويك والقمصان فكتب الفضول شعراً: [c1] باللحى باللحى أبيدوا قواهم بالمساويك حطموا الطائرات مســاويكــكم أشــد وأقــوى ولحاكم من أعظم المعجزات[/c] وسخر مرة من تخمة رموز النظام الأمامي فقال: [c1] على قدر عرض الحقو تأتي المحازم وتأتي على قدر النفاق المكارم[/c]تولى رحمه الله عدداً من المناصب:منصب مدير مكتب الإقتصاد والجمارك في تعز بعد انقلاب 5 نوفمبر 1968م.عين وزيراً للإعلام في حكومة عبد الله الكرشمي والتي لم تعمر أشهراً.مستشارا لشؤون الوحدة بتعيين من القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري حينها ، وظل ذلك المنصب مع الرئيس إبراهيم الحمدي ، والرئيس أحمد الغشمي ، والرئيس علي عبدالله صالح نظراً لطول خبرته بأحوال جنوب الوطن ورجالاته إلى أن أخذ الله وديعته.توفي في رمضان عام 1402هـ يوليو5 /7 /1982م.
أخبار متعلقة