الخطاب التاريخي الذي ارتجله الرئيس الأمريكي يوم الخميس الماضي في رحاب جامعة القاهرة .. سوف يخلد وستوثق له الأدبيات الإنسانية والمراجع السياسية الكبرى، كواحد من أهم التطورات الإيجابية المؤثرة في التاريخ الإنساني المعاصر.فعلها “أوباما حسين” وتوجه إلى العالم الإسلامي .. من قلب العالم الإسلامي، ومن قلب العروبة النابض، من القاهرة العامرة .. ومن جامعتها العتيدة، وتحدث الرئيس الأمريكي كما لو كان يدير حواراً عائلياً من دون حواجز أو تحفظات، ومن دون مجاملات أو تجمل. فقط أجواء عائلية سادت الأرجاء.ولم لا؟، فالرجل ينتمي إلى جميع الأماكن وإلى جميع القارات والديانات والحضارات والثقافات، بقدر أو بآخر وبطريقة عجيبة ونادرة يستطيع هذا الشاب الأسود، الذي يمسك بزمام العالم بين يديه أن يشرح لنا جذوره المسافرة بين أفريقيا وشيكاغو وأن يفتخر بثقافته الأمريكية والتزامه للكنيسة المسيحية .. ويفاخر بأبيه الكيني ذي التسمية العربية والديانة الإسلامية والعرقية السوداء، وأن يتذكر جزءاً من صباه قضاه في اندونيسيا، الدولة الأكبر إسلامياً، والدولة الآسيوية السابحة في مياه المحيط الأقصى .. قريباً من القارة السادسة (استراليا) وإلى جوار البلدين الآسيويين العملاقين الهند والصين .. حيث غابات الفلسفات والديانات والحضارات و.. التناقضات.هذه كلها موجودة في أوباما، أو ليس هذا الرجل إذاً مواطناً عالمياً بمعنى الكلمة؟وهو بعد هذا كله رئيس أمريكا .. البلد الأعظم والأقوى والأغنى والأطغى في القارات الست. وسيد البيت الأبيض. والسيناتور الأمريكي السابق، والمحامي وأستاذ القانون المحاضر .. والرجل الأسود في المجتمع الأبيض.قلما تجمع هذا كله في رئيس أمريكي آخر، ومع ذلك في أوباما شيء ما يدنو به من جون كينيدي - الرئيس القتيل. وثمة من يقرأ في قناعات وخلفيات أوباما نهاية مأساوية على شاكلة النهاية الدرامية اللغز التي خضبت تاريخ أمريكا وأنهت مسيرة كينيدي!لا يبدو - برغم هذا - أن الرئيس المتحمس، وحاد الذكاء، وغزير الثقة بنفسه وبالتجربة الأمريكية، يخاف النهاية أو ينحبس كثيراً لمأساة كينيدي.قراءات، كثيرة ومتناقضة .. متقاربة ومتباعدة، لخطاب أوباما صدرت عن حكومات ومنظمات وجماعات وقادة ومفكرين وأحزاب .. داخل العالم الإسلامي. وسوف تستمر هذه المفارقات لوقت طويل.ولن يتمكن أحد من هؤلاء أو أولئك من إنكار حقيقة أن أوباما ألهم ويلهم الكثيرين في العالم أجمع وتلك ملكة أو عبقرية زائدة يتمتع بها باراك أوباما من قبل أن يحدث نفسه بالرئاسة.تحدث بلغة تصالحية .. مستحضراً دورساً من التاريخ والكتب السماوية والديانات والحضارات والثقافات، ومن الصراعات والحروب والسلام والقانون. تحاشى أخطاء سلفه السيئ بوش، فلم يتحدث عن الإرهاب .. بل عن الصراع وعن السلام وعن المسؤولية المشتركة في تجميل العالم ووجه الحياة.وبدا أكثر تشدداً مع الاستيطان الإسرائيلي، وأكثر إصراراً على حل الدولتين وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني المنكوب منذ ستة عقود.ولكن، هل يكفي الخطاب يا أوباما؟وهل الكلام العظيم .. قادر على إدراك حلول عظيمة، لإنهاء نزيف جراح غائرة في التاريخ؟ وإنصاف المقهورين المشردين واليتامى والأرامل والشهداء .. والمحكومين بالتواطؤ الأمريكي والفيتو الأمريكي والدعم الأمريكي المطلق للاحتلال الصهيوني على مدى ستة عقود كاملة؟!هل يسمح لأوباما أن ينجز التحول الكبير وأن ينتصر لإنسانية وأخلاقية الدولة الأعظم - أمريكا، وأن يكفر عن أخطاء سابقيه؟!هل يستطيع العالم الإسلامي مساعدة أوباما على تحقيق أهدافه وأخلاقياته التي كشف عنها النقاب حتى الآن؟ أم أن في أمريكا وإسرائيل، كما في العالم الإسلامي قوى وتكتلات ترفض التخلي عن تحالفاتها المميتة، وسوف تبذل جهدها في إفساد هذه اللحظة التوافقية النادرة من عمر العالم والبشرية؟!أوباما، ليس بمقدوره لوحده أن يغير مسار الأحداث وحركة القرن الحادي والعشرين. في العالم مجانين كثر بحاجة إلى معالجة وتحجيم، بدءاً من المحافظين الجدد .. في أمريكا، وانتهاءً بليبرمان ونتنياهو وباراك في تل أبيب.مروراً بالقاعدة وبقية الإخوة المداكيم في عموم العالم .. ولنا منهم نصيب سيئ!
“أوباما”.. يا مجانين العالم !!
أخبار متعلقة