شخصيات خالدة
يُعد توفيق الحكيم أحد الرواد القلائل للرواية العربية والكتابة المسرحية في العصر الحديث؛ فهو من إحدى العلامات البارزة في الحياة الفكرية والثقافية والادبية العربية، وقد امتد تأثيره لأجيال كثيرة متعاقبة من الأدباء والمبدعين، وهو أيضا رائد للمسرح الذهني ومؤسس هذا الفن المسرحي الجديد؛ وهو ما جعله يُعد واحدا من المؤسسين الحقيقين لفن الكتابة المسرحية، ليس على مستوى الوطن العربي فحسب وإنما أيضا على المستوى العالمي.ولد توفيق إسماعيل الحكيم بضاحية الرمل بمدينة الإسكندرية عام (1898م) لأب من أصل ريفي وأم من أصل تركي كانت ابنة لأحد الضباط الأتراك المتقاعدين، وترجع جذوره وأسرته إلى قرية "الدلنجات" بالقرب من "إيتاي البارود" بمحافظة البحيرة، وقد ورث أبوه عن أمه 300 فدان من أجود أراضي البحيرة، في حين كان إخوته من أبيه يعيشون حياة بسيطة ويكدون من أجل كسب قوتهم بمشقة واجتهاد.عاش توفيق الحكيم في جو مترف، حيث حرصت أمه على أن يأخذ الطابع الأرستقراطي، وقد سعت منذ اللحظة الأولى إلى أن تكون حياة بيتها مصطبغة باللون التركي، وساعدها على ذلك زوجها.في هذا الجو المترف نشأ توفيق الحكيم، وتعلقت نفسه بالفنون الجميلة وخاصة الموسيقى، وكان قريبا إلى العزلة؛ فأحب القراءة وبخاصة الأدب والشعر والتاريخ، وعاش الحكيم أيام طفولته في عزبة والده بالبحيرة، وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره التحق بمدرسة دمنهور الابتدائية حتى انتهى من تعليمه الابتدائي سنة (1915م)، وقرر والده أن يلحقه بالمدرسة الثانوية ولم تكن بدمنهور مدرسة ثانوية؛ فرأى أن يوفده إلى أعمامه بالقاهرة ليلتحق بالمدرسة الثانوية في رعاية أعمامه، وقد عارضت والدته في البداية، ولكنها ما لبثت أن كفت عن معارضتها بعد حين.و على الرغم من ميله الى دراسة الفنون والاداب فانه التحق بمدرسة الحقوق نزولا على رغبة أبيه وتخرج فيها سنة (1925م).وخلال سنوات دراسته بالجامعة أخرج الحكيم عدة مسرحيات منذ عام (1922م) مثلتها فرقة عكاشة على مسرح الأزبكية، وهي مسرحيات: العريس، والمرأة الجديدة، وخاتم سليمان، وعلي بابا.فلما أنهى دراسته في كليه الحقوق قرر السفر إلى فرنسا لاستكمال دراساته العليا في القانون، ولكنه هناك انصرف عن دراسة القانون، واتجه إلى الأدب المسرحي والقصص، وتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا.عاش توفيق الحكيم في فرنسا نحو ثلاثة أعوام حتى أواسط عام (1928م) كتب خلالها مسرحية بعنوان "أمام شباك التذاكر".ثم عاد إلى مصر ليلتحق بسلك القضاء في وظيفة وكيل نيابة، وتنقل بحكم وظيفته بين مدن مصر وقراها، وكتب خلال هذه الفترة التي استمرت إلى عام (1934م) يومياته الشهيرة "يوميات نائب في الأرياف"، وعددا من المسرحيات مثل مسرحية "أهل الكهف" و"شهرزاد" و"أهل الفن"، وعددا آخر من القصص مثل "عودة الروح" و"عصفور من الشرق" و"القصر المسحور".واشتهر الحكيم ككاتب روايات وكتب مسرحيات أشهرها أهل الكهف ويمتاز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة والتكثيف الشديد وحشد المعاني والدلالات والقدرة الفائقة على التصوير؛ فهو يصف في جمل قليلة ما قد لا يبلغه غيره في صفحات طوال، سواء كان ذلك في رواياته أو مسرحياته. توفي توفيق الحكيم في (27 من يوليو 1987م) عن عمر بلغ تسعين عاما، وترك تراثا أدبيا رفيعا وثروة هائلة من الكتب والمسرحيات التي بلغت نحو 100 مسرحية و62 كتابا.