أضواء
مثلما تتوسع الفروقات بين الأفراد والجماعات والأمم، لا تضيق بين الأديان، لكنها أكثر التصاقاً وتفاهماً فيما بينها، لأنها رسالات تتواصل مع الإنسان والحياة، وجاءت لتخرجه من ظلام الجهالات لنور العلم وتنظيم الحياة، وهي الرحلة من البدائية إلى الوعي والفهم، وإدراك أبعاد الوجود وتنظيم الأسرة والمجتمع، والاهتداء الى موجد خالق لا نزاع على قدسيته.في هذه المرحلة الحساسة التي تجاوز فيها الإنسان بيئته الأرضية إلى الفضاء وحاول احتواء النزاعات، وجعل الحريات حقاً مشتركاً، وأن حقوقه لا خلاف أو منع لها، يبقى انعقاد المؤتمرات لأتباع الديانات وداخل قبة الأمم المتحدة، لا يشبه القرارات السياسية أو الأزمات التي تعصف بالشعوب نتيجة نزاعات إقليمية أو حروب قوى غير متكافئة، وإنما هو دعوة لأكبر تجمع بشري تحكمه مواريث ومقدسات، وسلسلة طويلة من النظم والتشريعات التي لا يجوز فيها اتخاذ “الفيتو” أو الانحياز، لأنها خيارات أمم وشعوب قررت من خلال رسالات سماوية أو غيرها أن تلبي نداء روحياً خاصاً بها، ومن هنا جاءت حرمة كل مقدس باعتباره فوق أفكار البشر. الملك عبدالله اختار التوقيت المناسب لجمع الفرقاء، وقطعاً المهمة ليست سهلة ولكنها الخطوة الأولى في الطريق الصحيح، وكلنا يعلم أن داخل كل ديانة مذاهب وتباينات لها جذورها التاريخية، والفاعلون فيها، لكن عقل الإنسان الذي استوعب الحضارات وتصالح مع ذاته وغيره، يملك القدرة على حل عقدة الخلاف حول مصالحه لأننا نحتاج إلى توظيف هذا التراث العظيم في معالجة هموم أخرى تتعلق ببيئة الإنسان وأمراضه وفقره، ونسب التخلف في معظم شعوب القارات.. المؤتمر حتى الآن يملك فرص النجاح، إذ لو حصرنا الخلافات فهي لا تشكل أساساً يفرض التباعد، لكن أن يصل الاهتمام بأن يكون أممياً وبهذا الاتساع، فذلك يعني أننا نخطو باتجاه عولمة الإصلاح، والاتفاق على خطوات ربما كانت الأولى في تاريخ البشرية.. الطريق طويل، وكما يقال لا يعيش الإنسان بدون خبز، فهو لا يستطيع أن يكون إنساناً بلا عقيدة، أو دين، وحين نعرف الطريق إلى فهم طبيعة حياتنا وروابطها، فإننا نستطيع غلق مخلّفات تاريخية عانى منها الإنسان المآسي والحروب، حيث صار الوعي متسقاً، وضرورات التعايش فرضيات تتناسب وذلك الوعي، وإرادة الإنسان التي حطمت الكثير من القيود واستطاعت أن تقطع بالإنسان مسافات هائلة من عصر الكهوف إلى الفضاء الخارجي وإعلان الكشوفات الهائلة في حياة الإنسان ومحيطه، ولذلك يستطيع أن يبدأ بالمقاربة في التفاهم والتصالح، ومع أن التفاؤل يسود هذا الاجتماع، فإن الارتفاع إلى مستوى العلاقات غير المشروطة أو المرتبطة بالسياسات يظل أمراً مطلوباً، حيث إن هذا السلوك يرتفع إلى قضايا لم تكن الشعوب والأمم تقترب منها، وهذا ما يسجَّل لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله في خطاه الموفقة والمهمة.[c1]*عن/جريدة( الرياض ) السعودية[/c]