للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسميكتاب “الاحتلال البريطاني لعدن” هو الكتاب الثالث لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة حاكم إمارة الشارقة. فبعد أن أصدر أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة (إكستر) باللغة الإنكليزية عام 1986 تحت عنوان “أسطورة القرصنة في الخليج” والتي دحض فيها دعاوى المستعمرين واتهامهم لعرب هذه المنطقة بالقرصنة، عاد فوسع حلقة اهتمامه لتشمل الجارة المباشرة فأصدر عام 1989 كتاباً بعنوان “تقسيم الإمبراطورية العمانية” ثم عاد ليوسع اهتمامه ليشمل ركن الجزيرة العربية الجنوبي فأصدر كتابه موضوع حديثنا هذا “الاحتلال البريطاني لعدن”، ثم أصدربعد ذلك عددا كبيرا من الكتب منها الدراسات ومنها الأعمال الإبداعية من روايات ومسرحيات كما ترجمت بعض كتبه إلى عدة لغات ومثلت بعض مسرحياته . ولا شك في أن المؤلف يمثل نموذجاً نادراً بين الحكام العرب من حيث اهتمامه بالبحث المنهجي وتمحيص تاريخ هذه الأمة في شكل دراسات منشورة. وهو أيضا يقدم محاضرات أسبوعية في الجامعة على الرغم من انشغاله بمسؤوليات الحكم.
وفي كتابه “الاحتلال البريطاني لعدن” يضع المؤلف أصبعه على حقيقة الوسائل والأساليب التي كان يستعملها الاستعمار البريطاني في وضع يده على أراضي الأمم الأخرى خدمة لمصالحه في القرن التاسع عشر، ولا يمكن لهذه الوقفة إلا أن تكون سريعة فالكتاب في أكثر من 570 صفحة من الحجم الكبير، وقد تمكن المؤلف لمعرفته بأصول البحث وبفضل مكانته من حشد كمية كبيرة من الوثائق والمراجع تساعده في هذه الدراسة. كما زين الكتاب بمجموعة من الصور والرسوم النادرة التي ساعدته في إعادة أجواء الأحداث حتى لتكاد من خلالها ومن خلال نصوص الكتاب أن تشم رائحة أمواج البحر وهي تقبل أقدام جزيرة “صيرة” وجبال “عدن” وسواحل “سقطرة” و”كمران” و”ميون” و “المخا”. وبعد أن يرسم المؤلف صورة سريعة لتاريخ عدن يتحدث عن القبائل التي تحيط بعدن والتي كانت تسكن في مناطق مختلفة عرفت فيما بعد “بالمحميات الغربية” و”المحميات الشرقية” لمستعمرة عدن البريطانية. ثم تحدث المؤلف عن التنافس بين الدول على المنطقة وخصوصاً بين بريطانيا وفرنسا وتحدث عن احتلال بريطانيا لجزيرة “ميون” عام 1799 ثم إخلائها بسبب المرض والظروف الصعبة ومحاولة تكوين علاقة بسلطان “لحج” الذي كان يحكم عدن إلى جانب لحج. وينقل الكتاب عن إحدى الوثائق أن السلطان أراد رؤية كابتن “هاغيت” في عدن فترك مقر إقامته من أجل ذلك لكن في الطريق أوقف وأجبر على العودة إذ لم يوافق الشعب على إقامة أي اتصال مع قائد سفينة حرب إنجليزية. ويتناول المؤلف اتفاقية عدن بين سير “هيوم بوفام” من بريطانيا والسلطان أحمد بن عبد الكريم سلطان “لحج” وقد شطب السلطان المادة 18 التي كان بموجبها يتم التنازل عن كامل الجزيرة الصغيرة الموجودة غرب الرصيف في عدن للأمة البريطانية مقابل مبلغ معين يتم دفعه لدى إقرار المعاهدة، ووعد بأن يقوم بتحصين الجزيرة بالطريقة التي يرغب بها البريطانيون كما رفض السلطان إقامة قاعدة بريطانية.
ويستعرض الكتاب بعد ذلك الحملات على “كمران” و”المخا” وكيف دمرت هذا الميناء الرئيسي لليمن آنئذ بعد مقاومة شجاعة لأسباب واهية مفتعلة كعدم تسليم اثنين من البحارة البريطانيين اللذين اعتنقا الإسلام، ونهب بعض الممتلكات من المحطة البريطانية في الميناء، ودعوى أن “ الليفتنانت” دوميستي قد أهين أمام حاكم “المخا” وهي دعوى لم تثبت من قبل الشهود العرب والأوربيين بل الذي حصل أن حاكم “المخا” الحاج فتيح أرسل إلى “الليفتنانت” للحضور إلى مكتبه مرتين فتجاهل الطلب حتى أحضرته قوة من قبل الحاكم ولم “يكتف” الليفتنانت” بعزل الحاكم بل طلب إحضاره إليه لإذلاله وتسليم الرجلين البريطانيين اللذين أسلما وتعويضات مالية ولما لم يحصل على كل ذلك قصف “المخا” واستمر في ذلك حتى نال كل مطالبه. ثم إن الحكومة العثمانية غضبت لما حدث وأرسلت فرقة إلى “المخا”. أما محمد علي باشا حاكم مصر فقد احتج على تصرف البريطانيين في “المخا” فتم استرضاؤه بتعديل شروط قرض كان قد طلبه من بريطانيا. ويعرج المؤلف على العدوان على ميناء “بربرة” في الصومال والغرامات المالية التي فرضت على السكان الفقراء لتعجيزهم قائلاً: “وكانت بريطانيا كعادتها عندما تريد أن تسيطر على منطقة ما فإنها تتهم المسئولين فيها أو سكانها بالقرصنة والاعتداء والسلب والنهب ثم تقوم بحملاتها فتدمر المدن وتقتل الأبرياء وتوقّع اتفاقيات مع المغلوب على أمرهم كيفما شاءت.وفي عام 1833 يبدأ دور الكابتن “اس. بي. هينز” المشؤوم فهو الذي احتل “عدن” فيما بعد.. وهو الذي أدين عام 1853 من قبل البريطانيين في بومباي بعد اتهامه باثنين وعشرين تهمة منها السرقة والاختلاس وسجن مدة ستة أعوام مرض خلالها عقلياً وجسمياً ومات بعد خروجه من السجن بقليل عام 1860. وإذا كانت تلك نهاية مناسبة لذلك الأفاك المغامر إلا أن حكومته كانت تعتمد على تقاريره وقيادته وتقره على سرقة أوطان الآخرين وإن كانت عاقبته أشد العقاب على سرقة بعض أموالها كما يلاحظ في ختام الكتاب.
وحاول هينز شراء “سقطرة “ ولكن حاكمها رفض وكانت زوجة أخيه ذات النفوذ تؤيد البيع لتستعمل النقود في عرس ابنها، وحاولت هي وابنها الاتصال بالإنكليز ولكن أحبط مسعاهما. وكتب زعماء “المهرة” إلى “هينز” أنهم يرفضون البيع مقابل أي مبلغ مهما كان كبيراً. فاحتلت بريطانيا الجزيرة بالقوة. ثم أنه أصاب الجنود البريطانيين مرض شديد، وحاول البريطانيون شراء الجزيرة دون جدوى فقد رفض حكامها بيع أي جزء منها إلى الأبد وإن وافقوا على تأجير محطة للفحم.. وانسحب البريطانيون خائبين. ومن الصفحة 144 وحتى أخر الكتاب يتناول المؤلف قصة احتلال عدن بتفصيل لم يتناوله كتاب من قبل. ويبدأ صاحب الكتاب هذه المأساة بقضية السفينة “دريا دولت” البريطانية التي جنحت فطلب حاكم عدن 1200 دولار لسحبها إلى الشاطئ. ويروي الكابتن “هينز” أن “النوخذا” دفع المبلغ وهو تحت الانطباع أن سكان المدينة سيساعدون في سحبها فلما طلب الحاكم 300 دولار إضافية غضب “النوخذا” وأحرق السفينة حتى مستوى الماء فسجنه السلطان ثم أفرج عنه بعد دفع الغرامة. ويقول المؤلف إن “هينز” كان يحرف الروايات بغرض إتهام السلطان بالقرصنة حتى يكون لديه المبرر لاحتلال عدن. ولقد تناول الشاعر العدني الدكتور محمد عبده غانم قصة “دريا دولت” في قصيدته “19 يناير 1839” ومنها: زعموا بأن لهم لدينا مركبا [c1] *** [/c]نهبته أيدي البدو ذات نهارقد سار في عرض البحار محملا [c1] *** [/c]بنفائس الأعلاق من “ملبار”حتى رمته على سواحل “أبين”[c1] *** [/c]أمواج يمّ صاخب فواروكذاك شأن الظالمين فإنهم [c1] *** [/c]يستمرئون الظلم بالأعذاروكأنما نهب الحطام -ولو جرى-[c1] *** [/c]يقضي بنهب مواطن وديار
ويفصل لنا المؤلف الأحداث التي تلت ومؤامرات هينز وكيف كان يلوي الحقيقة مرة بعد أخرى، وكيف استباح احتلال عدن وقتل رجالها الذين دافعوا عنها ببسالة، الكرة تلو الأخرى، في معارك غير متكافئة. وانتصر الحديد والنار، ثم إن الإنكليز وسعوا منطقة نفوذهم وظل حكمهم المباشر لتلك المنطقة حتى عام 1967 بعد ثورة عليهم ولم يخرجوا إلا بعد أن ساعدوا على زرع فتنة بين الفصائل الثائرة أدت إلى حرب أهلية انتصر فيها الفريق الذي كانوا يريدون له الانتصار وذلك لأسباب ليس هنا المجال للحديث عنها.
![](https://14october.com/uploads/content/0810/7SWPT3IL-J6ZVPG/Aden_as.jpg)
![](https://14october.com/uploads/content/0810/7SWPT3IL-J6ZVPG/Aden2585.jpg)
![](https://14october.com/uploads/content/0810/7SWPT3IL-J6ZVPG/Aden8794415.jpg)
![](https://14october.com/uploads/content/0810/7SWPT3IL-J6ZVPG/Aden_as251144.jpg)