لا يعبأ الجنود بالموت وهم يواجهونه بصدورهم صباح مساء ويخوضون غماره يومياً، ضد عدو يتربص بهم الموت والقتل الغادر ومشروعه الوحيد هو : قتل الجنود ونشر الموت والدمار في الأرجاء. بينما نحن مضطرون إلى قتل الوقت وتبديده، في معاناة مجانية زائدة عن الحاجة بمتابعة “مناضلين” ومنظرين يتساءلون بكثرة عما يفعله الجنود هناك، في جبهات القتال في صعدة .. أو ما الداعي لكل ذلك؟! هكذا بكل ببساطة!هذه نوعية من النقاشات و”النضالات” لم نألفها في السابق بكثرة ولكنها برزت بقوة وبكثرة في الفترة الأخيرة، وهي لا تتوجه بالأسئلة والشكوك والاستفسارات والتحفظات إلا فيما هو متعلق فقط بالجيش والأمن والجهد الرسمي والشعبي.ولكن أصحابها لا ولن تجدهم أبداً يسألون عما يفعله ويقترفه المتمردون، ولماذا، ومن يقف وراءهم أو يمدهم بكل تلك الأسلحة والمؤن والتمويلات، وزرع فيهم عقيدة القتل وإزهاق الحياة.في رأي هؤلاء أن “الحوار أفضل من الحرب”، لكأننا لا نعرف ذلك ولا نؤمن به، بل وكأن أحداً من اليمنيين لا يفهم ولا يعيش معنى الحوار، أو معاناة الحروب ومآسيها؟!ولكن الحقيقة غير ذلك، والحوار كان خياراً دائماً، إلا أن من يحشد المقاتلين ويكدس الأسلحة ويحفر الخنادق ويعد العدة للحرب، وينكل بالمواطنين وسكان القرى ومصالحهم، ويرفع عصيانه وسلاحه في وجهك، فإن غرضه وهدفه في أحوال كهذه ليس أن يفتح معك باباً للحوار والسلام أو أن يبادلك التحية ومشاعر الود!!برغم جميع الشواهد والوقائع والمشاهدات اليومية والشهادات الحية التي تملأ الأرض والفضاء فإنها غير كافية لإفهام وإقناع المكابرين وتغيير طبيعة قناعاتهم، لأنها ببساطة قناعات وتوجهات مسبقة، لا علاقة لها بالفهم والمنطق السليم والحجج الدامغة، ولا أمل في تغييرها مهما حدث، طالما بقي الأمر خاضعاً للمكايدة والمكابرة والأحقاد السياسية الدفينة.فإذا علمنا ذلك، صار من الواجب علينا أن نحفظ للجنود حقهم أو بعض حقهم من الوفاء والعرفان، فالتنكر للتضحيات والمآثر الرجولية الصادقة والمخلصة التي تكتب كل يوم وكل ساعة بدمائهم الطاهرة وأرواحهم المؤمنة، سلوك يصعب التعايش معه والقبول به ولا نرضاه لأنفسنا.يموت الرجال والجنود ويقبلون على الموت ولا يفرون منه، يفعلون ذلك ليس لأجلهم بل لأجلنا ودفاعاً عنا وعن أبنائنا وبلادنا ومستقبلنا، ومن الخيانة وانعدام المروءة أن لا نحفظ لهم الجميل ونظهر احترامنا وإجلالنا لهذه التضحيات وتلك البطولات والمآثر الرجولية السخية.مهما قلنا، لن ننصف الجنود ولن نبلغ فضلهم وعلو مقاماتهم وعظم بطولاتهم وتضحياتهم وهم يجودون بالدم ولا يدخرون الحياة ولا يرجعون عن ملاقاة الخطر والموت .. فداءً وتضحية وولاء.فمن يملك أن يدعي لنفسه فضلاً يبلغ ما بلغه الجنود، أو يدنو من شرف الميامين الذين نذروا لليمن أرواحهم ودماءهم وهي أعز ما يملك الإنسان على هذه الأرض؟!من الجحود أن لا يعترف الناس بالفضل لأهل الفضل، ومن الجحود أن نخذل الجنود ونتنكر لهم، ومن يفعل ذلك فلا خير فيه لأحد أبداً.
وفاء الجنود .. وبشاعة الجحود!!
أخبار متعلقة